دروس شرح مبادئ علم التوحيد
الدرس العاشر
الصفات الواجبة في حقِّ المولى سبحانه وتعالى
(صفة الإرادة)
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا ومولانا محمد، وعلى آل بيته وصحبه الطيبين الطاهرين.
أما بعد،،،
الصفة الثانية من صفات المعاني: الإرادة
تعريفها: صفةٌ أزليةٌ أبديةٌ يتصف بها واجبُ الوجودِ سبحانه وتعالى، يُخصص بها سبحانه وتعالى الممكن ببعض ما يجوز عليه دون البعض الآخر على وِفق العِلْم.
ومحلُّ تعلُّق الإرادة هو التخصيص، فالقدرةُ تُوجِدُ على وِفْقِ الإرادة، والإرادةُ تُخصِّص على وِفْق العِلْم، فهو سبحانه وتعالى لا يُوجد إلاَّ ما أراد، ولا يُريدُ إلا ما علِم، وهو سبحانه الفاعلُ المختارُ، لا يُكْرَهُ على شيء.
أما الأشياء التي تجوز على الممكن فهي المتقابلات، وهي ستٌ يقابلها ست:
- الوجود.
- الزمان المخصوص.
- المكان المخصوص.
- المِقْدار المخصوص.
- الجهة المخصوصة.
- الصفة ُالمخصوصة.
وقد جمعها الشيخ القصَّار المالكيُّ الفاسيُّ رحمه الله تعالى في قوله:
المُمكناتُ المُتقابلاتْ // وجودُنا العَدَمُ الصْفاتْ
أزمنةٌ أمكنةٌ جهات // كذا المقاديرُ روى الثُقاتْ
فالوجود يُقابلُ بالعَدَم، والقِدَمُ يُقابلُ بالحُدوث، والبقاءُ يُقابلُ بالفَناء، وهكذا في كلِّ الصفات، وكلُّ زمنٍ يُقابلُ بما قبله وبعده، وكلُّ مكانٍ يُقابلُ بغيره من الأمكنة، وكلُّ جهةٍ تُقابلُ بغيرها من الجهات،
وما قُدِّر بالذراع مثلاً يُقابلُ بما يُقدَّر بالقصبة وغيرها.
وللإرادة تعلُّقان:
أ) صَلُوحِيُّ: وهو صلاحيتها أزلاً لتخصيص الممكن.
ب) تَنْجِيزِيٌّ: وهو الأثرُ الذي يظهر على الممكن عندما يُخصَّص ببعض ما يجوز عليه دون البعض الآخر، أي بمعنى (أثر الصَّلُوحِي)، والله سبحانه وتعالى يُخصِّص أزلاً، ويُظهر لنا الأثر عند حدوثه، فالحادث هو الذي بدا لنا وظهر، وليس إرادة الله تعالى، إذ هي أزليةٌ لا كيف لها.
وكلُّ شيء موجود من الجواهر والأعراض قد أراده الله تعالى، إذ لا يقع في مُلْكِه إلا ما يُريد، سواء أمر به أو نهى عنه؛ لأن الإرادة تختلف عن الأمر وهي على أربع مراتب:
1. يريد الشيء ويأمر به: كالإيمان من المؤمن.
2. يريد الشيء وينهى عنه: كالكفر من الكافر.
3. لا يريد الشيء ويأمر به: كالإيمان من الكافر.
4. لا يريد الشيء وينهى عنه: كالكفر من المؤمن.
وكلُّ ما سبق لا يخلو مِنْ حِكْمةٍ لهُ سبحانه وتعالى، قال تعالى: ((لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ))(سورة الأنبياء: الآية 23).
وتأتي الإرادة بمعنى المشيئة: قال تعالى : ((إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ))(سورة الأنعام: من الآية 111)
ويأتي القضاء بمعنى المشيئة: قال تعالى: ((فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ))(سورة فُصِّلت: من الآية 12)، فقضاهنَّ: أي أرادهنَّ.
وقد يأتي القضاء بمعنى الأمر: قال تعالى: ((وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً))(سورة الإسراء: من الآية 23)، قضى: أي أمَرَ، ويُفهم ذلك من مخالفة العباد لمقتضى الآية، فالعبد لا يخالف إرادة الله تعالى، إنَّما يُخالف أمره، فليس كلُّ العباد مؤمنين.
الأدلة النقلية على وجوب صفة الوَحْدانية في حقِّ المولى سبحانه وتعالى:
أولاً: من القرآن الكريم:
- قال تعالى: ((مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ))(سورة القصص: من الآية 68).
- وقال تعالى :((إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ))(سورة هود: من الآية 107).
ثانيًا: من السنة النبويَّة المشرَّفة:
عن عَبْدَ الْحَمِيدِ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ أَنَّ أُمَّهُ حَدَّثَتْهُ أَنَّ ابْنَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ حَدَّثَتْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ كَانَ يُعَلِّمُهَا فَيَقُولُ: "قُولِي حِينَ تُصْبِحِينَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ"(رواه أبو داود).
ثالثًا: الإجماع:
أجمعت الأمَّة على وجوب اتصافه سبحانه وتعالى بالإرادة المُطْلقة.
قال سيدنا الإمام الشافعي رحمه الله تعالى ورضي عنه وأرضاه:
ما شِئْتَ كانَ وإنْ لَمْ أشَأ // وما شِئتُ إنْ لم تَشَأْ لَمْ يَكُنْ
خَلَقتَ العِبادَ على ما عَلِمْت // فَفِي العِلْمِ يجْري الفَتى والمُسنْ
على ذا مَنَنْتَ وهذا خَذَلتْ // وهذا أعَنْتَ وذا لَمْ تُعِنْ
فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَمِنْهُمْ سَعيدْ // وهذا قبيحٌ وهذا حَسَنْ
الدليل العقلي على وجوب اتصافه سبحانه وتعالى بالإرادة المطلقة:
أنَّه لو لم يكن سبحانه وتعالى مُريدًا لكان مُكْرهًا، وكونُهُ مُكْرهًا باطلٌ لِما يلزم من العجز المنافي لتمام وكمال قدرته سبحانه وتعالى، وقد تمَّ اثباتها سابقًا.
قال سيدي الإمام عبد الواحد بن عاشر المالكيُّ الفاسيُّ رحمه الله تعالى:
لو لمْ يَكُنْ حيًا مُريدًا عالِما // وقَادِرًا لَمَا رأيتَ عالَما
والله ورسوله أعلى وأعلم
وصلِّ اللهمَّ وسلِّم على سيدنا ومولانا محمَّد وعلى آل بيته وصحبه الطيبين الطاهرين