vendredi 28 février 2020

المراقبة 28/2/2020



بسم الله الرحمن الرحيم
     الحمد لله، لا إلهَ إلا هو الحيّ القيوم، لا تأخذه سنة ولا نوم، سبحانه وبحمده، يكشف البلوى، ويزيل الهموم، أحمده سبحانه وأشكره على عظيمِ آلائه وجزيلِ نَعمائه، والنِّعمُ بشكرِ الله تدوم،   وأشهد أن لا إلهَ إلاَّ الله وحدَه لا شريكَ له شهادةً خالِصة مخلصة تقِي برحمة الله من نار السموم،
      وأشهد أنّ سيّدنا ونبيّنا محمدًا عبد الله ورسوله، اجتباه واصطفاه وأعطاه ما يَروم،
صلّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، حازوا أشرف العلوم، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الجديدان والسحاب المركوم، وسلّم تسليمًا كثيرًا.
  
فإذا كنت  طائعا لله وسعيدا في الحياة فهذا طبيعي..وهم الذين قال فيهم الله تعالى:
 {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.. النح
  وإذا كنت  عاصٍ لله وتعيسا في الحياة فهذا أيضاً طبيعي
لقوله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ}.. [طه  

  أما إذا كنت  طائعا لله وتعيسا في الحياة فهذا يحتمل أمرين:
- إما أن الله يحبك ويريد إختبار صبرك، ورفع درجاتك لقوله: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ}.. [البقرة : 155].

- وإمّا أنّ في طاعتك خللًا وذنوبًا غفلت عنها، ومازلت تُسوّف في التوبة منها ولم تتب حتى الآن، ولذلك يبتليك اللهُ لتعودَ إليه، لقوله تعالى : {وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.. [السجدة : 21].

ولكن إن كنت عاصٍ لله وسعيدا في الحياة فالحذر الحذر !! لأن هذا هو الاستدراج من الله.. والعياذ بالله؛ وهذا أسوأ موضع يكون فيه الإنسان، والعاقبة وخيمة جدًا، والعقوبة من الله آتية آتية لا محالة، إن لم تعتبر قبل فوات الأوان !لقوله تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ}.. الأنعام : 44].
***************************
لذا لا بدّ أن يراقب الواحد منّا نفسه ...     لا بد من أن تعرف نفسك ـ لا سمح الله ولا قدر  إذا عصيت ،من أي العصاة أنت ؟
هناك من يعصي الله ويندم، هناك من يعصي الله ويبكي، هناك من يعصى الله، ويتمنى ألا يعصيه  .. هذا اسمه عند علماء القلوب: المغلوب، غلبته نفسه،
و هناك من يعصي الله ويصرُّ، هناك من يعصي الله ويتباهى، هناك من يعصي الله ويذكر هذا للناس، هناك من يعصي الله وهو في قمَّة نَشوته، هناك من يعصي الله ويتمنى أن يعصيه كل يوم، هناك من يعصي الله و يدعو النّاس لمعصيته..  يجب أن تحدد من أنت؟ من أي العصاة أنت؟
 *******************
     من جهة أخرى،
- تارة نظنّ أنّنا على عمل جليل وهو في الواقع وضيع .- و تارة نقوم بعمل نراه قليلا فنحتقره و نزهدَ فيه و نرجع عنه وهو في الواقع جليل...
[[ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالاً* الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ في الْحَياةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا]]

قصّة إخوة يوسف....:
[[اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ.]]
******************************
لا بد من المراقبة..لكن من سيكون لنا منارة؟ يرشدنا ...ما السبيل لنرى الحقّ حقّا و الباطل باطلا ؟
و جاء في الأثر كما ذكر الغزالي في الإحياء:
<< " المؤمن بين خمسِ شدائد: مؤمنٌ يحسُدُه، ومنافق يبغضه، وكافر يقاتله، وشيطان يُضِلُّه، ونفسٌ تنازعه  >>
************************

أيّها الإخوة،اعلموا رحمكم الله أنّ الله عزّ و جلّ إذا أراد بعبد خيرا بصّره بعيوبه
[[ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ  ]] العنكبوت0
من كانت له بصيرةٌ نافذةً لم تخفى عليه عيوبه، فإذا عرفها أمكنه العلاج:
[[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (28]] الحديد
التحرير و التنوير:
وقوله ويجعل لكم نورا تمشون به: تمثيلٌ لحال القوم الطالبين التحصيل على رضى الله تعالى والفوز بالنعيم الخائفين من الوقوع في ضد ذلك بحالة قوم يمشون في طريق بلَيْل يخشون الخطأ فيه فيُعطون نورا يتبصرون بالثنايا فيأمنون الضلال فيه . والمعنى : ويجعل لكم حالة كحالة نور تمشون به
../.  الدعاء :<< اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه  >>
 الفاتحة:[[ إيّاك نعبد و إيّك نستعين...]]
 

vendredi 21 février 2020

أنواع المعصية 21/2/2020



بسم الله الرحمن الرحيم
     الحمد لله العزيز العليم، غافر الذنب وقابل التوب، شديد العقاب ذي الطول، لا إله إلا هو، إليه المصير، هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب. أحمده سبحانه على عافيته العظيمة، ونعمه الكريمة، وآلائه الجسيمة، التي تتجدد كل آن في الأبدان والأوطان .
     وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له   في ذاته وصفاته وأفعاله، فلا يغيِّرُ ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له، وما لهم من دونه من وال، هو الذي يريكم البرق خوفاً وطمعاً، وينشئ السحاب الثقال، ويسبح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته، ويرسل الصواعق، فيصيب بها من يشاء، وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال.
     وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الذي حذّر أمته الذنوب، وبيَّن عظيمَ خطرها على الأبدان والقلوب، وأنها تُزيل النِّعم عن العباد، وتورث أنواع الفساد، وتحل النقم والمصائب في البلاد، وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. صلى الله وسلم عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وزوجاته أمهات المؤمنين، وخلفائه الراشدين وعموم صحابته الأئمة المهديين.

     أيّها الإخوة ، احذروا شؤم المعاصي، فإنه ما من شر ولا بلاء ينزل بالناس أفراداً كانوا أو جماعات، إلا وسببه الذنوب والمعاصي ...الغيث، غلاء المعيشة، الأمراض، صعوبة الحياة، قلّة الضحك...
أيّها الإخوة،
من طبيعة الإنسان الوقوع في الخطأ والذنب, كما في الحديث:
" كل بني آدم خطاء, وخير الخطّائين التوابون". (الترمذي وابن ماجه والحاكم وصححه(

لكن لا حُجَّة له في ذلك, ولا مبرر للاستمرار في الذنب, بل إنه مأمور بتصحيح خطئه. والجملة الثانية من الحديث ترشده إلى طريق الخلاص وتفتح له باب الأمل" وخير الخطائين التوابون". وكذلك قول الله سبحانه:
{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}
**********************
     لكن قبل الحديث عن المعاصي و التوبة، هناك معانٍ دقيقة ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام تتعلق بإنسان لم يرتكب ذنباً، ولكن أخاه ارتكب الذنب، فقال عليه الصلاة والسلام:
  << الذنب شؤم على غير فاعله، إن عيّره ابتلي به، وإن اغتابه أثم، وإن رضي به شاركه>>  [ أخرجه الديلمي في مسند الفردوس عن أنس ]

     أنت لم تفعل الذنب، لكن أخاك الذي فعل الذنب، لو أنك قلت:  فلان فعل كذا! أيجوز أن يفعل هذا؟
1/ إذا شهرت به، وطعنت في استقامته، وجعلته مضغة في الأفواه، فأنت قد اغتبته بهذه الطريقة، فجاءك من ذنبه شؤم، فقد أكلت لحم أخيك...
*********************
2/ أما إذا قلت:
<< والله فعل ما ينبغي أن يفعل >>
فقد رضيت له الذنب، وقد قال العلماء: لو غبت عن معصية فرضيتها كنت كمن شهِدها، فلم تُنكرها،  
 فمن غاب عن الذنب ورضيه كان كمن شهده و لم ينكره، ومن شهد ذنباً فأنكره كان كمن غاب عنه ...هذا من شؤم معصية الغير.
3/ وحينما تُعيّره تُبتلى به ...
جاء في الأثر:<< من عيَّرَ أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله >>
<<   لا تسخر من عيب في اخيك فيعافيه الله ويبتليك >>  
ابن القيم في مدارج السالكينيريد أن تعييرك لأخيك بذنبه أعظم إثما من ذنبه، وأشد من معصيته، لما فيه من صولة الطاعة وتزكية النفس وشكرها والمناداة عليها بالبراءة من الذنب، وأن أخاك باء به، ولعل كسرته بذنبه وما أحدث له من الذلة والخضوع والإزراء على نفسه والتخلص من مرض الدعوى والكبر والعجب ووقوفه بين يدي الله ناكس الرأس خاشع الطرف منكسر القلب أنفع له وخير من صولة طاعتك وتكثرك بها والاعتداد بها والمنة على الله وخلقه بها، فما أقرب هذا العاصي من رحمة الله، وما أقرب هذا المدل من مقت الله، فذنب تذل به لديه أحب إليه من طاعة تدل بها عليه، وإنك أن تبيت نائما وتصبح نادما خير من أن تبيت قائما وتصبح معجبا، فإن المعجب لا يصعد له عمل، وإنك أن تضحك وأنت معترف خير من أن تبكي وأنت مدل، وأنين المذنبين أحب إلى الله من زجل المسبحين المدلين.
     فلم أرتكب الذنب ليس لأنّي ذكيّا و لا لأنّي عالما بالشريعة...فهناك أذكى مني يرتكب أكبر الذنوب، وهناك من له ثقافة دينة واسعة  يرتكب الذنب ...و لكنّها رحمة من ربّي سبحانه و تعالى يمنّ بها على من يشاء،.
كان عليك أن تشكر الله عزّ وجلّ أنّه نجّاك من هذا الذنب و وحّد الله...
تفسير لا حول ولا قوة إلا بالله
    معناها: << لا حول عن معصية الله إلا بعِصمة الله، ولا قُوَّة على طاعة الله إلا بعون الله>>   أخرجه ابن النجار عن ابن مسعود  
ألا نقول نحن في الفاتحة كل يوم في أثناء صلواتنا:﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾
ألم يقل سيدنا يوسف عليه السلام:
﴿ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ ﴾
[ سورة يوسف الآية : 33]
إذاً لا حول عن معصيته إلا به، ولا قوة على طاعته إلا به.

1/ كان ينبغي عليك  أن تنصحه بينك وبينه، لا على ملإ من الناس
2/ وحينما يرتكب أخوك ذنباً فينبغي ألا ترضى به، إن رضيت به شاركته في الإثم، لو أنه كسب مالاً حرامًا فلا ينبغي أن تقول: نِعمَ ما فعل،  
[[ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ* وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلاَ يُلَقَّاهَآ إِلاَّ الصَّابِرُونَ ]]القصص.

إذا دخلت على غنيّ و رأيت ما فيه من بذخ ...و أُعجبت بحاله و لم تستنكر ... فقد شاركته..
لو غبت عن معصية فرضيتها كنت كمن شهِدها، فلم تُنكرها،  
3/ ولو أنه ارتكب ذنباً فعيّرته، واحتقرته، كيف تفعل هذا؟ أفأنت معصوم؟ أسال الله عز وجل أن يحفظك من هذا.
  
     سيدنا عمر بلغه أنّ1 أحد أصحابه شرب الخمر وسافر إلى الشام، أرسل له كتابًا فيه: "أمّا بعد؛ فإني أحمد الله إليك، غافرِ الذنب، قابل التوب، شديد العقاب/، فقرأ صاحبه الكتاب وصار يبكي، حتى حَملَه هذا الكتاب على التوبة، فقال رضي الله عنه: هكذا اصنعوا بأخيكم إذا ضل، لا تكونوا عوناً للشيطان عليه، ولكن كونوا عوناً له على الشيطان".
**********************
<< الذنب شؤم على غير فاعله، إن عيّره ابتلي به، وإن اغتابه أثم، وإن رضي به شاركه>>

فكيف بالذي ارتكبه؟
     لا بد من أن تعرف نفسك ـ لا سمح الله ولا قدر ـ من أي العصاة أنت ؟ هناك من يعصي الله ويندم، هناك من يعصي الله ويبكي، هناك من يعصى الله، ويتمنى ألا يعصي الله، هذا اسمه عند علماء القلوب: المغلوب، غلبته نفسه، هناك من يعصي الله ويصرُّ، هناك من يعصي الله ويتباهى، هناك من يعصي الله ويذكر هذا للناس، هناك من يعصي الله وهو في قمة نشوته، هناك من يعصي الله ويتمنى أن يعصيه كل يوم، يجب أن تحدد من أنت؟ من أي العصاة أنت؟
سيدنا آدم عصى ربه، لكن:
﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ﴾ طه  
غلب على المعصية، فغفر الله له،
أما إبليس فعصى:
﴿ قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ﴾ الحجر  
فمعصية الشيطان معصية كبر واستعلاء، واعتداد بالمعصية، ومعصية آدم معصية غلبة وضعف ، لذلك قال تعالى:﴿ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ﴾
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾
   آل عمران  .
ابن القيّم:
" الفرح بمعصية الله عز وجل دليل على شدة الرغبة فيها، والجهلِ لقدر من عصاه، والجهلِ لسوء عاقبتها، وعِظم خطرها، ففرحه بها غطّى علي ذلك كله، وفرحه بها أشد ضرراً عليه من مواقعتها، الفرح بالذنب أخطر من وقوع الذنب نفسه، والمؤمن لا تكون له لذة بمعصية أبداً، ولا يكبر بها فرحه، بل لا يباشرها إلا والحزن مخالط لقلبه، ومن خلي قلبه من هذا الحزن، واشتدت غبطته وسروره به فليتَّهم إيمانه، وليبكِ على موت قلبه، فإنه لو كان حياً لأحزنه ارتكاب الذنب، وغاظه، وصعب عليه،
  ﴿إِنَّمَا ٱلتَّوۡبَةُ عَلَى ٱللَّهِ لِلَّذِینَ یَعۡمَلُونَ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَـٰلَة ثُمَّ یَتُوبُونَ مِن قَرِیب فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ یَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَیۡهِمۡۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِیمًا حَكِیما﴾ [النساء ١٧]
[[ كَتَبَ رَبُّكُمۡ عَلَىٰ نَفۡسِهِ ٱلرَّحۡمَةَ أَنَّهُۥ مَنۡ عَمِلَ مِنكُمۡ سُوۤءَۢا بِجَهَـٰلَة ثُمَّ تَابَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَصۡلَحَ فَأَنَّهُۥ غَفُور رَّحِیم ]] الأنعام

     روى البيهقي في شعب الإيمان عن ابن سماك قال: أصبحت الخليقة على ثلاثة أصناف: صنف من الذنب تائب، موطن لنفسه على هجران ذنبه، لا يريد أن يرجع إلى شيء من سيئته، هذا المبرز، وصنف يذنب ثم يندم، ويذنب ويحزن، ويذنب ويبكي، هذا يرجى له، ويخاف عليه، وصنف يذنب، ولا يندم، ولا يحزن، ويذنب ولا يبكي، فهذا الكائن الحائد عن طريق الجنة إلى النار .
إنسان ارتكب الذنب مرة واحدة، وتاب توبة نصوحًا، هذا الآمن، وإنسان ارتكب الذنب، ثم عاد إليه، هذا يُخاف عليه، لكن الله يقبله، وإنسان يرتكب الذنب، ولا يتأثر، ولا يندم ولا يتوب إلى الله فهذا انتقل من الجنة إلى النار.


mercredi 12 février 2020

الإنفاق 2/2020



     الحمد لله الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون ، [[ وإذا قضى أمرا فإنما يقول له : كن فيكون ،]]وله الحمد في السمـوات والأرض وعشيا وحين تظهرون . [[يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون]] .
      وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في شأن من الشؤون ، بديع السماوات والأرض كلٌ له قانتون ،
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الأمين المأمون ، والجوهر المكنون . اللهم فصل وسلم على سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه الذين هم فيما عند الله راغبون ، ومما لديه راهبون .
 لماذا أمرَنا الله سبحانه وتعالى بالإنفاق ، قال تعالى :
﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ التوبة  
 تطهّرهم وتزكِّيهم ، المال وسيلة من الوسائل الفعّالة لِتَزكيَة النَّفس ، وتطهيرها من أدْرانها ، والله سبحانه وتعالى يقول :
﴿ فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى * لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى﴾
 إذًا حينما أمرنا لله سبحانه وتعالى بالصدقة وبالزكاة ، وبالإنفاق بِشَكْلٍ مُوَسَّع ، الهدف الأوْحَد تطهير النفس ، وتزكيتُها ، وسُمُوُّها إلى خالقها سبحانه وتعالى .

أيّها الإخوة،
        - يجِبُ أن نعلم علْم اليقين أنَّ الله يعلمُ كلّ نفقةٍ ننفقها صغيرة كانت أو كبيرة ، ربُّنا سبحانه وتعالى يقول :
﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ البقرة  
يجب أن نعلم أنّ اللُّقمة إذا أنفقناها في سبيل الله   فالله يعلمها ،
     - ويجب أن نعلم و أن نوقن يقينًا لا شكَّ فيه أنَّه إذا أنفقنا فإنَّ الله سيُضاعفُ هذا الذي أنفقناه أضعافًا مضاعفة كثيرة ،
الله سبحانه يقول:
   ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾البقرة  
     هذا كلام الله ربّ العالمين ، كلام خالق الكون ، كلام الله لا شكّ فيه ، ولا يأتيه الباطل: يَعِدُ كلّ منفق بالتعويض ، وبالمضاعفة ...
﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ سبأ  
+++++++++++++
ولكنَّ
 النيّة تختلف ، يجب أن نُحَرِّرَ النيّة ، يقول الله عز وجل :﴿وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ﴾  
 قال تعالى :
﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾
﴿وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ﴾ الروم الآية:39
 إذّا،
يجب أن نعلم أنّ الله يعلم ، ويجب أن نوقِنَ أنَّ الله يُخلف ، و يضاعف، ويجب أن نحَرِّر نيّتنا من الشوائب لأنَّه دينارٌ أُنفقَ في إخلاص خيرٌ من مئة ألف دينار أنفق في رياء .
 و لكنَّ مرّة أخرى،
  هذا الذي تُنفقهُ ما نوعهُ و ما علاقتك به ؟
طيّْب، و ممّا تحب: [[ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ آل عمران) ؟   
        يجب أن تنفق من شيءٍ تحبّه ، من شيءٍ أثير عليك ، من شيءٍ تحْرص عليه ، من شيء هو عندك متألّق ،

 ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾
 ...وإن أنفقتم شيئًا تكرهونه فالله غنيّ عنكم ، الطَّعام الذي لا تستسيغُه نفسك لا تنفقه للناس ، الله سبحانه وتعالى لن يتقبّله منك

 يجب أن تعلم أنَّ الله يعلم ، ويجب أن تعلم أنَّ الله يُخْلف و يضاعف، ويجب أن تعلمَ نيَّتَكَ الصادقة ، ويجب أن تعلم أنَّ نوع الصَّدَقة من شيءٍ تحبُّه ، وتحرصُ عليه ، وتضنّ به ، وتقبلهُ إذا قُدِّم إليك .
+++++++++++
  وأيضا ما علاقتهُ بِمَالِك
 قد تُكتب الحسنة الواحدة بمائة ألف حسنة وقد تكتب بألف ألف وقد تكتب بأكثرَ من ذلك، وذلك على حَسب حُسْن عملِ الشخص وقوة يقينه وصدقِ نيته، من هنا قال رسول الله عليه السلام
<< سَبَقَ دِرهَمٌ مائَةَ أَلفِ دِرهَمٍ  >>
قيل كيف ذلك يا رسول الله؟
قال <<رَجُلٌ تصدق بمائة ألف من عُرْض ماله، ورجل ليس له إلا دِرهمان تصدقَ بأَحدِهما >>؟ قال تعالى :
+++++++++++++
 كيف ننفق ؟ ومتى ؟ وما الطريقة ؟
كيف؟   ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾

        إن كان إعلان النّفقة يُسَبِّب حرجًا لِمَن تعطيه فينبغي أن تنفق سِرًّا ، وإن كان إنفاق المال يُسَبِّب تشْجيعًا ، وحماسًا لِمَن يروْنك ، من دون أن تؤذي أحدًا من عباد الله ، فلا بأس عليك من أن تعلِنَ هذا الإنفاق  
++++++++++
 متى؟ المتّقون فهم الذين ينفقون في السراء والضَّراء ، ينفق في حالة الغنى والفقر ، ينفق في إقبال الدنيا ، وفي إدبارها ، ينفق في الضِّيق وفي البحبوحة ، في السراء والضراء ، قال تعالى :
﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾  آل عمران  
 
    << أحبّ ثلاثًا ، وحبّ لِثَلاثٍ أشدّ : أحبّ الكرماء وحبي للفقير الكريم أشدّ ، وأبغض ثلاثًا ، وبغضي لثلاث أشدّ ، أبغض البخلاء ، وبغضي للغنيّ البخيل أشدّ .>>
++++++++++++++
       أيها الإخوة الأكارم ؛ ما الذي يُبْطل النفقات ؟ قال تعالى :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ﴾
 إن دفعْتَ مبْلغًا من المال فيجب أن تنسى أنَّكَ دفعْته ...
 
 الفقراء لا يسألون الناس إلحافًا ،

والفقراء يحسبهم الجاهل أغنياء من التَّعفّف ، الفقراء تعرفهم بسيماهم ، الفقراء لهم نفوس عزيزة ، إذا اجْتمَعت كلمة الفقراء والمساكين في آية فالفقير هو الذي لا يجد حاجته ، قال عليه الصلاة والسلام
:
  <<  ليس الفقير الذي تسدُّه اللقمة واللقمتين إنما الفقير من لا يجد حاجته...  >>  
 أما المسكين فهو العاجز ...
 
أيها الإخوة المؤمنون ،
 حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزِنوا أعمالكم قبل أن توزَنَ عليكم ، واعلموا أنّ ملك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا وسيتخطَّى غيرنا إلينا ، فلْنتَّخِذ حذرنا ، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنَّى على الله الأماني.

والحمد لله رب العالمين
***********************************



الدعاء :
 اللهمّ اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيْت ، وتولَّنا فيمن تولّيْت ، وبارك اللّهم لنا فيما أعْطيت ، وقنا واصْرف عنَّا شرّ ما قضَيْت فإنَّك تقضي ولا يُقضى عليك ، إنَّه لا يذلّ من واليْت ، ولا يعزّ من عادَيْت ، تباركْت ربّنا وتعاليْت ، ولك الحمد على ما قضيْت نستغفرك اللهمّ ونتوب إليك ، اللهمّ أعطنا ولا تحرمنا ، وأكرمنا ولا تهنّا ، وآثرنا ولا تؤثر علينا ، وأرضنا وارضَ عنَّا ، وأصْلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصْلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصْلح لنا آخرتنا التي إليها مردُّنا ، واجْعل الحياة زادًا لنا من كلّ خير ، واجعل الموت راحةً لنا من كلّ شرّ ، مولانا ربّ العالمين ، اللهمّ اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمَّن سواك ، اللهمّ لا تؤمنَّا مكرك ، ولا تهتِك عنَّا سترَك ، ولا تُنسنا ذكرك ، يا رب العالمين ، اللهمّ إنَّا نعوذ بك من عُضال الداء ومن شماتة العداء ، ومن السَّلْب بعد العطاء ، يا أكرم الأكرمين ، نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الذلّ إلا لك ، ومن الفقر إلا إليك ،