jeudi 24 novembre 2016

أدب الاختلاف للشيخ /عبد الله بن بيه

أدب الاختلاف

الشيخ /عبد الله بن بيه
وزير العدل الموريتاني سابقاً
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز–جدة 


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ، وبعد 
فهذه ورقة عن أدب الاختلاف مقدمة إلى المؤتمر لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة جمادى الآخرة 1422هـ. تشتمل هذه الورقة على مقدمة عن معنى الاختلاف والخلاف ،والباعث على تقديم هذه الورقة ، نتعرض فيها للعناوين التالية :- 
1 – تأصيل الألفة والجماعة .
2- تأصيل الاختلاف بين أهل الحق وتسويغه .
3- أقوال العلماء في الاختلاف.
4- آداب الاختلاف .
5- أسباب الاختلاف .
- خاتـمة .


----------------------------------

مقدمـة:

الاختلاف هو التباين في الرأي والمغايرة في الطرح وقد ورد فعل الاختلاف كثيراً في القرآن الكريم قتا تعالى:{ فاختلف الأحزاب من بينهم } (مريم) ،وقال تعالى:{ يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون }(البقرة) ،وقال تعالى:{ و ما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جائتهم البينات }(البقرة) ،وقال تعالى:{ وما اختلفتم فيه من شيء... } (الجاثية).

أما الخلاف فهو مصدر من خالف إذا عارضه ،قال تعالى:{ وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه } (هود) ،وقال تعالى:{ فليحذر الذين يخالفون عن أمره }(النور).

وجاء بصيغة المصدر قال تعالى{ لا يلبثون خلافك إلا قليلاً } (الإسراء) ،وقال تعالى{ وأرجلهم من خلاف} (المائدة).

والاختلاف قد يوحي بشيء من التكامل والتناغم كما في قوله تعالى { فأخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها } (فاطر).

وأما الخلاف فإنه لا يوحي بذلك وينصب الاختلاف غالباً على الرأي اختلف فلان مع فلان في كذا والخلاف ينصب على الشخص.

ثم إن الاختلاف لا يدل على القطيعة بل قد يدل على بداية الحوار فإن ابن مسعود اختلف مع أمير المؤمنين عثمان في مسألة إتمام الصلاة في سفر الحج ولكنه لم يخالف بل أتم معه وقال : الخلاف شر. 


قد يدل الخلاف على القطيعة.
هذا الإيحاءات والظلال جعلتنا نفضل كلمة الاختلاف التي قد تكون مقدمة للتفاهم والتكامل على كلمة الخلاف وإن كان العلماء يستعملون كلتا الكلمتين لتأدية نفس المعنى باعتبارهما من المترادف فتتعاوران وتتعاقبان .


الكلمات ذات العلاقة : 
هناك كلمات قوية في دلالتها على اشتداد الخلاف كالنزاع والشقاق وهو الوقوف في شق أي في جانب يقابل ويضاد الجانب الآخر.
الاختلاف ظاهرة لا يمكن تحاشيها باعتبارها مظهراً من مظاهر الإرادة التي ركبت في الإنسان إذ الإرادة بالضرورة يؤديان إلى وقوع الاختلاف والتفاوت في الرأي.
وقد انتبه لذلك العلامة ابن القيم عندما يقول : "وقوع الاختلاف بين الناس أمر ضروري لا بد منه لتفاوت أغراضهم وأفهامهم وقوى إدراكهم ولكن المذموم بغي بغضهم على بغض وعدوانه" ( إعلام الموقعين)

فإن الشقاق يمكن تفاديه بالحوار الذي من شأنه أن يقدم البدائل العديدة لتجنب مأزق الاصطدام في زاوية الشقاق.

ونحن في ورقتنا هذه إنما نبحث عن البدائل انطلاقاً من الشريعة الإسلامية نصوصاً ومقاصد وأصولاً وفروعاً وتطبيقات بنماذج تاريخية .
الباعث : إن الباعث على هذه الورقة هو ملاحظة لا تعزب عن بال أحد بل لا تغرب عن حواسه تتمثل في اختلاف كثير تصديقا لقوله عليه الصلاة والسلام { وإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً } .

وهو اختلاف انتشر في الأمة أفقيًا وعمودياً في كل الفئات وعلى مختلف المستويات. تعددت أسبابه وتنوعت ألوانه واستعلمت فيه كل الوسائل من تكفير وتفسيق وتبديع وتشويه وتسفيه وما شئت من مصدر على وزن تفعيل. 

وأستعمل فيه الخصوم كل أدوات الدفاع والهجوم وضاقت بالحياد فيه الأرض بما رحبت فالكل متهم والكل براء وأعجز داء الأمة الدواء فحضر الشهود إلا شاهد العقل واستحضرت الحجج إلا حجة الإنصاف ( وما أبرئ نفسي ). 

ونحن هنا لا نحاول إصدار فتاوى في مسائل الاختلاف ولا تحضير بلسم سحري يبرء الأوصاب لأن ذلك ليس في مقدورنا ولا في طاقتنا فقد نتكلف شططاً ونكلفكم عناء وعنتا لو حاولنا ذلك ، وقد يكون من المفارقات أن أطلب من الآخرين التواضع والنسبية في الحكم ، وفي الوقت نفسه أصدر أحكامه باتة في قضاياهم.

إن محاولتنا تعنى بحثاً عن كيفية تعقيل أو عقلنة جدلنا وتنظيم اختلافاتنا وترتيب درجات سلم أولوياتنا وتحسين نياتنا وإرادتنا على ضوء ما يستخلص من نصوص شرعية حاكمة وآثار عن السلف شارحة وممارسات رشيدة هادية. إذ من شأن ذلك أن يقلل من الخلاف أو ينزع فتيل ناره لتصبح بردًا وسلاماً.

يقول العلامة ابن القيم : " فإذا كان الاختلاف على وجه لا يؤدي إلى التباس والتحري وكل من المختلفين قصده طاعة الله ورسوله لم يضر ذلك الاختلاف فإنه أمر لا بد منه في النشأة الإنسانية لأنه إذا كان الأصل واحدا والغاية المطلوبة واحدة والطريقة المسلوكة واحدة لم يكد يقع اختلاف وإن وقع كان اختلافًا لا يضر كما تقدم من اختلاف الصحابة ) (الصواعق المرسلة ج 2 ص 519 )
كيف نجعل اختلافنا من هذا النوع الذي أشار إليه ابن القيم ؟ فإذا ذلك غرضنا فلننتقل إلى تأصيل أهمية الألفة وإصلاح ذات البين.



تأصيل الألفة والاعتصام بحبل الجماعة :

إنه من المعلوم ضرورة من الذين قال تعالى { واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا}،{ ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم }.قوتكم وجماعتكم ونصركم.
{ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البيانات}،{أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه}.
أوامر بالاعتصام بحبل الله تعالى وإقامة دينه مقرونة بنواه عن التفرق والنزاع مع التنبيه إلى النتائج الحتمية المتمثلة في الفشل الذي يعنى العجز عن الوصول إلى غاية معينة وهنا فشل الأمة وعجزها عن القيام بوظيفتها في هداية البشر والخلافة الراشدة في الأرض { واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم }.
وقد بين عليه الصلاة والسلام ذلك خير بيان ، وهو المبين للذكر المبلغ للوحي في نواه صريحة " لا تقاطعوا وتدابروا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخواناً " 



إصلاح ذات البين : 

{ فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم } ،{ لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس } { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا ذات بينهما } ، { واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم } وحديث " ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخواناً كما أمركم الله تعالى " أخرجه مسلم من حديث أنس وفي حديث أبي هريرة " لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا " وخرج أحمد وأبوداود والترمذي من حديث أبي الدرداء عنه عليه السلام { ألا أنبئكم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة ؟ قالوا بلى يا رسول الله قال : إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة { والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا }. 
وفي ثاني خطبة له بالمدينة بعد الهجرة كما يروى ابن إسحاق دعا إلى حب الله تعالى قائلاً : أحبوا ما أحب الله أحبوا الله من كل قلوبكم " ثم دعا المسلمين إلى الحب فيما بينهم قائلاً : وتحابوا بروح الله بينكم "
استخلص العلماء رحمهم الله تعالى من ذلك أن الجماعة والألفة أصل من أصول الدين يضحى في سبيله بالفروع.
عبر عنه خير تعبير ابن تيمية حيث يقول : "الاعتصام بالجماعة والألفة أصل من أصول الدين والفرع المتنازع من الفروع الخفية فكيف يقدح في الأصل بحفظ الفرع"( 22 ص 254 ).وهو كلام صحيح فيه فقه وبصر بأحكام الشرع ولقد اعتذر نبي الله هارون لأخيه موسى عليهما السلام- في عدم اتباعه له عندما عبد بنو إسرائيل العجل بالمحافظة على وحدة بني إسرائيل فلو تفرقوا لحملتني مسئولية ذلك:{ يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا أن لا تتبعني أفعصيت أمري قال يابنؤم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي }. 



تسويغ الاختلاف : 

إن الاختلاف بين أهل الحق سائغ وواقع ، وما دام في حدود الشريعة وضوابطها فإنه لا يكون مذموماً بل يكون ممدوحاً ومصدراً من مصادر الإثراء الفكري ووسيلة للوصول إلى القرار الصائب ، وما مبدأ الشورى الذي قرره الإسلام إلا تشريعاً لهذا الاختلاف الحميد { وشاورهم في الأمر } فكم كان النبي صلى الله عليه وسلم يستشيروا أصحابه ويستمع إلى آرائهم وتختلف وجهات نظرهم في تقرير المضي في حملة بدر ونتائج المعركة وكان الاختلاف من الموقف من الأسرى.
فعندما استشار في المضي فدماً لنزال المشركين بعد أن تبين كثرة جيوشهم بالنسبة للمسلمين وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينصت إليهم وما ليم أحد على رأي أبداه أو موقف تبناه وما تعصب منهم أحد ولا تحزب بل كان الحق غايتهم والمصلحة رائدهم.
وقد يقر النبي صلى الله عليه وسلم كلاً من المختلفين على رأيه الخاص ، وبدون أن يبدي أي اعتراض أو ترجيح. 
كما في مسألة أمره عليه الصلاة والسلام بصلاة العصر في بني قريظة فقد صلاها بعضهم بالمدينة ولم يصلها العض الآخر إلا وقت صلاة العشاء ، ولم يعنف أحداً منهم كما جاء في الصحيحين. 
وفي السفر كان منهم المفطر والصائم . وما عاب أحد على أحد كما جاء في الصحيح حتى في الاختلاف في القراءة في حديث ابن مسعود
إنها التربية النبوية للصحابة ليتصرفوا داخل دائرة الشريعة حسب جهدهم طبقاً لاجتهادهم. 
وبعده عليه الصلاة والسلام كانت بينهم اختلافات حسمت أحيانا كثيرة بالاتفاق كما في اختلافهم حول الخليفة بعده صلى الله عليه وسلم.
وكما في اختلافهم حول قتال مانعي الزكاة وحول جمع القرآن الكريم ورجوع عمر إلى قل علي مسألة المنكوحة في العدة 
وتارة يبقى الطرفان على موقفهما وهما في غاية الاحترام لبعضهما البعض. 
قصة عمر مع ربيعة بن عياش

قصة الأرض الخراجية
قصة عائشة وابن عباس في رؤيته عليه الصلاة والسلام للباري جل وعلا. 
وبين عائشة وبين الصحابة في سماع الموتى 
وبين عمر وبين فاطمة بنت قيس في مسألة سكنى المبتوتة ونفقتها وابن مسعود وأبي موسى الأشعري في مسألة إرضاع الكبير.
وأبو هريرة وابن عباس في الوضوء مما مست النار.
واختلاف عمر مع أبي عبيدة في دخول الأرض التي بها وباء.

ويدخل التابعون في بعض الأحيان في حلبة الخلاف كأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف مع ابن عباس في عدة الحامل المتوفى عنها. 
وتقف عائشة إلى جانب ابن عباس قائلة لأبي سلمة إنما أنت فروج – رأى الديكة تصيح فصاح – معتبرة أنه لم يبلع بعد درجة الاجتهاد ولكن الأمر لا يتجاوز ذلك.

وموضوعات الخلاف كثيرة جداً ولكنها تحسم بالتراضي إما بالرجوع إلى رأي البعض ، ويسجل لعمر رضي الله عنه كثرة رجوعه إلى آراء أخوته من الصحابة واعترافه أمام الملأ وتأصيله القاعدة الذهبية وهي : " أن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد " وهي قاعدة تبناها العلماء فيما بعد فأمضوا أحكام القضاة التي تخالف رأيهم واجتهادهم حرصاً على مصلحة إنهاء الخصومات وحسم المنازعات وهي مصلحة مقدمة في سلم الأوليات على الرأي المخالف الذي قد يكون صاحبه مقتنعا به.


أقوال العلماء في الاختلاف :- 

يقول الحافظ بن رجب : (ولما كثر اختلاف الناس في مسائل الدين وكثر تفرقهم كثر بسبب ذلك تباغضهم وتلاعنهم وكل منهم يظن أنه يبغض لله وقد يكون في نفس الأمر معذوراً وقد لا يكون معذوراً بل يكون متبعاً لهواه مقصراً في البحث عن معرفة ما يبغض فإن كثيراً كذلك إنما يقع لمخالفة متبوع يظن أنه لا يقول إلا الحق وهذا الظن قد يخطئ ويصيب وقد يكون الحامل على الميل إليه مجرد الهوى والألفة أو العادة وكل هذا يقدح في أن يكون هذا البغض لله فالواجب على المسلم أن ينصح لنفسه ويتحرز في هذا غاية التحرز وما أشكل منه فلا يدخل نفسه فيه خشية أن يقع فيما نهى عنه من البغض المحرم.

وها هنا أمر خفي ينبغي التفطن له وهو أن كثيراً من أئمة الدين قد يقول قولاً مرجوحاً ويكون فيه مجتهداً مأجوراً على اجتهاده فيه موضوعاً عنه خطؤه فيه ولا يكون المنتصر لمقاتلته تلك بمنزلته في هذه الدرجة لأنه قد لا ينتصر لهذا القول إلا لكون متبوعه قد قاله بحيث لو أنه قد قاله غيره من أئمة الدين لما قبله ولا انتصر له ولا والى من يوافقه ولا عادى من خالفه وهو مع هذا يظن أنه إنما انتصر للحق بمنزلة متبوعه وليس كذلك فإن متبوعه إنما كان قصد الانتصار للحق وإن أخطأ في اجتهاده.

وأما هذا التابع فقد شاب انتصاره لما يظن أنه الحق إرادة علو متبوعه وظهور كلمته وأنه لا ينسب إلى الخطأ وهذه دسيسة تقدح في قصده الانتصار للحق فافهم هذا فإنه مهم عظيم والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. ) انتهى كلام الحافظ وهم كلام في غاية الفضل.

قال الشافعي : " ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة " 
وقال : "ما ناظرت أحداً إلا قلت اللهم أجر الحق على قلبه ولسانه فإن كان الحق معي اتبعني وإذا كان الحق معه اتبعته" – قواعد الأحكام 
رفض مالك حمل الناس على الموطأ !

قال مالك للخليفة العباسي – حينما أرد حمل الناس على الموطأ وهو كتاب مالك وخلاصة اختياره في الحديث والفقه – لا تفعل يا أمير المؤمنين معتبراً أن لكل قطر علماءه وآراءه الفقهية فرجع الخليفة عن موقفه بسبب هذا الموقف الرفيع من مالك في احترام رأي المخالف وإفساح المجال له. 

قالت عائشة عن بعض الصحابة وقد اختلفت معه : أما إنه لم يكذب ولكنه نسي أو أخطأ.
كان الذهبي مثل العالم المتفتح المنصف .

فقد قال الذهبي عن الشيخ عبد الستار المقدسي الحنبلي رحمه الله تعالى : "أنه قل من سمع منه لأنه كان فيه زعارة وكان فيه غلو في السنة " وقال عنه : "وعني بالسنة وجمع فيها وناظر الخصوم وكفرهم وكان صاحب حزبية وتحرق على الأشعرية فرموه بالتجسيم ثم كان منابذاً لأصحابه الحنابلة وفيه شراسة أخلاق مع صلاح ودين يابس." 

اعتبر الذهبي ذلك حزبية. 
وقال الذهبي عن القاضي أبي بكر بن العربي : "لم ينصف القاضي أبو بكر رحمه الله شيخ أبيه في العلم ولا تكلم فيه بالقسط وبالغ في الاستخفاف به وأبو بكر على عظمته في العلم لا يبلغ رتبة أبي محمد ولا يكاد فرحمهما الله وغفر لهما". 
وكان الذهبي يثني ثناء عاطراً على تقي الدين السبكي مع أنه شيخ الأشاعرة الذي كان بينه وبين شيخه الشيخ تقي الدين بن تيمية من الخلاف ما هو معروف. ثم يتعذر الذهبي عن الظاهرية قائلاً : " ثم ما تفردوا به هو شيء من قبيل مخالفة الإجماع الظني وتندر مخالفتهم الإجماع القطعي ". ثم ذكر أنهم ليسوا خارجين عن الدين. 

وقال عنهم : "وفي الجملة فداود بن علي بصير بالفقه عالم بالقرآن حافظ للأثر رأس المعرفة من أوعية العلم له ذكاء خارق وفيه دين متين وكذلك فقهاء الظاهرية جماعة لهم علم باهر وذكاء قوي فالكمال عزيز والله الموفق". 
ويقول الذهبي :"ونحن نحكي قول ابن عباس في المتعة وفي الصرف وفي إنكار العول وقول طائفة من الصحابة في ترك الغسل من الإيلاج بغير إنزال وأشباه ذلك ولا يجوز تقليدهم في ذلك ". 
وقال : " كل فرقة تتعجب من الأخرى ونرجو لكل من بذل جهده في تطلب الحق أن يغفر له من هذه الأمة المرحومة ". 
ويقول ابن تيمية : " وأمرنا بالعدل والقسط فلا يجوز لنا إذا قال يهودي أو نصراني فضلا علن الرافضي قولا فيه حق أن نتركه أو نرده كله ". 
وقال أيضاً : " الاعتصام بالجماعة والائتلاف من أصول الدين والفرع المتنازع فيه من الفروع الخفية فكيف يقدح في الأصل بحفظ الفرع ". ( الفتاوى 22 – 254 ) 


المعاداة بين المختلفين في الاجتهاد اتباع للهوى : 
يدخل الخلل في الموالاة والمعاداة حين يكون الاتباع للهوى وحيثما وجد التفرق كان مبعثه الهوى لأن أصل الاختلاف الاجتهادي لا يقتضي الفرقة والعداوة وقد جعل الشاطبي هذا الأصل مقياساً لضبط ما هو من أمر الدين وما ليس منه فقال : ( فكل مسألة حدثت في الإسلام فاختلفت الناس فيها ولم يورث ذلك الاختلاف بينهم عداوة ولا بغضاء ولا فرقة علمنا أنها من مسائل الإسلام وكل مسألة طرأت فأوجبت العداوة والتنافر والتنابز والقطيعة علمنا أنها ليست من أمر الدين في في شيء وأنها التي عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتفسير الآية وهي قوله تعالى { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً } فيجب على كل ذي دين وعقل أن يجتنبها.. فإذا اختلفوا وتقاطعوا كان ذلك بحدث أحدثوه من اتباع الهوى وهو ظاهر في أن الإسلام يدعو إلى الألفة والتحاب والتراحم والتعاطف فكل رأي أدى إلى خلاف ذلك فخارج عن الدين ).
ووصف الشيخ تقي الدين بن تيمية من يوالى موافقه ويعادي مخالفه ويكفر ويفسق مخالفه دون موافقة في مسائل الآراء والاجتهادات ويستحل قتال مخالفة بأنه من أهل التفرق والاختلاف ( الفتاوى 7- 349 ) 

ويرى ابن تيمية ترك بعض المستحبات تأليفاً قائلاً : " لأن مصلحة التأليف في الدين أعظم من مصلحة فعل مثل هذا كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم تغيير بناء البيت لما في إبقائه من تأليف القلوب ".

وأنكر ابن مسعود على عثمان إتمام الصلاة في السفر ثم صلى خلفه متماً وقال الخلاف شر. ( الفتاوى 22 – 407 ) 
رأي النووي في الطائفة المتصورة : " ويحتمل أن هذه الطائفة تفرقت بين أنواع المؤمنين منهم شجعان مقاتلون ومنهم فقهاء ومنهم محدثون ومنهم زهاد وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر ومنهم أهل أنواع أخرى من أهل الخير ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض في أقطار الأرض ". 

ويقول الذهبي في ميزان الاعتدال من ترجمة الحافظ أبي نعيم الأصفهاني : "كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به ولا سيما إذا لا ح لك أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد لا ينجو منه إلا من عصم الله وما عملت أن عصراً من الأعصار سلم أهله من ذلك سوى الأنبياء والصديقين".
قال أحمد: "لم يعبر الجسر إلى خراسان مثل إسحاق وإن كان يخالفان في أشياء فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضا ".


آداب عامة ينبغي للمختلفين أن يراعوها ليعذر بعضهم بعضاً :-

1- العذر بالجهل !
يقول ابن تيمية : وكثير من المؤمنين قد يجهل هذا فلا يكون كافرا ( 11-411 ) 
وفي حديث ابن ماجة عن حذيفة " يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب حتى لا يدري ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة وليسرى على كتاب الله عز وجل في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية وتبقى طوائف من الناس الشيخ الكبير والعجوز يقولون أدركنا آباءنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله فنحن نقولها فيقول صلة بن زفر لحذيفة راوي الحديث ما تغنى عنهم لا إله إلا الله وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة ؟ فأعرض عنه حذيفة ثم أقبل عليه في الثالثة فقال يا صلة تنجيهم من النار. ثلاثاً " رواه الحاكم
وقد وقع في الديار الشيوعية وأيام سقوط الأندلس أشياء من هذا القبيل والله المستعان.

2 – العذر بالاجتهاد :
يقول ابن تيمية أعذار الأئمة في الاجتهاد فليس أحد منهم يخالف حديثاً صح عن النبي صلى الله عليه وسلم عمدا فلا بد له من عذر في تركه مضيفا : وجميع الأعذار ثلاثة أصناف أحدها : عدم اعتقاده أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله والثاني : عدم اعتقاده إرادة تلك المسألة بذلك والثالث : اعتقاده أن ذلك الحكم منسوخ ( 20- 232 ) 
وعذر المقلد من نوع عذر الجاهل يقول ابن عبد البر : ولم يختلف العلماء أن العامة عليها تقليد علمائها ( جامع بيان العلم وفضله ) 
ويقول ابن تيمية : وتقليد العاجز عن الاستدلال للعالم يجوز عند الجمهور 19 – 262 ) 
ويقول ابن القيم : فالعامي لا مذهب له لأن المذهب إنما يكون لمن له نوع نظر واستدلال.

3- العذر باختلاف العلماء : 
عدم الإنكار في مسائل الاختلاف ومسائل الاجتهاد يقول ابن القيم : إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع وللاجتهاد فيها مساغ لم تنكر على من عمل فيها مجتهداً أو مقلدا. ( إعلام الموقعين 3 – 365 ) 
ويقول العز بن عبد السلام : من أتى شيئاً مختلفاً في تحريمه إن اعتقد تحليله لم يجز الإنكار عليه إلا أن يكون مأخذ المحلل ضعيفا ( قواعد الأحكام 1-109 ) قال إمام الحرمين : ثم ليس للمجتهد أن يعترض بالردع والزجر على مجتهد آخر في موقع الخلاف إذ كل مجتهد في الفروع مصيب عندنا ومن قال إن المصيب واحد فهو غير متعين عنده فيمتنع زجر أحد المجتهدين الآخر على المذهبين ( الإرشاد ص 312 )

4- الرفق في التعامل :-
والرفق أصل من أصول الدعوة ومبدأ من مبادئ الشريعة ففي حديث الرجل الذي بال في المسجد وزجره أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فنهاهم عليه الصلاة والسلام قائلاً : لا تزمروه – أي لا تقطعوا بوله – وأتبعوه ذنوبا من ماء وقال للرجل إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذه القاذورات.

وحديث خوات بن جبير رضي الله عنه حين راءاه مع نسوة فقال ماذا تبغي هاهنا قال التمس بعيراً لي شاردا . ثم حسن إسلامه وخلصت توبته فمازحه عليه الصلاة والسلام قائلا : ماذا فعل بعيرك الشارد قال : قيده الإسلام يا رسول الله . 
وحديث الأعرابي الذي أعطاه فقال له أحسنت عليك فقال كلاما غير لائق فهم به الصحابة فنهاهم عليه الصلاة والسلام وأدخله في البيت فأعطاه ثم خرج به وقال هل أحسنت فقال أحسنت علي وفعلت وفعلت فضحك عليه الصلاة والسلام وضرب مثلاً بصاحب الراحلة الشاردة.

5- أن لا يتكلم بغير علم قال تعالى { ولا تقف ما ليس لك به علم } لا بد من الإحاطة بما في المسألة قبل أن تخالف .

قل للذي يدعى علمـــــا ومــعــرفة *** علمت شيئـــا وغـابت عنك أشـيــــاء 
فالعلم ذو كثــرة في الصحف منتشر *** وأنت يا خل لم تستكمـــل الصحفـــا 

6- أدب مراعاة المصالح الشرعية في الإنكار فإذا كان النهي سيؤدي إلى مفسدة أكبر أو سيضيع مصلحة أعظم فلا نهي ولا أمر ويفصل ابن تيمية ذلك في الفتاوى (20/58)
ولو كان قوم على بدعة أو فجور ولو نهوا عن ذلك وقع بسبب ذلك شر أعظم مما هم عليه من ذلك ولم يمكن منعهم منه ولم يحصل بالنهي مصلحة راجحة لم ينهوا عنه ( 14/472)
فحيث كانت المفسدة للأمر والنهي أعظم من مصلحته لم يكن مما أمر الله به وإن كان قد ترك واجبا وفعل محرما إذ المؤمن عليه أن يتقي الله في عباد الله وليس عليه هداهم . الاستقامة (2/211)
وإذا كان الكفر والفسوق والعصيان سبب الشر والعدوان فقد يذنب الرجل أو الطائفة ويسكت آخرون فيكون ذلك من ذنوبهم وينكر عليه آخرون إنكاراً منهياً عنه فيكون ذلك من ذنوبهم فيحصل التفرق والاختلاف والشر وهذا من أعظم الفتن والشرور قديماً وحديثاً إذ الإنسان ظلوم جهول (26/142)



ولكن ما هي أسباب هذا الاختلاف؟
إنها أسباب موضوعية ترجع إلى بلوغ الأخبار والآثار إلى العلماء والقواعد التي يلتزم بها العالم في تصحيح وتضعيف الأخبار وبالتالي مسألة اختيار معايير التعامل مع السنة وقرائن نسخ الأخبار وإحكامها.
وإلى اللغة وضوحا وجلاء وغموضا وخفاء كما هو مفصل في كتب أصول الفقه في أبواب دلالات الألفاظ كعموم النصوص وخصوصها وظهورها وتأويلها ومجملها ومبينها .
كما يرجع الاختلاف إلى الأدلة المتعلقة بمعقول النص ومقاصد الأحكام كأنواع القياس والمصالح المرسلة والاستحسان والاستصحاب وسد الذرائع.
كما يرجع الاختلاف إلى الأعراف المعتبرة وتغير الأحكام بتغير الزمان والمكان والموازنة بين المصالح والمفاسد.
فهذه العناوين الأربعة يرجع إليها اختلاف العلماء.


وفي الختام
فإنه لا بد من إحياء روح التسامح في الأمة فتتجنب التباغض وبث روح الأخوة والمودة بين المسلمين في أنحاء العالم 
ولا بد من تأكيد أدب الاختلاف وتجنب سلبيات الخلاف .
-لا بد من التأكيد على أن للاختلاف أسباباً موضوعية مشروعة ووجيهة يجب إبرازها واستثمارها لرأب الصدع وإصلاح ذات البين.
والله سبحانه وتعالى ولي التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ -خطبة- ج الحنفية - 11/2016

وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ -خطبة- ج الحنفية - 11/2016
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، والحمد لله على ما قدره بحكمته من دقيق الأمر وجله،
      وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك كله، وله الحمد كله، وبيده الخير كله،
      وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما.

﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾النحل.
      لا شك و لا ريب أن الاختلاف من طبعيَّة البشر,، بمعنى أن الخلاف في ذاته - إن لم يؤد إلى اختلاف القلوب - فهو أمر محمود إذا كان قصد الأطراف هو التوصل للحق.
      والسلف الصالح اختلفوا فيما بينهم في مسائل شتى, لكن اختلافهم تلمس فيه بحثهم عن الحق و الصواب دون التفات إلى نصر مذهب معين...
      لكن معظم اختلافاتنا في هذا العصر مبناها على التعصب المذهبي و التقليد المذموم ـ إلا ما رحم ربك
فالكل يريد إثبات أن الحق المطلق معه ـ إلا من شاء الله ـ
و لسان الحال:


و لسان الحال:
" قولي صواب لا يحتمل الخطأ, و قول غيري خطأ لا يحتمل الصواب"!!!!!! و بهذا كثر الاختلاف و تععدت وجوهه...
      و السبب في انتشار ثقافة الاختلاف المذموم  
قلة العلم: فالانسان كما يقال عدو ما يجهل ,
فما إن يرى الجديد الذي لم يبلغه عقله حتى تراه يرعد و يزبد...بدعة...ضلال...انحر اف عن المنهج...إلخ. و كأن الحق محصور فيما يعقله و يعلمه.!!!! لأنه يعتقد في نفسه كمال ما ذهب إليه, فإذا ورد عليه ما جهله حسبه نقصا, وتركه و جفاه.

      و شر البلية أن يعتقد ذلك الباغي أنه ينصر الدين و أن ظُلمه ذاك ما هو إلا العدل الذي أمره الله به.. فيبيح لنفسه ما لا يجوز ضانا أنّه ما دام في سبيل الله...و الحال أنّ الاعتراف بالجهل السهل خير من البقاء على الجهل المركب, و ليتذكر الانسان أن فوق كل ذي علم عليم...و إن علمت أشياء غابت عنك أشياء...و لا يدعي علمَ كل شيء إلا ظالم.
      يقول الحافظ بن رجب :
(ولما كثر اختلاف الناس في مسائل الدين وكثر تفرقهم كثر بسبب ذلك تباغضهم وتلاعنهم وكل منهم يظن أنه يبغض لله، وقد يكون في نفس الأمر معذوراً وقد لا يكون معذوراً بل يكون مُتبعاً لهواه مقصراً في البحث عن معرفة ما يبغض فإن كثيراً كذلك إنما يقع لمخالفة متبوع يظن أنه لا يقول إلا الحق وهذا الظن قد يخطئ ويصيب ...)

      قال الشافعي : " ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة "

وقال : "ما ناظرت أحداً إلا قلت اللهم أجر الحق على قلبه ولسانه فإن كان الحق معي اتبعني وإذا كان الحق معه اتبعته" –  
 قالت عائشة عن بعض الصحابة وقد اختلفت معه : أما إنه لم يكذب ولكنه نسي أو أخطأ.

و قال الذهبي : " كل فرقة تتعجب من الأخرى ونرجو لكل من بذل جهده في تطلب الحق أن يغفر له من هذه الأمة المرحومة ".

        للشاطبي  مقياساً لضبط ما هو من أمر الدين وما ليس منه فقال :
( فكل مسألة حدثت في الإسلام فاختلفت الناس فيها ولم يورث ذلك الاختلاف بينهم عداوة ولا بغضاء ولا فرقة علمنا أنها من مسائل الإسلام .
وكل مسألة طرأت فأوجبت العداوة والتنافر والتنابز والقطيعة علمنا أنها ليست من أمر الدين في في شيء وأنها التي عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتفسير الآية وهي قوله تعالى { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً }
فيجب على كل ذي دين وعقل أن يجتنبها.. فإذا اختلفوا وتقاطعوا كان ذلك بحدث أحدثوه من اتباع الهوى وهو ظاهر في أن الإسلام يدعو إلى الألفة والتحاب والتراحم والتعاطف فكل رأي أدى إلى خلاف ذلك فخارج عن الدين ).
قال الله تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾
النحل.
قال الله تعالى: ﴿ وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزلَ إِلَيْنَا وَأُنزلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ ﴾ العنكبوت

من أدب الجدال والمناظرة
قال تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * قُلْ لاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ * قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ * قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [سبأ: 24 - 27].
      إنَّ الهدف من الجدال والمناظرة هو مُخاطبة العقول لتدبُّر أمرٍ ما؛ لتهتدي فيه إلى الصواب، وقضية الألوهية من القضايا الكبرى التي جادل فيها المشركون، ومع ذلك فإنَّ القرآن الكريم أرشدَ المسلمين إلى الأخذ فيها بأسبابِ الإقناع والمناظرة، والمجادلة بالتي هي أحسن؛ لأنَّ الهدف هو إقناعُ المحاوَر؛ لعله يهتدي إلى الصواب وَفْق آدابٍ وضوابطَ ينبغي مُراعاتها.

﴿ قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾
فوصف مذهبنا بالجرم تنزُّلاً، ومذهب الخصم بالعمل؛

من آداب الإختلاف:
عدم تجريم الخصم ووصف مَذهبه بالبطلان،
[[وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ]]

      إنَّ الهدف من الحوار هو الوصول إلى الحق، لا الانتصار للنفس وشهوة الظهور والغلبة
      فسواء كنتَ على الحق أو على ما سواه، فأَخلِصْ نيتَك لله، وجادل بالتي هي أحسن، وليكن جدالُك رغبةً في إظهار الحق،
      لا يصلح جدالٌ إلا بصدق وإخلاص في النية عند المتجادلَيْنِ: المصيب، والمخطئ، فعلى العاقل النظرُ في من يطلب جدالَه، أو يطالبه بجدال، فإن علم عنه أنه إنما ينتصر لرأيه أو لمذهبه أو لشيوخه ليس إلا، فليُولِّهِ ظهرَه
اللهم أحينا مسلمين وتوفنا مسلمين، اللهم فقهنا في الدين وعلمنا ما ينفعنا وقنا شر الهوى ومضلات الفتن
اللهم أصلح القلوب والأعمال وأصلح ما ظهر منا وما بطن، واجعلنا من عبادك المخلصين. اللهم إنا نعوذ بك من الغواية والضلالة، اللهم ثبتنا على دينك، اللهم آمنا في أوطاننا، اللهم أصلح الأئمة وولاة الأمور، اللهم خذ بنواصينا إلى ما تحب وترضى، وزينا برحمتك بالبر والتقوى واجعلنا من عبادك المهتدين.
 اللهم إنا نعوذ بك من العجز والكسل . اللهم إنا نعوذ بك من قهر الرجال وشماتة الأعداء . نسألك اللهم موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك ونعوذ بك من سخطك والنار . اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه













dimanche 20 novembre 2016

هذه علاقة المصالح بين الأعداء

غراب كبير يطير في السماء وعلى ظهره أفعى
الغراب: يقول لو حاولت.. أن أرميها ستلدغني!
والأفعى: تقول لو لدغته… سيرميني!
الجمهور على التل القريب يصيح: يا لروعة الصداقة!
---------------------------------------
(هذه علاقة المصالح بين الأعداء التى تجمعهم الدنيا في حب المال والسلطة والشرف الكاذب)
........................................................
................. منقول .........

الشر ... والشيطان وشراكهما

 
في أحد الأيام، قرر أستاذ جامعي أن يتحدى طلابه، سألهم: هل الله هو الذي خلق كل ما هو موجود؟
أجابه أحد الطلاب: نعم، لقد فعل .
- أحقا كل شيء؟ سأل الأستاذ
- نعم كل شيء، كان جواب الطالب
- في هذه الحالة، الله خلق أيضا الشر، أليس كذلك؟ لأن الشيطان موجود فالله خلقه وخلق ما يفعل من شر ....
التزم الطالب الصمت ولم يجب.
كان الأستاذ يبحث عن فرصة ليثبت لطلابه أن الإيمان هو مجرد أسطورة..
فجأة، رفع طالب آخر يده: هل يمكن أن أسأل سؤالا؟
- بالتأكيد، أجاب الأستاذ
- هل البرد موجود؟ سأله الطالب
- طبعا، ألم تشعر ولا مرة بالبرد؟
- في الواقع يا سيدي، البرد غير موجود، استنادا إلى علم الفيزياء فإن البرد هو الغياب الكامل والمطلق للحرارة، إن العناصر تتم دراستها استنادا إلى قدرتها على نقل الطاقة، مما يولد الحرارة، وبدون هذه القدرة على نقل الطاقة فإن العنصر المدروس يكون غير قابل للتفاعل، إذن نحن أوجدنا مصطلح البرودة للتعبير عن غياب الحرارة.
وتابع الطالب الكلام: ماذا عن الظلام؟
- أجاب الأستاذ: إنه موجود
- مرة أخرى أنت مخطئ يا سيدي، الظلام هو الغياب الكامل والمطلق للضوء، يمكننا دراسة الضوء والبريق ولكن لا يمكننا دراسة الظلام، إن مؤشر نيكولاس أثبت أن الضوء يتحلل إلى مركباته الأساسية حسب الفرق في طول الموجات، إذن الظلام هو مصطلح أوجدناه للتعبير عن الغياب المطلق للضوء.
- وأخيرا، سأل الطالب: والشر يا سيدي، هل هو موجود؟... الشر هو غياب الله في قلوب البشر، هو غياب الحب، الإنسانية والإيمان، الحب والإيمان كالحرارة والضوء، موجودين وغيابهم يؤدي إلى الأسوأ.
هنا.. كان الأستاذ هو الذي بقي صامتا...
اسم ذلك الطالب كان: ألبرت آينشتاين .......
.......................................................................
منقول .....................

jeudi 17 novembre 2016

النهي عن التباهي بحظوظ الدنيا .خطبة-ج الحنفية 11/2016


 الحمد لله الحميد المجيد،أحمده سبحانه و تعالى و أستغفره و أتوب إليه و أعوذ به من شرور أنفسنا سيئات أعمالنا.
      وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، البر التواب الشهيد، أدنى إلى عبده من حبل الوريد، يُحصي ويبدئ ثم يعيد،
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى والنور والقرآن المجيد،
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه من كل بر سعيدٍ، وعلى جميع من سار على نهجهم، واهتدى بهديهم، إلى يوم الحشر والوعيد.

أيها الإخوة،
      إذا نظرنا في ما جاء به الإسلام و أردنا أن نلخصه نقول أن الإسلام يحرص على علاقات ثلاث: 1/ علاقة الانسان بربه- 2/ علاقة الانسان بذاته- و 3/ علاقة الانسان بأخيه الانسان.

      شخص يرتدي ثوباً أنيقاً, شعر بتفوقه, أراد أن يظهر أمام الناس بهذا الثوب الجميل, فجعل ينظر إلى عطفيه متبختراً, فهذا الإنسان المتكبر الذي تكبر بثوبه لا ينظر الله إليه، و الحديث هنا عن الثوب.
<< لا ينظر الله يوم القيامة إلى مَنّ جرَّ ثوبه خيلاءَ >>) نظرة رحمة) متفق عليه عن عبد الله بن عمر.
قال النووي: " قَالَ الْعُلَمَاءُ : الْخُيَلَاءُ ، وَالْمَخِيلَةُ ، وَالْبَطَرُ ، وَالْكِبْرُ ، وَالزَّهْوُ ، والتبختر ، كُلُّهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ ، وَهُوَ حَرَامٌ ". انتهى من "شرح صحح مسلم"
فالقضية ليست "جرّ الثوب" بل "خيلاء، و الدليل:

      عن ابن عمرـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
<< مَنّ جرَّ ثَوّبَهُ خيلاءً ، لم ينظرِ الله إِليهِ يومَ القِيامَةِ، فقالَ أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله! إنَّ إزاري يسترخي ، إلاَ أن أتعاهده ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: إنَّك لستَ ممن يفعله خيلاءً >>[أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي عن عبد الله بن عمر]

      بل بيت القصيد ليس الثوب و ليس جرّه و إنّما كلّ القضية هي كلمة "خيلاء"
قوله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) ، وقوله تعالى: ( وَلا تَمْشِ فِي الأرض مَرَحاً) ، وقال سبحانه: ( كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ) .
فذم الله سبحانه وتعالى الخيلاء والمرح والبطر على خلق الله.

      الإنسان قد يكون ثوبه عاديا, لكن أطلع الناس على بيته, يدخل في هذا الحكم, أطلع الناس على سيارته, أطلع الناس على ما عنده من حظوظ الحياة الدنيا, أراد أن يستعلي؛ كل هذه الحالات منهي عنها و تدخل تحت كلمة "خيلاء" التي جاءت في الحديث.
فالله عزّ و جلّ يقول:
﴿( تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً )﴾سورة القصص الآية:83]
     
      لك أن تأكل, لك أن تشرب, لك أن تلبس, دون أن تتباهى, دون أن تزهو،
قال ابن عباس:
"أحـل الله تعالى الأكل والشرب ما لم يكن سرفاً أو مخيلةً "،
 الإسراف: معصية, والمخيلة: أن تريد أن تظهر أمام الناس بما عندك كما فعل قارون،
(إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ)    والمراد بذلك الفرح الذي يصحبه الكبر والبغي على الناس والعدوان والبطر، هذا المنهي عنه، فرح البطر والكبر..
( فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)

النساء بارعات في ذلك:
مثلاً إنسانة اشترى زوجها سيارة فخمة, فأينما جلست, وأينما حلت تقول: هذه السيارة الجديدة غيرت حياتي, هدفها أن تدخل الحزن على قلوب قريباتها,
أكثر الناس يتباهين بأزواجهن, ببيوتهن, بما صرفن في النزهات,
حتى الحفلات وسيلة للتباهي فقط,

و زاد الطين بلّة الفايس بوك و عرض كلّ ذلك ..

و كم من امرأة أفسدت على زوجها...من كلمة خيلاء و بطر...
<< لا ينظر الله يوم القيامة إلى مَنّ جرَّ ثوبه خيلاءَ >>
والآية التي تقصم الظهر:
﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً﴾ سورة القصص الآية:83
وقديماً قالوا: "كثرة الظهور تقصم الظهور",

أيها الإخوة،
      من هو المحسود؟ هو الذي أظهر النعم بقصد الاستعلاء,
فالحاسد فقير محروم, تألم ألماً شديداً, فتمنى زوال النعمة عنه, لذلك العين تضع الرجل في القبر, والجمل في القدر.
المحسود الغافل تصيبه عينُ الحاسد, وقد قال الله عز وجل:
﴿ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسد ﴾ سورة الفلق .

      الإنسان حينما يستعلي و يتباهى؛ لعل في هؤلاء من هو محروم, لعل في هؤلاء من هو فقير, يتألم ألماً شديداً, ينقم على الله عز وجل؛فيزدري نعم الله عليه ...فلا يكون من الشاكرين...و هذه صنعة الشيطان:
(( ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ))  الأعراف

      فلنستعذ بالله عز وجل من أن نعرض على الناس ما عندنا, من أن نسعى إلى أن نستعلي على الناس ببيوتنا, بأثاث بيوتنا, بسياراتنا, بدخلنا, بأولادنا, بثيابنا ـ
    
أيها الإخوة،
   الإنسان كلما تواضع ازداد عند الله رفعة, وكلما جلس مع أخوانه, وأصحابه, ازداد عند الله رفعة، أحياناً أقول لكم: تجد مؤمناً غنياً, تشتهي الغنى من تواضعه, ومن سخائه, ومن أدبه
.
      كان عليه الصلاة والسلام: يأكل مع الخادم, ويُصغي إلى المرأة الضعيفة, المسنة, ويقضي حاجة الضعيف, والبائس,
 كان معه عدي بن حاتم( ابن حاتم الطائي كان نصرانيا فأسلم ), أخذه إلى بيته إكراماً له, في الطريق استوقفته امرأة, تكلمه طويلاً في حاجتها, قال: والله ما هذا بأمر ملك!
إنسان يجلس على الأرض, يدخل عليه أعرابي, يقول له: "أيكم محمد؟ ـ لا يعرفه ـ يقول له أحد أصحابه: ذاك الوضيء,
ومرة قال له النبي: قد أصبت, ما حاجتك؟
***
      فإذا الإنسان آتاه الله عز وجل شيئاً يقول: هذا من فضل ربي, وليكثر من ذكر فضل الله عليه,   يقول: الله أكرمني بهذا الشيء, خصني بهذا الشيء, سمح لي أن أفعل كذا, قدر على يدي هذا العمل الطيب,
      دائماً يعزو الفضل إلى صاحب الفضل وهو الله عز وجل, وإذا أراد ربك إظهار فضله عليك خلق الفضل ونسبه إليك, وكان عليه الصلاة والسلام: تعظم عنده النعمة مهما دقت.
كان إذا نظر إلى وجهه في المرآة, يقول: "اللهم كما حسنت خلقي فحسن خُلقي" دائماً يشكر الله عز وجل فهو بين الكبر وبين الشكر.
المؤمن شاكر, الكافر متكبر, فالمتكبر محجوب عن الله عز وجل, ودليل التواضع أن تكون مع المساكين, وأن تجلس إليهم, وأن تستمع إليهم, وأن تصادقهم؛ إنك بهذا تثبت أنك لست متكبراً, برئ من الكبر من حمل حاجته بيده, وبرئ من الشح من أدى زكاة ماله, وبرئ من النفاق من أكثر من ذكر الله.    
والحمد لله رب العالمين