mercredi 2 mars 2022

الرجاء في الله- 3/2022

 الرجاء في الله- 3/2022

بسم الله الرحمن الرحيم

  الحمد لله عزّ و جلّ، هو الذي نرجو رحمته و ثوابه، و نخشى بأسه و عقابه

[[إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ]].

   و أشهد أن لا إلاه إلاّ الله ، جمع بين الوعد و الوعيد و التبشير و التحذير

[[ لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين]] الأحقاف.

  و أشهد أنّ سيّدنا محمّدا رسول الله، هدى إلى النّعمة، و حذّر من النّقمة،

[[ و ما أرسلناك إلاّ مبشّرا و نذيرا]]الفرقان

رسول له المعجزات بدت *دعا النّاس للحقّ حتّى ثبت

   فصلوات الله و سلامه عليه، و على آله و أهل صحبته الغالية الزكيّة، و أنصار شريعته الباقية العليّة [[ و بشّر المؤمنين]] .

   اللهمّ اجزه عنّا خير الجزاء، و آته الوسيلة و الفضيلة و ابعثه المقام المحمود الذي وعدته إنّك لا تخلف المعاد.

  اللهمّ يا فالق الحبّ و النّوى و عالم السرّ و النّجوى أعط لكلّ الحاضرين منّا من الخير ما نوى.

—-----------------------------------------------------------------------------

عباد الله:

عبادة من أعظم العبادات، لا يراها أحد، ولا يؤدِّيها العبد أمام الناس، إنها تعمر القلوب تغمرها وتُحييها، وتنوِّر العيون، لولا هذه العبادة لعمَّ الحزن والأسى، وساد القنوط واليأس، 

إنها عبادة يجب ألَّا تغيب في أي أمر من أمور حياتنا، وخاصة في هذا الزمن العصيب؛ زمن الإحباط، زمن الخوف، زمن التقلبات والمفاجئات… 

إنها عبادة الرجاء؛ 

والرجاء: توقع العبد أن يحصل له الخير، فتوقع الخير من الله عبادة، وهو من معنى أن الله يجلب المنافع لعباده، وكل إنسان يرجو رحمة ربه وعفوه، ويخاف من ذنوبه، وهذا من أفضل العبادة، فالرجاء عبادة قلبية حقيقتها الطمع والرغبة في الحصول على شيء مرجو.


وقيل: هو الاستبشار بجود الله وفضله، والطمع في إحسانه وعطائه، مع بذل الجهد وحسن التوكل.


الرجاء في الله، الأمل في الله، حسن الظن بالله…

الرجاء في الله؛ في رحمته، في عفوه، في كرمه، في نصره، في تأييده، في عافيته، الرجاء في حسن الخاتمة…في مغفرته لذنوبنا التي غطَّتنا وأقلقتنا وأشغلتنا وكدَّرت حياتنا، 

الرجاء في الله في النجاة من النار، ودخول الجنة وحسن الخاتمة، 

الرجاء في الله في صلاح النية والذرية والعمل والمقصد، 

الرجاء في الله في رفع الوباء وصَرْفِهِ عنا وعن أهلنا وبلادنا، 


ودليل الرجاء؛ قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110].


إن أحسنتَ وعبدتَ وأطعت واستقمت وكنت من أعبد الناس، فلا بد أن ترجو القبول من الله، 

وإن عصيتَ وابتعدت وعاندت وأذنبت، فلا بد أن يصاحبك الرجاء في عفو الله ومغفرة الله، 


ولكن إن الراجين في الله والمؤمِّلين فيه ومحسني الظن به - لا يقيمون على المعاصي.. 

الرجاء: يكون مع بذل الجهد وحسن التوكل.

التمني: يكون مع الكسل وترك العمل.


قال ابن القيم رحمه الله: "أجمع العارفون على أن الرجاء لا يصلح إلا مع العمل"؛ (مدارج السالكين)


 

  يقول سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 218]، 


ترجو الله وتُؤمِّل في رحمته وعفوه وتحسن الظن به، لا بد أن تهاجر إلى الله بقلبك واتجاهك ونيتك ومقصدك، لا بد أن تهجر ما نهى الله عنه؛ 

﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69]، 


 قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [فاطر: 29، 30]، 


وقوله تعالى: ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9].

 

ومع تلك الصفات - أيها الأحبة - لا يركنون إلى أعمالهم، ولا يزكُّون أنفسهم، بل يحيَون بين الرجاء والخوف؛ ففي الحديث: 

((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ دخلَ على شابٍّ وَهوَ في الموتِ فقالَ: كيفَ تجدُكَ؟ قالَ: واللَّهِ يا رسولَ اللَّهِ إنِّي أرجو اللَّهَ، وإنِّي أخافُ ذنوبي، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ: لا يجتَمِعانِ في قلبِ عبدٍ في مثلِ هذا الموطِنِ إلَّا أعطاهُ اللَّهُ ما يرجو، وآمنَهُ ممَّا يخافُ))؛ [صحيح الترمذي للألباني، حسن].

 

فاعملوا صالحًا، ثم ارجوا ما عند الله، استغفروا الله، ثم أبشروا بمغفرته، ومع الرجاء تنتهي مشاكل الحياة؛ ينتهي اليأس، ويذهب القنوط، وتزول الشبهة.


عباد الله، في الحديث القدسي: ((قالَ اللَّهُ تبارَكَ وتعالى: يا ابنَ آدمَ، إنَّكَ ما دعوتَني ورجوتَني، غفَرتُ لَكَ على ما كانَ فيكَ ولا أبالي، يا ابنَ آدمَ لو بلغت ذنوبُكَ عَنانَ السَّماءِ، ثمَّ استغفرتَني غفرتُ لَكَ، ولا أبالي، يا ابنَ آدمَ، إنَّكَ لو أتيتَني بقُرابِ الأرضِ خطايا، ثمَّ لقيتَني لا تشرِكُ بي شيئًا، لأتيتُكَ بقُرابِها مغفرةً))؛ [صحيح الترمذي للألباني].

 

ثم تأملوا الحديث -

 

يقول الله تعالى في الحديث القدسي: ((مَن جَاءَ بالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَأَزِيدُ، وَمَن جَاءَ بالسَّيِّئَةِ فَجَزَاؤُهُ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا أَوْ أَغْفِرُ، وَمَن تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا، تَقَرَّبْتُ منه ذِرَاعًا، وَمَن تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ منه بَاعًا، وَمَن أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً، وَمَن لَقِيَنِي بقُرَابِ الأرْضِ خَطِيئَةً لا يُشْرِكُ بي شيئًا، لَقِيتُهُ بمِثْلِهَا مَغْفِرَةً، وفي روايةٍ بهذا الإسْنَادِ نَحْوَهُ، غيرَ أنَّهُ قالَ: فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا، أَوْ أَزِيد))؛ [صحيح مسلم].

 

يا ربِّ إنْ عَظُمَتْ ذُنُوبِي كَثْرَةً

فلقد عَلِمْتُ بِأَنَّ عفوك أَعْظَمُ

إِنْ كَانَ لا يَرْجُوكَ إِلا مُحْسِنٌ

فَمَن الذي يَدْعُو ويَرْجُو المجرمُ

مَا لِي إِلَيْكَ وَسِيلَةٌ إِلا الرَّجَا

وَجَمِيلُ عَفْوِكَ ثُمَّ إِنِّي مُسْلِمُ

—---------------------------------------------------------

الدعاء

اللهم اجعلنا من أهل الإيمان والأعمال الصالحة، اللهم حقق رجاءنا فيك، وحسن ظنِّنا بك، ولا تكِلْنا إلى أعمالنا، ولا إلى أنفسنا طرفة عين، اللهم لا تُخيِّب رجاءنا فيك وأنت أرحم الراحمين.


اللهم اغفر ذنوبنا، وقوِّ رجاءنا، واهدنا واهْدِ بنا، اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مُضلِّين، اللهم سخِّرنا في طاعتك وأعِنَّا على مرضاتك.