mardi 9 janvier 2024

  الزكاة - ج "الحنفية" 5/2018 و 12/01/2024

بسم الله الرحمن الرحيم

   الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، والحمد لله على ما قدَّره بحكمته من دقيق الأمر وجِلِّه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك كله، وله الحمد كله، وبيده الخير كلِّه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

نصاب الزكاة لهذه السنة:  16.124.892 دينار

موضوعنا هو مصارف الزكاة:

   تطاول كثير من الناس، ووزّعت على غير أهلها في بعض الأحيان،

واللهُ سائلٌ من أخذ، وسائل من قسّم، وسائل من أخرجها عما أمره الله سبحانه وتعالى واستودعه..

أيّها الإخوة ،

   من أخطر الوسائل التي تقوّض عرى المجتمع و تنشر فيه قلّة الثقة و التخوين : الكذب...وهو كبيرة.. 

 الكذب يلغي الإيمان

   قضيةُ الكذب ذنب من أخطر الذنوب، بل إن النبي عليه الصلاة و السلام يقول:

<< يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلَالِ كُلِّهَا إِلَّا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ>> [أحمد عَنْ أَبِي أُمَامَةَ]

تقريبا لم تعد تطمئنّ لقول أحد مهما علا أو سفل.. فأنت تقول بعد ما تسمع: "في الموضوع إنّ…"

فالسامع يحتاج في عصرنا إلى صفّيات كثيرة في أذنيه حتى يغربل ما يسمع..

******

هناك من اتخذها مهنة...

  في عهد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، مُدت أيدي المنافقين إلى الزكاة، سعوا لأخذ مال الزكاة، ففضحهم الله، وأوضح حرصهم على نفعهم الذاتي في القرآن الكريم، فضح الله هؤلاء المتطاولين على مال الزكاة ممن لا يستحقه، فخلّدها في القرآن سبحانه لتكون عبرة لنا جميعاً، قال عز من قائل:

﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ ﴾ [التوبة: 58، 59]،

 

 ثم قسّمها سبحانه وتعالى بنفسه:

﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 60]

************

مسكين من كان صادقا كيف يعبّر عن حاجته و صِدقه!!..ضاعت حقوق الفقراء من جراء الإحتيالات..و أُسفك ماءُ وجهه.

 قصّة عزيز قوم ذلّ..

دخل رجلٌ غريبٌ على مجلس أحد الحكماء الأثرياء ، فجلس يستمع إلى الحكيم وهو يُعلّم تلامذته وجُلساءه ، ولا يبدو على الرجل الغريب ملامح طالب العلم، ولكنه بدا للوهلة الأولى كأنه عزيزُ قومٍ أذلّتهُ الحياة.

دخل وسلّم، وجلس حيث انتهى به المجلس، وأخذ يستمع للشيخ بأدبٍ وإنصات، وفي يده قارورةُ فيها ما يشبه الماء لا تفارقه.


قطع الشيخ العالمُ الحكيم حديثه، والتفت إلى الرجل الغريب، وتفرّس في وجهه، ثم سأله: ألك حاجةٌ نقضيها لك؟! أم لك سؤال فنجيبك عنه؟!


فقال الضيف الغريب: لا هذا ولا ذاك، وإنما أنا تاجر، سمعتُ عن علمك وخُلُقك ومروءتك، فجئتُ أبيعك هذه القارورةَ التي أقسمتُ ألّا أبيعَها إلا لمن يقدّر قيمتها، وأنت – من دون ريبٍ- حقيقٌ بها وجدير.


قال الشيخ: ناولنيها، فناوله إياها، فأخذ الشيخ يتأملها ويحرك رأسه إعجاباً بها، ثم التفت إلى الضيف: فقال له: بكم تبيعها؟

قال: بمائة دينار، فرد عليه الشيخ: هذا قليل عليها، سأعطيك مئةً وخمسين.

فقال الضيف: بل مئةٌ كاملةٌ لا تزيد ولا تنقص.

فقال الشيخ لابنه: ادخل عند أمك وأحضر منها مئةَ دينار..

وفعلاً استلم الضيف المبلغ، ومضى في حال سبيله حامداً شاكراً.


ثم انفضَّ المجلسُ وخرج الحاضرون، وجميعهم متعجبون من هذا الماء الذي اشتراه شيخُهم بمئة دينار.

دخل الشيخ إلى مخدعه للنوم، ولكنّ الفضول دعا ولده إلى فحص القارورة ومعرفةِ ما فيها، حتى تأكد -بما لا يترك للشك مجالاً- أن ما فيها ماءٌ عاديّ .


فدخل إلى والده مسرعاً مندهشاً صارخاً: يا حكيم الحكماء، لقد خدعك الغريب، فوالله ما زاد على أن باعك ماءً عادياً بمئة دينار، ولا أدري أأعجبُ من دهائه وخبثه، أم من طيبتك و تسرعك؟


فابتسم الشيخ الحكيم ضاحكاً، وقال لولده:

   يا بني، لقد نظرتَ ببصرك فرأيتَه ماءً عاديّاً، أما أنا، فقد نظرتُ ببصيرتي وخبرتي فرأيتُ الرجل جاء يحمل في القارورة ماءَ وجهه الذي أبَتْ عليه عزَّةُ نفسه أن يُريقَه أمام الحاضرين بالتذلُّل والسؤال،

وكانت له حاجةٌ إلى مبلغٍ يقضي به حاجته لا يريد أكثر منه. والحمد لله الذي وفقني لإجابته وفَهْم مراده وحِفْظِ ماء وجهه أمام الحاضرين. ولو أقسمتُ ألفَ مرّةٍ أنّ ما دفعتُه له فيه لقليل، لما حَنَثْتُ في يميني.

إن استطعتَ أن تفهم حاجةَ أخيك قبل أن يتكلم بها فافعل، فذلك هو الأجملُ والأمثل.

كان الناس يأتون إلى أصحاب المحلات التي تبيع طعام الناس وشرابهم، فيسألونهم من الذي يستدين منكم كل شهر ؟ من الذي لا يجد حاجة كفاية نفسه من الطعام، فيأخذ بالدَّين، ثم يعجز عن السداد ؟ و يدفعون عنهم.

******

نصاب الزكاة لهذه السنة:  16.124.892 دينار


ومن الناس من قسّم زكاته على أقربائه دون توفّر شروط إخراجها فيهم...مع أنّ الزكاة لها مخارجها الشرعية المعتبرة، التي لا يجوز تعدّيها، ولا تجوز المجاملة على حساب حق الله فيها، لا تجوز المحاباة على حساب حق الفقراء والمساكين، بل يجب التحري؛ فإن كان القريب من المحتاجين فهي صدقة وصلة رحم، وإلا فإنه لا يجزئه إلا إعادة إخراجها من جديد.

   كذلك تهاون الكثيرون في إخراجها  ، فأصبح الإنسان يُعطي من الزكاة الواجبة كل من سأله في مسجد، أو لقيه في الطريق، أو أحرجه في دكّان، وليس هذا بمجزئ إلا أن يتحرّى الإنسان مواطنها، فيعطيها على ما أمر الله سبحانه وتعالى.

*********

   من أشهر ما يتحرّى الناس وضع زكاتهم فيه ثلاثة مصارف: الفقراء والمساكين والغارمين، فمن هو الفقير والمسكين ؟ وكيف نعرفهم لنضع الزكاة في مكانها؟ ولكي لا نتطاول عليها، ونحن لا نستحقها.

الفقير و المسكين

   الفقير والمسكين في كلام أهل العلم رحمهم الله تعالى على الصحيح، وهو قول الجمهور منهم هو الذي لا يجد كفايته من حوائجه الأصلية له ولمن يعول إلى آخر الشهر(من مسكن وملبس وطعام وشراب ، و حاجات أخرى فرضها العصر التنقل التعلم العلاج. وكثير من الناس إذا مرض افتقر، وحلّت له الزكاة..)، فيضطر أن يُضيّق على أهله فيما يشق عليهم، أو يضطر أن يستدين..

   ــــــــــــــــــــــــــــــــ

وأما الغارم فهو الذي استدان ديناً في حاجة من حوائجه، ثم حلّ الدَّين، وعجز تماماً عن السداد؛ فإن كان لا يستطيع أن يقضي دينه؛ لعدم وجود مال معه، ولو على شكل أقساط، فإن هذا يُعطى من الزكاة ما يُسدد به دينه، فتحرّوا يا عباد الله

   وقد صرّح الفقهاء بأنّه لا يعدّ المَسْكَنُ، أو الملبس، أو الفراش، أو الآنية، ونحو ذلك من حاجيات الحياة مانعة من يُعطى ما يَقضي به دينه، ومن شروط إعطائه من مال الزّكاة أن يكون الغارم قد استدان في مباح أو في طاعة، فلو استدان في معصية فإنّه لا يعطى

************************

حكم إخراج الزكاة بناء على الحول الشمسي (السنة الميلادية)

بناءً على ذلك، وفي واقعة السؤال: فإنَّ المعتبر في حَوَلان الحول في زكاة الأموال إنما هو الحول القمري -السَّنَة الهجرية- ويكون مقدار الزكاة ربعَ العشر (2.5%)، فإذا تَعسَّر على المكلَّف حساب زكاته بالعام الهجري لعدم اتضاح قدر أمواله إلا مع احتساب ميزانية المؤسسة الخاصة به والتي تكون بالعام الميلادي، فإنه لا مانع شرعًا من حسابها وفق العام الميلادي، على أن يُراعي في هذه الحالة زيادة النِّسْبة لتكون (2.577%) بدلًا من (2.5%).

وتفصيل ذلك على صفحة دار الإفتاء المصرية:

 وهذه النِّسْبة متحصلة من حاصل ضرب ربع العشر (2.5%) في عدد أيام السَّنَة الميلادية (365) مقسومًا على عدد أيام السَّنَة الهجرية (354) أي: (2.5×365÷354 = 2.577%).

*******

الدعـــــــــــــــــــــــــــــــاء:

 الدعاء:

ـ اللهم أصلح لنا ديني الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر

ـ الهم إننا نعوذ بك من غلبة الدين، وغلبة العدو، وشماتة الأعداء، ونعوذ بك من جهد البلاء، ومن درك الشقاء، ومن سوء القضاء، ومن شماتة الأعداء.

ـ اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، ومن المأثم والمغرم، ومن غلبة الدين وقهر الرجال

ـ اللهم هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما. رب اجعلنى مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعائي.

ـ اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه فى قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، واجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين و لا مضلين.

ـ اللهم إني أسألك رحمة من عندك تهدى بها قلبي، وتجمع بها شملي، وتلم بها شعثي، وترد بها الفتن عنى، وتصلح بها ديني، وتحفظ بها غائبي، وترفع بها شاهدي، وتزكى بها عملي، وتبيض بها وجهي، وتلهمني بها رشدي، وتعصمني بها من كل سوء.ـ اللهم أعطني إيماناً صادقاً ويقيناً ليس بعده كفر، ورحمة أنال بها شرف كرامتك في الدنيا والآخرة.


ـ اللهم إني أسألك الفوز عند القضاء ومنازل الشهداء وعيش السعداء والنصر على الأعداء ومرافقة الأنبياء.

ـ اللهم اجعلنا هادين مهتدين غير ضالين ولا مضلين.

ـ اللهم اجعل لي نوراً في قلبي ونوراً في قبري، ونوراً في سمعي، ونوراً في بصري، ونوراً في شعري، ونوراً في لحمى، ونوراً في دمى، ونوراً في عظامي، ونوراً من بين يدي، ونوراً من خلفي، ونوراً عن يميني، ونوراً عن شمالي، ونوراً من فوقى، ونوراً من تحتي، اللهم زدنى نوراً وأعطنى نوراً واجعل لي نوراً

اللهُمَّ لا ترفع عنَّا غطاء سترك، ولا تبتلينا فيما لا نستطيع عليه صبراً، اللهم إنا نسألك راحة في البدن وراحة في القلب وراحة في النفس، واجعل لنا يارب من كل ضيق مخرجًا ومن كل هم فرجًا ومن كل دعاء قبولا واستجابة.


 

 

 


vendredi 5 janvier 2024

 خطبة عن اسم الله: اللطيف- 5/1/2024

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله العلي الأعلى، له الأسماء الحسنى، والصفات العلى، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبدُه ورسولُه، كان كثيرَ الثناء على ربه، عظيمَ التمجيد لمولاه، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى صَحْبه والتابعين، ومَنْ تَبِعَهم بإحسان إلى يوم الدين.

*******************

أيها الإخوة،

أوصيكم و نفسي بتقوى الله، واعلموا أنَّ ربَّنا عزَّ وجلَّ هو الخالقُ البارئ المصوِّر، المُحيي المميت، أهلُ الثناء والمجد، وأعظمُ ما يُثنى عليه ويُمَجَّدُ به أسماؤهُ الحسنى، وصفاتهُ العُلى، وربُّنا سبحانه سَمَّى ذاتَه العليَّة بأسماءٍ حَوَتْ معانيَ عظيمة، وأسرارًا جليلة، العلمُ بها وتدبُّرُها من أجَلِّ الأعمال، وأنفعِ المَقاصد؛ لأنها طريقٌ لمعرفة الله عزَّ وجلَّ التي هي أصلُ العُلوم، وأساسُ الإيمان، وأوَّلُ الواجبات، فإذا عرف النَّاس ربَّهم عَبَدُوه ووحَّدوه..

أحد العلماء: (ينبغي للمسلمين أن يعرفوا أسماءَ الله وتفسَيرها؛ فيُعظمون الله حق تعظيمِه، ولو أراد رجل أن يعامل رجلًا: طلب أن يعرف اسمه وكنيته، واسم أبيه وجده، وسأل عن صغير أمره وكبيره، فالله الذي خلقنا ورزقنا، ونحن نرجو رحمته ونخاف من سخطه أولى أن نعرف أسماءَه ونعرف تفسيرها) ؛ انتهى كلامه رحمه الله تعالى.


عباد الله، إنَّ مِن أسماء الله الحسنى التي حوت أسرارًا عجيبةً ومعانيَ خفيةً اسمَ الله: اللطيف؛ يقول الله عزَّ وجل: ﴿ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ﴾ [الشورى: 19]، ويقول سبحانه: ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك:، واللطف في اللغة: الرفق، وأصله خفاءُ المسلك، ودِقَّةُ المذهب، ومعنى اسم الله اللطيف هو البَرُّ بعباده أي المحْسِنُ الرَّحِيمُ الكثيرُ الرَّحْمَةِ، الذي إذا عُبِدَ أَثَابَ، وإذا سُئِلَ أَجَابَ ، المحسنُ إلى خلقه بإيصال المنافع إليهم برفق وخفاء من حيث لا يعلمون، ويُسبِّبُ لهم أسباب معيشتهم من حيث لا يحتسبون .


فهو ذو لطف وخفاء ودقة في إكرامه وإحسانه، وفي عصمته وهدايته، وفي تقاديره وتصاريفه. (تهمّ بالحرام فيصرفه عنك.. ينسيكه.. يكرّهه لك.. يشغلك بالحلال …)

اللّطيف:(الشيخ متولي الشعراوي رحمه الله)

هو الله سبحانه الذي إذا ناديته لباك "أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ" النمل، وإذا قصدته آواك، وإذا أحببته أدناك، وإذا أطعته كافاك، وإذا عصيته عافاك (( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)) الزمر، وإذا اعرضت عنه دعاك، وإذا اقتربت منه هداك.

 

اللطيف: الذي يجازيك إن وفَّيت، ويعفو عنك ان قصَّرت.. ومن افتخر به أعزَّه، وهو القائل: ((يا ابنَ آدَمَ، إنْ ذَكَرتَني في نَفْسِكَ، ذَكَرتُكَ في نَفْسي، وإنْ ذَكَرتَني في مَلَأٍ، ذَكَرتُكَ في مَلَأٍ مِنَ المَلائِكةِ -أو قال: مَلَأٍ خَيرٍ منهم- وإنْ دَنَوتَ مِنِّي شِبرًا، دَنَوتُ مِنكَ ذِراعًا، وإنْ دَنَوتَ مِنِّي ذِراعًا، دَنَوتُ مِنكَ باعًا، وإنْ أتَيتَني تَمْشي أتَيتُكَ أُهَروِلُ.)، 


ومن مظاهر لطفه: من افتخر به أعزَّه، ومن افتقر إليه أغناه..

الَّلطيف : من عطاؤه خيِّرَةً، ومنعه ذخيرة..


وكذلك من لطفه أنه يستقلُّ النِّعم الكثيرةَ على خلقه ( إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ )، ويستكثرُ قليل الطاعة منهم.. 

وقد جعل الحسنة َعَشَرَةً إلى ما فوق، وهكذا على قدر لطفه يتعامل مع عباده، وعلى قدر لطفه يعلم غوامضهم.

 

تأتي بلطفه عظائم المقادير التي تَستَبعدُ أكثرُ العقولِ خيالًا وُقوعَها، فيجعلُها كائنةً حاضرةً..

 كل خيطٍ من ذلك المُقدَّرِ يُمسكُ به قدرٌ من لطفه، فلا تنتبه إلا - وبقريب من المعجزات- قد بات بساحتك! لا تعلمُ كيف أمكنه أن يحدث، وتَتيقَّنَ أن حَوْلَك وقوَّتَك أقلَّ من أن تُحدثه، فتنظرَ إلى السماء وتقول:﴿ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ ﴾ يوسف.


أيها الإنسان، إذا أراد اللَّطيف أن يَنصُرك أمر ما لا يكونُ سببًا في العادة، فكان أعظمَ الأسباب! فعندما أراد اللطيف أن ينصر رسوله عليه الصلاة والسلام ويُخرِجه ومن معه من عذابات شِعْبِ بني هاشم لم يرسل صيحة تزلزل ظلمة قريش، فقط أرسل الأرَضة تأكل أطراف وثيقة الظلم وعبارات الحِلْف الجائر! فيصبحون وقد تكسَّرت من الظلم العُرى بحشرة لا تكاد ترى!

إذا أراد اللطيف أن يصرف عنك السوء جعلك لا ترى السوء، أو جعل السوء لا يعرف لك طريقًا، أو جعلكما تلتقيان وينصرف كل منكما عن الآخر وما مسَّكَ منه شيء!

فلما شاء اللطيفُ أن يعيد موسى عليه السلام إلى أُمِّهِ لم يجعل حربًا تقوم بين بني إسرائيل وقوم فرعون، لا بل جعل فم موسى لا يستسيغ حليب المرضعات! بهذا الأمر الخفي يعود موسى إلى أمِّهِ بعد أن صار فؤادُها فارغًا!


إذا أراد اللطيف أن يُفرِّج هَمَّك، وينفِّس كربك، هَيَّأ الأسباب وجعل ما لا يَردُ لك على خاطر هو فَرَجُك وخَلاصُك، فلما شاء اللطيف أن يُخرِج الصدِّيق يُوسف عليه السلام من السجن، لم يدكَّ جدران السجن، ولم يأمر ملك الموت أن ينزع الحياة من أجساد الظالمين، ولم يأذن بصاعقة من السماء أن تقتلع الأقفال الحديدية، فقط جعل الملِكَ يرى رؤيا في المنام تكون سببًا خفيًّا لطيفًا يستنقذ به يُوسف الصدِّيق من أصفاد الظلم!يوسف.

عباد الله، كم نحن بحاجة في أوقات الفتن والمدلهمات، وعند نزول المحن والابتلاءات إلى تلمُّس ألطاف اللطيف في حياتنا.


الله اللطيف سبحانه و تعالى،

لم يخذُلنا أبدا رغم تقصيرنا المستمرّ

رزقنا من واسع فضله بغير استحقاق منّا

سترنا وجبر خاطرنا رغم عظيم ذنوبنا

استجاب دعاءنا بخير ممّا دعونا 

و أدهشنا بعطائه بأكثرَ مما تمنينا 

أمهلنا و اكرمنا و لم يأخذنا بذنوبنا

هو ربنا و منقذنا عند كربتنا و أنيسُ وحدتنا

رحمته تحاوطنا و فضله يغامرن

**********

الخــــــــــــــــــــــــــاتمة

عباد الله، إن الإيمان بلطف الله يُطمئن القلوب، ويُسكِن النفوس، ويبعث الفأل، ويُقوِّي الرجاء، فمهما ضاقت الأمور فإن فرج اللطيف قريب، ومهما اشتدَّ المرض فإن شفاء الكريمِ غيرُ بعيد، ومهما بعُدَتْ الآمال يأتي بها اللطيف الخبير، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴾ [لقمان: 16].

*******

الدعــــــــــــــــــــــــــــــاء

اللهم الطُفْ بنا، والطُفْ لنا، واجعلنا ممن يبتهل إليك بأحب أسمائك إليك، وهيِّئ لنا من أمرنا رشدًا يا لطيف يا خبير.

اللهم لا فرج إلا فرجك ، ولا لطف إلا لطفك فرج عنا كل هم وغم وكرب ، وارفع عنا هذه المحنة والبلية ، وادفعها بيدك القوية إنك على كل شيء قدير ..


اللهم أنت أقرب من كل قريب ، وأكرم من كل كريم ، وأجود من كل جواد ، وأحفظ من كل حفيظ ، وألطف من كل لطيف ، فنسألك بحق اسمك اللطيف أن تُسخِّر لنا من خلقك ، ومن الأسباب دائما من يقضي لنا حاجتنا ، ويدفع عنا خصمنا ، وينجينا ممن ظلمنا وعادانا ، بحقك يا لطيف ألطف بنا عند الشدائد ، ونجنا من المكائد كلها (( الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز ))