بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الملك القدوس السلام المؤمن الحميد
المجيد، له الملك وله الحمد يحيي و يميت وهو حيّ لا يموت بيده الخير وهو على كلّ شيء
قدير.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
البر التواب الشهيد، أدنى إلى عبده من حبل الوريد، يُحصي ويبدئ ثم يعيد،
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله،
أرسله بالهدى والنور والقرآن المجيد،
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه من كل برّ سعيدٍ،
وعلى جميع من سار على نهجهم، واهتدى بهديهم، إلى يوم الحشر والوعيد.
أيها الإخوة،
من العَجَب العُجَاب أن يزعم كثيرٌ من
الناس.. أنَّ البلاهة والغفلة من سمات الصَّلاح والتقوى، وأنَّ الكياسة والفطنة من
آيات الخُبْث والجَرْبَزَةِ .
زعمٌ باطل، ووهمٌ خاطئ جرَّ على المسلمين نكَبات
وبلايا، لا يزالون يَرْزَحُون تحت أثقالها، وكيف يكون الأمر كما زعموا، والأبْلَه
والمخدوع لا يصلح لأمر من أمور الدين، ولا لشأن من شؤون الدنيا، بل هو نكبةٌ أينما
حَلَّ، وبليَّة حيثما ارتحل؟!
أم كيف يكون الأمر كما ظنُّوا، وقد جاء القرآن الكريم يخاطب العقول،
وينبِّه الألباب على ما احتوى عليه من عِبَر، وما اشتمل عليه من حِكَم؟! كما
جاءت السنة حافلة بالثناء على ذوي البصائر والعقول تنويهًا باسمهم، وحثًّا على
الاقتداء بهم.
ثم لم يصْطَفِ الله تعالى رسولًا أو نبيًّا
إلا وهو قدوة مُثلى في اليقظة والحزم، وأخذ الأمور بالتي هي أقوم.
ولم تأذن الشريعة
الغرَّاء للمسلمين أن يولُّوا أمرهم أميرًا أو قاضيًا، إلا إذا كان معروفًا برجاحة
العقل، وإصابة الرأي، وبُعْد النظر.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال:
<<
قال رسول الله ﷺ: المؤمن
القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، اُحرص على ما ينفعك، واستعن
بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل:
قدر الله، وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان >> رواه مسلم
لأخذ القرار:
- جمع المعلومات- استشارة الخبير الثقة الورع
[[ و شاورهم في الأمر]]
<< المستشار مؤتمن.>> الترمذي
- صلاة الإستخارة - العزم و التوكّل
[[ فإذا عزمت فتوكّل على الله ]] آل عمران 159
- << ... وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل:
قدر الله، وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان >> رواه مسلم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أيّها الإخوة،
من فضائل القوّة،<< المؤمن القويّ خير و أحبّ إلى الله >>،
التي يوجبها الإسلام:
أن تكون وثيقَ العزم، مُجتمعَ النيّة على إدراك هدفك بالوسائل الصحيحة
الشرعية،
<لا يُتوسل إلى
المقاصد النبيلة إلا بوسائل نبيلة >.الإمام عبدالله بن بيه,
باذلا قصارى جهدك في بلوغ
مأربك...غير تاركٍ للحظوظ أن تصنع لك شيئا .
- هناك أناسٌ يجعلون من اللجوء إلى الله ستارا يواري تفريطهم المعيب و
تخاذلهم الذميم.
<< إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى
الْعَجْزِ ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ ، فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ :
حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ
الْوَكِيلُ. >>
أبو داود ، أحمد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- من الصفات الشخصية التي يتحلى بها المسلم :
أن
يكون فطنا... ليست من سماته البلاهة و الغفلة.
عن أبي هريرة رَضِيَ
الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
... ضرب ،صلى الله عليه و سلم،
مثلًا للمؤمن وما ينبغي أن يتكمَّل به من كياسةٍ وسياسةٍ، ويقظة وحزمٍ؛ فإنَّ
نقصًا في دين المرء وعقله أن يكون أبْلَهَ مُغفَّلًا، خَدْعةً للخادعين، وطُعْمَةً
للطامعين.
أبو
عَزَّة الجُمحي:
وموردُ هذا المثل أبو
عَزَّة الجُمَحي الشَّاعر، وكان يهجو النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه،
ويؤذي الله ورسوله، وذلك أنه أُسٍّر في غزوة بدر فيمن أُسر من المشركين، فَضَرع
إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أن يعتقه دون فداء، وقال: يا محمد، إني فقير
وذو حاجة قد عرفتها، فامنُن عليَّ لفقري وبناتي، فرقَّ الرسول وأطلقَه، بعد
أن أخذ عليه الميثاق ألَّا يُظاهر عليه.
فلمَّا عاد إلى مكة أَبى
له لُؤْمُه وسُوءُ طويَّتِه إلا أن ينال من المسلمين بِشِعْرِه، وأن يطيعَ
المشركين في الخروج إلى أُحد، واستنفار الأعداء لمحاربة النَّبيِّ صلى الله
عليه وسلم وأصحابه.
ويشاء الله أن يقع
أسيرًا في غزوة حمراء الأسد ، وهي التي استجاب
المؤمنون فيها لله والرسول من بعدما أصابهم القرح، فعاد سيرته الأولى،
يَضْرع ويشكو، ويقول للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: اُمنُن عليَّ لفقري وبناتي،
وأعاهدك ألَّا أعود لمثل ما فعلت.
فأجابه سيِّدُ الحكماء صَلَوات الله وسلامه عليه إجابته الخالدة: ((لا
والله، لا تَمْسَح عَارضَيْك بمكة،
وتقول: خدعتُ محمدًا مرَّتين، لا يُلدغ المؤمن من جُحْر واحد مرتين، اِضرب عنقه يا
زيد]]
أن تقع في الشراك مرّة فذاك خطأٌ ، أمّا إذا
وقعت فيه ثانية فأنت تستحقّه..
كان صلواتُ الله وسلامه عليه في الأولى
مَضْرِبَ المثل حِلْمًا وَرِفقًا ورحمةً، كما كان في الثانية مَضْرِبَ المثل كذلك
سياسةً وكياسةً وحكمةً.
عفوٌ في غير ضَعف،
ورحمةٌ من غير عنف، وإحسانٌ لا تُكَدِّره مَسَاءَة (نقيض المسرّة) ، فإذا لم
يُصادف شيءٌ من ذلك مَوْضعه، ولم يُصب مَوْقعه، وكان كالبذر الطيِّب في الأرض
السَّبِخة، فلا مناصَ من الشدَّة والحزم، واليقظة والعزم؛ ليَعتبر ماكرٌ، ويرتدع
غادر، ثمَّ لتنتصر الفضيلةُ، وتعلو كلمة الحق.
وما أصدق
أبا الطيِّب إذ يقول:
إذا
أنتَ أكرمتَ الكريمَ ملكتَهُ
وإنْ
أنتَ أكرمتَ اللئيمَ تمرَّدَا
فوضْعُ
النَّدى في موضعِ السيف بالعُلا
مُضِرٌّ
كوضعِ السيفِ في موضع النَّدى
|
الحكمةُ وضعُ كلِّ
شيءٍ في موضعه.
المسلم يجعله إيمانه رجلَ مبدإ متميّز:
يُعاشر النّاس على
بصيرة من أمره،إن رآهم على صواب تعاون معهم و إن وجدهم مخطئين نأى بنفسه و استوحى
ضميره وحده.
<<
لَا تَكُونُوا
إِمَّعَةً ، تَقُولُونَ : إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا ، وَإِنْ ظَلَمُوا
ظَلَمْنَا ، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ
تُحْسِنُوا ، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا>> الترمذي
و الرجل الضعيف هو
الذي يستعبِده العرف الغالب و تتحكّم في أعماله التقاليد السائدة و لو كانت
خطأً...
لكن
المؤمن لا يكترث بأمر ليس له من الدين الله سند.
...سيجد متاعب
كثيرة،و لكن رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول:
<<
منِ التمسَ رضا اللَّهِ بسَخطِ النَّاسِ كفاهُ اللَّهُ مؤنةَ النَّاسِ( أي: حَفِظه اللهُ مِن
سخَطِ النَّاسِ عليه وأرضَى عنه النَّاسَ، وكفاه همَّ ذلك )، ومنِ
التمسَ رضا النَّاسِ بسخطِ اللَّهِ وَكلَهُ اللَّهُ إلى النَّاسِ>> الترمذي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و من صفات المسلم أن يكون صريحا، يواجه النّاس بقلب مفتوح، لا يصانع على حساب الحقّ بما يغضُّ من كرامته.
حدث أن كسفت الشمس
على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلّم يوم مات ابنه إبراهيم. فقال النّاسُ (عشاق
الخرافات) خسفت الشمس لموت إبراهيم.
فقام رسول الله صلى
الله عليه و سلم يخطب النّاس فقال:
<<إنَّ
الشَّمسَ والقمرَ آيتانِ من آياتِ اللهِ، لا يُخسفانِ لموتِ أحدٍ ولا لحياتِه؛
فإذا رأيتُم ذلك فادْعُوا اللهَ، وكبِّروا، وتَصدَّقوا>> متفق عليه
فإنّ الشخص الذي يحيا في الحقائق لا يتاجر
بالأباطيل فهو غنيّ عنها، و صراحته ثروة عريضة من الشرف ، تغني صاحبها عن الدجل و
الاستغلال ...و هذه من صفاته صلى الله عليه و سلم.
" لا تُرضينَّ أحداً بسخط الله ، ولا تحمدنَّ أحداً على فضل الله ، ولا
تذمنَّ أحداً على ما لم يؤتك الله ؛ فإن رزق الله لا يسوقه إليك حرصُ حريصٍ ، ولا
يردُّه عنك كراهية كاره ، وإن الله تعالى بقسطه وعدله جعل الرَوْح والفرح في الرضا
واليقين ، وجعل الهمَّ والحزن في السخط "رواه الطبري في الكبير.