ما هو التخيل ؟
أينشتاين يقول : التخيل أهم من المعرفة ! فما هو التخيل ؟
التخيل عبارة عن تدفق موجات من الأفكار التي يمكنك رؤيتها أو سماعها أو استشعارها أوتذوقها
فنحن نتفاعل عقليا مع كل شيء عبر الصور.. والصور ليست فقط بصرية ولكنها قد تكون رائحة أو
ملمسا أو "مذاقا" أو "صوتا"، بل هي تعبير داخلي عن تجاربك أو أوهامك.. إنه أحد الأساليب التي
يقوم من خلالها مخك بتشفير وتخزين المعلومات والتعبير عنها، وهو الأداة التي تتفاعل بها عقولنا مع أجسادنا.
والشخص العادي تعبر ذهنه قرابة عشرة آلاف فكرة في شكل صور يوميا، ونصف هذه الصور على الأقل ذو طابع سلبي!!
لا فرق بين الصورة الحقيقية و الصورة المتخيلة ! تتكون الصور في جزء من المخ يدعى
الجهاز الحوفي limbic system وهو جزء مختص بالعواطف والانفعالات والإحساس بالألم
أو البهجة، ولكن إدراك الصورة المتكونة يتم في المستوى الأعلى من المخ ويعرف بالقشرة cortex ،
وهو الجزء المختص بالذاكرة والتفسير والتبرير وبدونه تظل الصورة بلا معنى.
ويرتبط الجزء الذي تتكون فيه الصورة بغدتين الأولى تعرف باسم الغدة تحت المهادية
Hypothalamus ، وهذه الغدة مسئولة عن تنظيم درجة حرارة الجسم ومعدل
ضربات القلب والشعور بالجوع والعطش والرغبة في النوم والنشاط الجنسي، أي أنها تنظم
جميع العمليات الحيوية في الجسم.
والثانية الغدة النخامية pituitary gland التي تقود النشاط الهرموني للجسم.
وبعد أن تتكون الصورة ويدرك المخ معناها تعمل الغدة تحت المهادية Hypothalamus على إحداث تفاعلات فسيولوجية في جميع أعضاء الجسم
فتقوم الخلايا بإرسال إشارات للمخ تعمل
على تقوية الصورة لتصبح أكثر حيوية ويرسل المخ المزيد من الإيضاحات؛ وهو ما يجعل الصورة
تستمر وتتواصل الدورة بين الجسد والمخ.
وقد ثبت أن المخ يتفاعل بنفس الطريقة مع الصورة المتخيلة.. أي أنه لا يفرق بين الصورة الخيالية
التي يبدعها خيال الإنسان دون أن تراها عينه وبين الصورة الواقعية.
علاقة التخيل بالصحة و المرض :
كما يتأثر العقل والجسد بالصور والتخيل تأثرا كبيرا؛ فالتخيل هو الصلة البيولوجية بين العقل والجسد،
وكما أن وجود صورة خيالية قوية لأحد الأمراض هو أمر كاف للتسبب في ظهور أعراضه؛ فإن تحفيز
الصور الخيالية للشفاء يتسبب بالفعل في الشفاء.. فقوة الخيال تعد عاملا عظيما في الطب لا يمكن إنكاره؛
إذ قد تسبب الأمراض وقد تشفي منها !!
تقول الدكتورة باربارا روزي مديرة مركز استشارات الطب البديل بسانتافي-نيومكسيكو ومؤلفة كتاب
"استخدام التصور للصحة واللياقة": "إذا أمكن للشخص أن يستبدل بالصور السلبية التي تضعه في
حالة تأهب غير ضروري وغير مفيد صورة أخرى إيجابية كما في لحظة استرخاء على شاطئ البحر أو
صورة له وهو يلعب مع أطفاله فإن هذه الصورة الإيجابية بدلا من أن تطلق الأدرينالين في الجسم تطلق
المهدئات الطبيعية التي تجعل التنفس يهدأ والقلب يتمهل والتوتر ينخفض والجهاز المناعي يقوى وينشط" .. !!
كما افترض د.سيمونتون أن نشاط الجهاز المناعي يمكن تعزيزه بتصور رؤية خلايا دم بيض قوية وهي
تهاجم خلايا سرطانية ضعيفة. وقد تتبع د.سيمونتون حالة 159 مريضا جميعهم يعانون سرطانا غير
قابل للشفاء وقيل لهم جميعا إنهم لن يعيشوا أكثر من عام تقريبا، ولكن باستخدام العلاج التخيلي كجزء
من علاجهم بقي 40% من أولئك المرضى على قيد الحياة لمدة 4 سنوات بعدها. 22% منهم دخلوا
في مرحلة تراجع كامل للمرض. وفي نسبة19% أخرى انكمشت الأورام فقط. وبصفة عامة فإن الأشخاص
المشاركين في الدراسة الذين استخدموا التخيل جنبا إلى جنب مع العلاج الطبي عاشوا فترة أطول
- بمقدار الضعف - من الذين تلقوا رعاية طبية فحسب.
كما أثبت د. أنيس الشيخ أستاذ علم النفس الطبي بجامعة "ميلواوكي" أن العلاج بالتصور يمكن أن
يخفض من ضغط الدم المرتفع ويبطئ من تسارع القلب ويكافح الأرق والسمنة والمخاوف المرضية.
أنواع التخيل و تنمية الخيال :
مهارة التخيل تحتاج الى تمرين يومي لكي تكون قوية - عادة تحتاج من اسبوع الى شهر وهنا
سأسرد لك أنواع التخيل و امثلة لكل نوع
1-التخيل الصوري : أجمل صورة لك ، ساعة حائط ، شجرة ، سيارة حمراء
2-التخيل السمعي : صوت المطر ، صوت أمك ، صوت الرياح
3-التخيل الحسي ( اللمس ): ملمس الفرو ، ملمس الرخام ، ملمس سطح ساخن
4-التخيل الحسي ( الشم ) : رائحة السمك المقلي ، رائحة عطرك المفضل ، رائحة النعناع
5-التخيل الحسي ( التذوق ) : تذوق طعم الشاي ، طعم البطاطا المشوية
6-التخيل الصوري الحركي : شهاب يحترق في الهواء ، تخيل أنك تجري
طبعا أجمل أنواع التخيل و أقواها تلك التي تجتمع فيها جميع الانواع السابقة مثلا تخيل أنك تجري تخيل كمية
العرق تذوق ملوحته ! تخيل تخلص جسمك من تلك الأملاح تخيل علاقة ذلك بضغط الدم !
تخيل لون ملابسك تخيل سرعتك تلمس عضلات جسمك التي تتحرك حاول ان تعدها واحدة بعد الاخرى !!
تخيل درجة حرارة الجو المناظر المحيطة بك اثناء الجري رائحة كل منطقة تمر بها و انت تمارس رياضتك
المفضلة و هكذا .... هل ترغب بالجري الآن !!
تطبيق التخيل على مشاريعك المستقبلية :
و انت تتخيل مشروعك المستقبلي ابتعد تماما عن التخيل السلبي مثل فشل المشروع و العقبات المحيطة به
فقط تخيل النجاح تخيل اسباب النجاح مساحة المشروع ألوانه المنطقة المحيطة به العدد الهائل من الزبائن
جودة عالية للسلعة التي تقدمها تخيل كل التفاصيل لاتهمل شيئا و لا تستمع لسارقي الاحلام أبدا !!
سأختم الموضوع بهذه القصة الجميلة عن سارقي الأحلام :
عندما كان مونتي طالبا في المدرسة العليا أعطى المدرس طلاب الصف مهمة تخيل ما يرغبون في عمله
عندما يكبرون و كتابة ذلك ، كتب مونتي أنه يتخيل و يحلم بامتلاك مزرعة واسعة جدا يربي فيها العديد من
خيول السباق !! أعطاه المدرس درجة ضعيف ! فكيف لفقير مثل مونتي لا يجد قوت يومه بل يعيش على ظهر
شاحنة صدئة ! أن يحقق مثل هذا الحلم !! و عندما عرض المدرس على مونتي فرصة اعادة كتابة ورقته من
أجل الحصول على درجة أعلى ، قالمونتي لمدرسه : " احتفظ أنت بالدرجة ، و سأحتفظ أنا بحلمي " .
و اليوم أصبح مونتي يمتلك اكبر مزرعة في كاليفورنيا يربي فيها خيل السباق و يدرب المئات من مربي الخيول !!!!
dimanche 31 octobre 2010
jeudi 21 octobre 2010
الهموم وفقه الأولويات | المختار الإسلامي
الهموم وفقه الأولويات | المختار الإسلامي هموم المسلمين كثيرة ويصعب إحصاؤها.. والهموم المفاجئة قد تكون أوجع وآلم من الأخرى المعروفة والمألوفة..
والإسلام من خلال اعتماده فقه الأولويات في التعاطي والتعامل مع شؤون الحياة وما يعرض فيها، يمكن أن يسهم إلى حد كبير في التخفيف عن الناس، وفي مساعدتهم على إيجاد الحلول المناسبة لمشكلاتهم، فضلا عن درء الكثير من المفاسد عنهم..
من تلكم القضايا التي يمكن أن تنغص حياة المسلمين أو تدمرها وتهوي بهم في مكان سحيق ما يتصل بطريقة تعاملهم مع الهموم المحيطة بهم..
الهموم كثيرة ومتشعبة
والهموم ـ كما هو مشاهد ومعروف ـ كثيرة ومتعددة ومتشعبة.. منها ما هو هام وكبير، ومنها ما هو تافه وصغير..
فمن الهموم ما يتصل بحاجات البدن من مأكل ومشرب وملبس ومنكح..
ومنها ما يتصل بحاجته إلى العمل والكسب والتجارة والتعليم والتطبيب..
منها ما يتعلق به شخصيا، ومنها ما يتعلق بمن هو مسؤول عنهم كالأهل والأولاد والأحفاد والأقارب والجوار..
هذا جانب من الهموم، وفي الجانب الآخر، هنالك هموم تتعلق بالإسلام، بالدين والآخرة.. وأخرى تتعلق بالمسلمين، بقضاياهم الكبرى.. بما يواجههم من مؤامرات..
كيف يتصرف المسلم حيال كل ذلك؟
إنه لابد من قواعد وأصول تحدد للمسلم منهجية تصرفه حيال ما يرد إليه وما يواجهه من هموم..
وعدم الاحتكام والالتزام بمنهجية الإسلام في التعاطي مع الهموم يمكن أن يحيل أي هم منها ـ مهما كان صغيرا ـ كارثة من الكوارث التي قد تتسبب بخسارة الدنيا والدين معا!
فقد يتعرض الإنسان لنكبة مادية ـ في ماله أو عياله ـ فإن لم يتعامل معها وفق مقتضيات الشرع قد تتحول إلى نكبة معنوية، في دينه وإسلامه، وهذا هو الخسران المبين والعياذ بالله.
من هنا كان الضابط القرآني في ذلك، قوله تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ .
كل همّ فوقه همٌّ أكبر
إن الأخذ بقاعدة [ أن كل همّ فوقه همّ أكبر ] من شأنه أن يريح النفس، ويخفف عنها المصيبة والصدمة التي ترد إليها، مهما كانت كبيرة وأليمة..
فالمصائب المادية تبقى نسبية والفوارق بين واحدة وأخرى منها كبيرة.. فمن خسر نصف ماله ليس كمن خسر كل ماله.. ومن خسر ما يمكن أن يعوض ليس كمن خسر ما لا يمكن أن يعوض!
وخسارة الدنيا ـ مهما عظمت ـ ليست شيئا حيال خسارة الدين.. ففي الأولى الخسارة عرضية بينما الخسارة في الأخرى أبدية! من هنا كان دعاء الصالحين:( اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا ).
يحضرني في هذا المقام ما تعرضت له إحدى الأنصاريات - بعد معركة أحد - حيث جاءها نعي أبيها وأخيها وزوجها.. هذه المرأة ـ وبالرغم من مصابها الأليم ـ لم تنس مصابا هو أكثر أهمية وأشد إيلاماً من مصابها، قالت: وماذا فعل برسول الله - صلى الله عليه وسلم -.. فقالوا هو بخير، قالت خذوني إليه.. فلما وجدته في عافية قالت: ( الحمد لله يا رسول الله، كل مصيبة بعدك جلل ) أي هينة!
بين هموم الدنيا وهموم الآخرة
الذين يغرقون في هموم الدنيا ومصائبها، يكادون لا يجدون متسعا للتفكير في هموم الآخرة وأهوالها، وبالتالي هم منشغلون عن أي تحضير لما ينتظرهم من تلكم الأهوال:الموت.. وحشة القبور.. الصيحات والنفخات.. النشر والحشر.. الحساب.. الميزان.. الصحف المتطايرة.. يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه.. يوم تضع كل ذات حمل حملها.. وقد يأتيهم هذا الذي ينتظرهم بغتة وهم لا يشعرون!
وإذا سألنا أنفسنا ـ في لحظة انتباه ـ وهل من وجه للمقارنة بين بلاء الدنيا وبلاء للآخرة؟ فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجيبنا على ذلك في الحديث القدسي حيث يقول:( يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيُصبغ في النار صبغة ثم يقال يا ابن آدم هل رأيت خيراً قط هل مر بك نعيم قط، فيقول لا والله يا رب. ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة فيُصبغ في الجنة فيقال له يا ابن آدم هل رأيت بؤساً قط هل مر بك شدة قط فيقول لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط) [ رواه مسلم ].
همٌّ واحد.. ويكفينا الله به ما عداه من هموم
وفق الأولويات التي ينظم بها الإسلام مراتب الهموم، يجب أن يتقدم هم واحد أساس على كل ما عداه من هموم.. إنه نيل رضاء الله تعالى، والذي يتجلى في أوضح تعبير من خلال دعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد تعرضه للأذى في رحلة الطائف:( إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي.. رحمتك أوسع لي.. يا واسع المغفرة اغفر لي )
إنه الهم الواحد الأوحد الذي أشار إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله وعناه: ( من جعل الهم هما واحدا كفاه الله هموم الدنيا جميعا، ومن تشعبت به الهموم لا يبالي الله بأي واد من أودية الدنيا هلك ).
الاهتمام بأمر المسلمين
وفي لفتات نوعية أخرى، حض الإسلام المسلمين على الانعتاق من دوامة همومهم الخاصة، ودعاهم إلى العيش مع هموم الآخرين، من ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: ( من بات ولم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ).
فهنالك الجائعون الذين لا طعام عندهم، والمرضى الذين لا دواء لديهم، والمشردون الذين لا مأوى لهم.. ونحن معنيون تجاههم بقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:( ليس منا من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم ).
هنالك الأيتام والأيامى والأرامل الذين فقدوا البسمة وتسربلوا بالأحزان، وليس من أحد يدخل السرور إلى نفوسهم، ويعيد البهجة إلى صدورهم! ونحن معنيون حيالهم بقوله - صلى الله عليه وسلم -:( الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، الصائم النهار وكالقائم الليل ).
هنالك المجازر الجماعية التي ترتكب بحق المسلمين على امتداد هذا العالم!
فمطلوب منا
والإسلام من خلال اعتماده فقه الأولويات في التعاطي والتعامل مع شؤون الحياة وما يعرض فيها، يمكن أن يسهم إلى حد كبير في التخفيف عن الناس، وفي مساعدتهم على إيجاد الحلول المناسبة لمشكلاتهم، فضلا عن درء الكثير من المفاسد عنهم..
من تلكم القضايا التي يمكن أن تنغص حياة المسلمين أو تدمرها وتهوي بهم في مكان سحيق ما يتصل بطريقة تعاملهم مع الهموم المحيطة بهم..
الهموم كثيرة ومتشعبة
والهموم ـ كما هو مشاهد ومعروف ـ كثيرة ومتعددة ومتشعبة.. منها ما هو هام وكبير، ومنها ما هو تافه وصغير..
فمن الهموم ما يتصل بحاجات البدن من مأكل ومشرب وملبس ومنكح..
ومنها ما يتصل بحاجته إلى العمل والكسب والتجارة والتعليم والتطبيب..
منها ما يتعلق به شخصيا، ومنها ما يتعلق بمن هو مسؤول عنهم كالأهل والأولاد والأحفاد والأقارب والجوار..
هذا جانب من الهموم، وفي الجانب الآخر، هنالك هموم تتعلق بالإسلام، بالدين والآخرة.. وأخرى تتعلق بالمسلمين، بقضاياهم الكبرى.. بما يواجههم من مؤامرات..
كيف يتصرف المسلم حيال كل ذلك؟
إنه لابد من قواعد وأصول تحدد للمسلم منهجية تصرفه حيال ما يرد إليه وما يواجهه من هموم..
وعدم الاحتكام والالتزام بمنهجية الإسلام في التعاطي مع الهموم يمكن أن يحيل أي هم منها ـ مهما كان صغيرا ـ كارثة من الكوارث التي قد تتسبب بخسارة الدنيا والدين معا!
فقد يتعرض الإنسان لنكبة مادية ـ في ماله أو عياله ـ فإن لم يتعامل معها وفق مقتضيات الشرع قد تتحول إلى نكبة معنوية، في دينه وإسلامه، وهذا هو الخسران المبين والعياذ بالله.
من هنا كان الضابط القرآني في ذلك، قوله تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ .
كل همّ فوقه همٌّ أكبر
إن الأخذ بقاعدة [ أن كل همّ فوقه همّ أكبر ] من شأنه أن يريح النفس، ويخفف عنها المصيبة والصدمة التي ترد إليها، مهما كانت كبيرة وأليمة..
فالمصائب المادية تبقى نسبية والفوارق بين واحدة وأخرى منها كبيرة.. فمن خسر نصف ماله ليس كمن خسر كل ماله.. ومن خسر ما يمكن أن يعوض ليس كمن خسر ما لا يمكن أن يعوض!
وخسارة الدنيا ـ مهما عظمت ـ ليست شيئا حيال خسارة الدين.. ففي الأولى الخسارة عرضية بينما الخسارة في الأخرى أبدية! من هنا كان دعاء الصالحين:( اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا ).
يحضرني في هذا المقام ما تعرضت له إحدى الأنصاريات - بعد معركة أحد - حيث جاءها نعي أبيها وأخيها وزوجها.. هذه المرأة ـ وبالرغم من مصابها الأليم ـ لم تنس مصابا هو أكثر أهمية وأشد إيلاماً من مصابها، قالت: وماذا فعل برسول الله - صلى الله عليه وسلم -.. فقالوا هو بخير، قالت خذوني إليه.. فلما وجدته في عافية قالت: ( الحمد لله يا رسول الله، كل مصيبة بعدك جلل ) أي هينة!
بين هموم الدنيا وهموم الآخرة
الذين يغرقون في هموم الدنيا ومصائبها، يكادون لا يجدون متسعا للتفكير في هموم الآخرة وأهوالها، وبالتالي هم منشغلون عن أي تحضير لما ينتظرهم من تلكم الأهوال:الموت.. وحشة القبور.. الصيحات والنفخات.. النشر والحشر.. الحساب.. الميزان.. الصحف المتطايرة.. يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه.. يوم تضع كل ذات حمل حملها.. وقد يأتيهم هذا الذي ينتظرهم بغتة وهم لا يشعرون!
وإذا سألنا أنفسنا ـ في لحظة انتباه ـ وهل من وجه للمقارنة بين بلاء الدنيا وبلاء للآخرة؟ فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجيبنا على ذلك في الحديث القدسي حيث يقول:( يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيُصبغ في النار صبغة ثم يقال يا ابن آدم هل رأيت خيراً قط هل مر بك نعيم قط، فيقول لا والله يا رب. ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة فيُصبغ في الجنة فيقال له يا ابن آدم هل رأيت بؤساً قط هل مر بك شدة قط فيقول لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط) [ رواه مسلم ].
همٌّ واحد.. ويكفينا الله به ما عداه من هموم
وفق الأولويات التي ينظم بها الإسلام مراتب الهموم، يجب أن يتقدم هم واحد أساس على كل ما عداه من هموم.. إنه نيل رضاء الله تعالى، والذي يتجلى في أوضح تعبير من خلال دعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد تعرضه للأذى في رحلة الطائف:( إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي.. رحمتك أوسع لي.. يا واسع المغفرة اغفر لي )
إنه الهم الواحد الأوحد الذي أشار إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله وعناه: ( من جعل الهم هما واحدا كفاه الله هموم الدنيا جميعا، ومن تشعبت به الهموم لا يبالي الله بأي واد من أودية الدنيا هلك ).
الاهتمام بأمر المسلمين
وفي لفتات نوعية أخرى، حض الإسلام المسلمين على الانعتاق من دوامة همومهم الخاصة، ودعاهم إلى العيش مع هموم الآخرين، من ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: ( من بات ولم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ).
فهنالك الجائعون الذين لا طعام عندهم، والمرضى الذين لا دواء لديهم، والمشردون الذين لا مأوى لهم.. ونحن معنيون تجاههم بقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:( ليس منا من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم ).
هنالك الأيتام والأيامى والأرامل الذين فقدوا البسمة وتسربلوا بالأحزان، وليس من أحد يدخل السرور إلى نفوسهم، ويعيد البهجة إلى صدورهم! ونحن معنيون حيالهم بقوله - صلى الله عليه وسلم -:( الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، الصائم النهار وكالقائم الليل ).
هنالك المجازر الجماعية التي ترتكب بحق المسلمين على امتداد هذا العالم!
فمطلوب منا
Inscription à :
Articles (Atom)