الهموم وفقه الأولويات | المختار الإسلامي هموم المسلمين كثيرة ويصعب إحصاؤها.. والهموم المفاجئة قد تكون أوجع وآلم من الأخرى المعروفة والمألوفة..
والإسلام من خلال اعتماده فقه الأولويات في التعاطي والتعامل مع شؤون الحياة وما يعرض فيها، يمكن أن يسهم إلى حد كبير في التخفيف عن الناس، وفي مساعدتهم على إيجاد الحلول المناسبة لمشكلاتهم، فضلا عن درء الكثير من المفاسد عنهم..
من تلكم القضايا التي يمكن أن تنغص حياة المسلمين أو تدمرها وتهوي بهم في مكان سحيق ما يتصل بطريقة تعاملهم مع الهموم المحيطة بهم..
الهموم كثيرة ومتشعبة
والهموم ـ كما هو مشاهد ومعروف ـ كثيرة ومتعددة ومتشعبة.. منها ما هو هام وكبير، ومنها ما هو تافه وصغير..
فمن الهموم ما يتصل بحاجات البدن من مأكل ومشرب وملبس ومنكح..
ومنها ما يتصل بحاجته إلى العمل والكسب والتجارة والتعليم والتطبيب..
منها ما يتعلق به شخصيا، ومنها ما يتعلق بمن هو مسؤول عنهم كالأهل والأولاد والأحفاد والأقارب والجوار..
هذا جانب من الهموم، وفي الجانب الآخر، هنالك هموم تتعلق بالإسلام، بالدين والآخرة.. وأخرى تتعلق بالمسلمين، بقضاياهم الكبرى.. بما يواجههم من مؤامرات..
كيف يتصرف المسلم حيال كل ذلك؟
إنه لابد من قواعد وأصول تحدد للمسلم منهجية تصرفه حيال ما يرد إليه وما يواجهه من هموم..
وعدم الاحتكام والالتزام بمنهجية الإسلام في التعاطي مع الهموم يمكن أن يحيل أي هم منها ـ مهما كان صغيرا ـ كارثة من الكوارث التي قد تتسبب بخسارة الدنيا والدين معا!
فقد يتعرض الإنسان لنكبة مادية ـ في ماله أو عياله ـ فإن لم يتعامل معها وفق مقتضيات الشرع قد تتحول إلى نكبة معنوية، في دينه وإسلامه، وهذا هو الخسران المبين والعياذ بالله.
من هنا كان الضابط القرآني في ذلك، قوله تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ .
كل همّ فوقه همٌّ أكبر
إن الأخذ بقاعدة [ أن كل همّ فوقه همّ أكبر ] من شأنه أن يريح النفس، ويخفف عنها المصيبة والصدمة التي ترد إليها، مهما كانت كبيرة وأليمة..
فالمصائب المادية تبقى نسبية والفوارق بين واحدة وأخرى منها كبيرة.. فمن خسر نصف ماله ليس كمن خسر كل ماله.. ومن خسر ما يمكن أن يعوض ليس كمن خسر ما لا يمكن أن يعوض!
وخسارة الدنيا ـ مهما عظمت ـ ليست شيئا حيال خسارة الدين.. ففي الأولى الخسارة عرضية بينما الخسارة في الأخرى أبدية! من هنا كان دعاء الصالحين:( اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا ).
يحضرني في هذا المقام ما تعرضت له إحدى الأنصاريات - بعد معركة أحد - حيث جاءها نعي أبيها وأخيها وزوجها.. هذه المرأة ـ وبالرغم من مصابها الأليم ـ لم تنس مصابا هو أكثر أهمية وأشد إيلاماً من مصابها، قالت: وماذا فعل برسول الله - صلى الله عليه وسلم -.. فقالوا هو بخير، قالت خذوني إليه.. فلما وجدته في عافية قالت: ( الحمد لله يا رسول الله، كل مصيبة بعدك جلل ) أي هينة!
بين هموم الدنيا وهموم الآخرة
الذين يغرقون في هموم الدنيا ومصائبها، يكادون لا يجدون متسعا للتفكير في هموم الآخرة وأهوالها، وبالتالي هم منشغلون عن أي تحضير لما ينتظرهم من تلكم الأهوال:الموت.. وحشة القبور.. الصيحات والنفخات.. النشر والحشر.. الحساب.. الميزان.. الصحف المتطايرة.. يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه.. يوم تضع كل ذات حمل حملها.. وقد يأتيهم هذا الذي ينتظرهم بغتة وهم لا يشعرون!
وإذا سألنا أنفسنا ـ في لحظة انتباه ـ وهل من وجه للمقارنة بين بلاء الدنيا وبلاء للآخرة؟ فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجيبنا على ذلك في الحديث القدسي حيث يقول:( يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيُصبغ في النار صبغة ثم يقال يا ابن آدم هل رأيت خيراً قط هل مر بك نعيم قط، فيقول لا والله يا رب. ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة فيُصبغ في الجنة فيقال له يا ابن آدم هل رأيت بؤساً قط هل مر بك شدة قط فيقول لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط) [ رواه مسلم ].
همٌّ واحد.. ويكفينا الله به ما عداه من هموم
وفق الأولويات التي ينظم بها الإسلام مراتب الهموم، يجب أن يتقدم هم واحد أساس على كل ما عداه من هموم.. إنه نيل رضاء الله تعالى، والذي يتجلى في أوضح تعبير من خلال دعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد تعرضه للأذى في رحلة الطائف:( إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي.. رحمتك أوسع لي.. يا واسع المغفرة اغفر لي )
إنه الهم الواحد الأوحد الذي أشار إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله وعناه: ( من جعل الهم هما واحدا كفاه الله هموم الدنيا جميعا، ومن تشعبت به الهموم لا يبالي الله بأي واد من أودية الدنيا هلك ).
الاهتمام بأمر المسلمين
وفي لفتات نوعية أخرى، حض الإسلام المسلمين على الانعتاق من دوامة همومهم الخاصة، ودعاهم إلى العيش مع هموم الآخرين، من ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: ( من بات ولم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ).
فهنالك الجائعون الذين لا طعام عندهم، والمرضى الذين لا دواء لديهم، والمشردون الذين لا مأوى لهم.. ونحن معنيون تجاههم بقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:( ليس منا من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم ).
هنالك الأيتام والأيامى والأرامل الذين فقدوا البسمة وتسربلوا بالأحزان، وليس من أحد يدخل السرور إلى نفوسهم، ويعيد البهجة إلى صدورهم! ونحن معنيون حيالهم بقوله - صلى الله عليه وسلم -:( الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، الصائم النهار وكالقائم الليل ).
هنالك المجازر الجماعية التي ترتكب بحق المسلمين على امتداد هذا العالم!
فمطلوب منا
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire