الجنة و
النّار.7/2013 ج ك + ج الحنفية 12/2016
بسم الله
الرحمن الرحيم
الحمد لله المستحق لغاية التحميد، المتوحد
في كبريائه وعظمته، لا إله إلا هو الولي الحميد، الغني المبدئ المعيد، المعطي الذي
لا ينفد عطاؤه ولا يبيد،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الأحد الفرد
الصمد لا ربّ سواه للعبيد،
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله خيرُ من صام وصلى وحقق التوحيد،
فصلوات ربي وسلامه عليه
وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المزيد.
أيها
الإخوة الكرم،
أنا في
حيرة شديدة،...
هؤلاء
الصحابة الكرام الذين كانوا مع رسول الله
الذين بذلوا الغالي والرخيص، والنفس والنفيس، ومع ذلك هم في خوف لا يوصف من الله
عز وجل،
حتى سيدنا
عمر رضي الله عنه سأل حذيفة بن اليمان: بربك اسمي مع المنافقين
؟
أهو مبالغة؟
أم أنهم حقيقةً خائفون ؟
هل هم
محقون في خوفهم على ما هم عليه من ورع وخشية وبذل وتضحية وإخلاص ومحاسبة للنفس ...
أم نحن
محقون على ما نحن عليه من تقصير وتفلت وإهمال وأداء شكلي لبعض العبادات، وأكل
المال الذي لا ينبغي أن نأكله...و نحن في غاية من الاطمئنان ؟
من هم على
حق ؟
أكيد أنّهم
هم الذين على حق و كيف نسأل هذا السؤال و قد جاء في الخبر
((إن الله
اختارني واختار لي أصحابي ))
*ما بال هذا التابعي الجليل الذي قال: التقيت
بأربعين صحابياً ما منهم واحد إلا وهو يخشى أن يكون منافقاً،
ما هذه الطمأنينة التي نحن عليها ؟
إنها طمأنينة البلهاء والسذج، هؤلاء الذين
عرفوا الله، وعرفوا أنهم مخلوقون لجنة عرضها السماوات والأرض، هؤلاء الذين عرفوا
عظم ألوهية الله عز وجل، هؤلاء الذين عرفوا عظم ما أعد الله للمؤمنين في الجنة
نعيم، هؤلاء محقّون في خوفهم، ونحن لسنا محقين في طمأنينتنا.
أيها الإخوة،
الإمام
#محمد_الغزالي
<<
قلت يوما لرجل تعود السكر : ألا تتوب إلى الله؟ .. فنظر إلىَّ بانكسار ودمعت عيناه
، وقال: ادع الله لى..!!
تأملت
فى حال الرجل ورق له قلبى. إنّ بُكاءَه شعورٌ بمدى تفريطه فى جنب الله ، وحزنه على
مخالفته ، ورغبته فى الاصطلاح معه. إنه مؤمن يقينا ، ولكنه مبتلى! وهو يَنشدُ
العافية ويستعينُ بى على تقريبها..
قلت
لنفسى: قد يكون حالى مثل هذا الرجل أو أسوأ. صحيح أننى لم أذق الخمر قط ، فإن
البيئة التى عشت فيها لا تعرفها ، لكنى ربما تعاطيت من خمر الغفلة ما جعلنى أذهل
عن ربى كثيرا ، وأنسى حقوقه. إنه يبكى لتقصيره ، وأنا وأمثالى لا نبكى على تقصيرنا
، قد نكون بأنفسنا مخدوعين..
وأقبلت
على الرجل الذى يطلب منى الدعاء ليترك الخمر ، قلت له: تعال ندع لأنفسنا معا.. (
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين).
يقول:
إننى أطلب من المشتغلين بالدعوة أن يتقوا الله
فى الناس ، وأن يتفقهوا فى الدين فإن من يرد الله به شرا يحرمه الفقه فى الدين ،
ولو كان ثرثارا يخطب فى كل ناد.
أيها الإخوة الكرام،
إنّ خوفك
من الله مرتبط بإيمانك به، فكلما ازداد إيمانك، ازداد خوفك،
أرأيت إلى
طفل...فيمشي إلى جانبه ثعبان مخيف لا يخاف هذا الطفل ! قد يلمسه بيده وقد يعجب
بمنظره، وإذا رآه رجل لخرج من جلده خوفاً، ما سر طمأنينة الصغير ؟ عدم إدراكه !
* إنّ خوفك
من الله يتناسب مع معرفتك به ! فكلما ازدادت معرفتك بالله عز وجل ازداد خوفك منه، وكلما
قلّ الخوف كان مؤشراً على نقص المعرفة،
مثال:الطبيب
كلما ازداد علمه بالجراثيم وانتقال الأمراض يزداد خوفه من طعام ملوث.
لذلك كان
عليه الصلاة والسلام أشد الناس قاتبة خوفاً من الله،
روى ابن
مردويه عن ابن مسعود مرفوعاً:
((رأس
الحكمة مخافة اللّه))
(اختصار
الصابوني)
أيّها
الإخوة،
الفاجر
والمنافق يرى ذنبه كأنّه ذبابٌ يحطُّ على أنفه، لو أشار إليه بيده ردّه، والمؤمن
يرى ذنبه كالجبل يوشك أن يسقط عليه،
وكان أنس
بن مالك يقول وكان قد عمّر زماناً بعد النبي صلى الله عليه وسلم:
((إنكم
تعملون أعمالاً كنا نعدها من الكبائر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي في
أعينكم أصغر من الشعر ))
يقول الله
عزّ و جلّ:
[[ فَمَنْ
يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ
يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ]]
دعا النبي صلى الله عليه وسلم قريشاً فاجتمعوا, فقال:
(( يا
بني كعبِ بنِ لُؤيّ، أنِقذُوا أنفُسَكم مِنَ النَّارِ، يا بني مُرَّة بنِ كَعبٍ،
أنِقذُوا أنفُسَكم مِنَ النَّار، يا بني عبدِ شمسٍ، أنِقذُوا أنفُسَكم مِنَ
النَّارِ، يا بني عبدِ المطلب، أنِقذُوا أنفُسَكم مِنَ النَّارِ، يا فَاطِمَةُ،
أنِقذُي نفُسَكِ مِنَ النَّارِ، فإنّيَ لا أملك لكم من اللّه شيْئاً)) متفق عليه
الإنسان يحتاج من حين لآخر إلى أن يخاف,
على أن لا يكون خوفه مقنط له من رحمة الله...
[[ قَالَ
وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ [الحجر: 56].
وقال:[[ إِنَّهُ
لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ]] [يوسف:
87].
ورد عن
سيّدنا داوود أنّه قال:
<<
يا رب, إنك تعلم أني أحبك, وأحب من يحبك,
فكيف أحببك إلى خلقك؟ قال: ذكرهم بآلائي, وذكرهم بنعمائي, وذكرهم ببلائي>>
****
من أجل التوازن سنتكلم عن الجنة.
أيّها
الإخوة،
قد تواترت
الآيات والأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصف الجنة التي بها يجازي
الله جل وعلا من سار على أمره وحذر نهيه:
عن أبى هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
((قال الله تعالى أعددت لعبادي الصالحين ما
لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر علي قلب بشر, واقرءوا إن شئتم فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ))
متفق عليه.
[[ يا
عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين
ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون يطاف
عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون]]
وعن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى
الله عليه وعلى آله وسلم قال:
(( لقَابُ قَوْسٍ في الْجَنَّةِ خَيْر مما تَطْلُعُ
عليه الشَّمْسُ وتَغْرُبُ )) متفق
عليه[12].
القاب : قَدْرِ
الذِّرَاعِ
[[ إن
الأبرار لفي نعيم على الأرائك ينظرون تعرف في وجوههم نضرة النعيم يسقون من رحيق
مختوم ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون و مزاجه من تسنيم عيناً يشرب بها
المقربون ]]
و قد
جاء عن رسول الله، صلّى الله عليه و سلّم.
قال: ((«سَأَلَ
مُوسَى رَبَّهُ: مَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً؟
قَالَ: هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ
أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ،
فَيُقَالُ
لَهُ: اُدْخُلْ الْجَنَّةَ.
فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ! كَيْفَ وَقَدْ نَزَلَ
النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ، وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ؟
فَيُقَالُ
لَهُ: أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَك مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا؟
فَيَقُولُ:
رَضِيتُ، رَبِّ!
فَيَقُولُ:
لَك ذَلِكَ وَمِثْلُهُ، وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ، فَقَالَ فِي
الْخَامِسَةِ: رَضِيتُ، رَبِّ!
فَيَقُولُ:
هَذَا لَك وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ، وَلَك مَا اشْتَهَتْ نَفْسُك وَلَذَّتْ
عَيْنُك. فَيَقُولُ: رَضِيت، رَبِّ!.
قَالَ:
رَبِّ! فَأَعْلَاهُمْ مَنْزِلَةً؟
قَالَ:
أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْت، غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدَيَّ، وَخَتَمْت
عَلَيْهَا، فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى
قَلْبِ بَشَرٍ».