خطبة عن اسم الله: اللطيف- 5/1/2024
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله العلي الأعلى، له الأسماء الحسنى، والصفات العلى، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبدُه ورسولُه، كان كثيرَ الثناء على ربه، عظيمَ التمجيد لمولاه، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى صَحْبه والتابعين، ومَنْ تَبِعَهم بإحسان إلى يوم الدين.
*******************
أيها الإخوة،
أوصيكم و نفسي بتقوى الله، واعلموا أنَّ ربَّنا عزَّ وجلَّ هو الخالقُ البارئ المصوِّر، المُحيي المميت، أهلُ الثناء والمجد، وأعظمُ ما يُثنى عليه ويُمَجَّدُ به أسماؤهُ الحسنى، وصفاتهُ العُلى، وربُّنا سبحانه سَمَّى ذاتَه العليَّة بأسماءٍ حَوَتْ معانيَ عظيمة، وأسرارًا جليلة، العلمُ بها وتدبُّرُها من أجَلِّ الأعمال، وأنفعِ المَقاصد؛ لأنها طريقٌ لمعرفة الله عزَّ وجلَّ التي هي أصلُ العُلوم، وأساسُ الإيمان، وأوَّلُ الواجبات، فإذا عرف النَّاس ربَّهم عَبَدُوه ووحَّدوه..
أحد العلماء: (ينبغي للمسلمين أن يعرفوا أسماءَ الله وتفسَيرها؛ فيُعظمون الله حق تعظيمِه، ولو أراد رجل أن يعامل رجلًا: طلب أن يعرف اسمه وكنيته، واسم أبيه وجده، وسأل عن صغير أمره وكبيره، فالله الذي خلقنا ورزقنا، ونحن نرجو رحمته ونخاف من سخطه أولى أن نعرف أسماءَه ونعرف تفسيرها) ؛ انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
عباد الله، إنَّ مِن أسماء الله الحسنى التي حوت أسرارًا عجيبةً ومعانيَ خفيةً اسمَ الله: اللطيف؛ يقول الله عزَّ وجل: ﴿ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ﴾ [الشورى: 19]، ويقول سبحانه: ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك:، واللطف في اللغة: الرفق، وأصله خفاءُ المسلك، ودِقَّةُ المذهب، ومعنى اسم الله اللطيف هو البَرُّ بعباده أي المحْسِنُ الرَّحِيمُ الكثيرُ الرَّحْمَةِ، الذي إذا عُبِدَ أَثَابَ، وإذا سُئِلَ أَجَابَ ، المحسنُ إلى خلقه بإيصال المنافع إليهم برفق وخفاء من حيث لا يعلمون، ويُسبِّبُ لهم أسباب معيشتهم من حيث لا يحتسبون .
فهو ذو لطف وخفاء ودقة في إكرامه وإحسانه، وفي عصمته وهدايته، وفي تقاديره وتصاريفه. (تهمّ بالحرام فيصرفه عنك.. ينسيكه.. يكرّهه لك.. يشغلك بالحلال …)
اللّطيف:(الشيخ متولي الشعراوي رحمه الله)
هو الله سبحانه الذي إذا ناديته لباك "أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ" النمل، وإذا قصدته آواك، وإذا أحببته أدناك، وإذا أطعته كافاك، وإذا عصيته عافاك (( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)) الزمر، وإذا اعرضت عنه دعاك، وإذا اقتربت منه هداك.
اللطيف: الذي يجازيك إن وفَّيت، ويعفو عنك ان قصَّرت.. ومن افتخر به أعزَّه، وهو القائل: ((يا ابنَ آدَمَ، إنْ ذَكَرتَني في نَفْسِكَ، ذَكَرتُكَ في نَفْسي، وإنْ ذَكَرتَني في مَلَأٍ، ذَكَرتُكَ في مَلَأٍ مِنَ المَلائِكةِ -أو قال: مَلَأٍ خَيرٍ منهم- وإنْ دَنَوتَ مِنِّي شِبرًا، دَنَوتُ مِنكَ ذِراعًا، وإنْ دَنَوتَ مِنِّي ذِراعًا، دَنَوتُ مِنكَ باعًا، وإنْ أتَيتَني تَمْشي أتَيتُكَ أُهَروِلُ.)،
ومن مظاهر لطفه: من افتخر به أعزَّه، ومن افتقر إليه أغناه..
الَّلطيف : من عطاؤه خيِّرَةً، ومنعه ذخيرة..
وكذلك من لطفه أنه يستقلُّ النِّعم الكثيرةَ على خلقه ( إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ )، ويستكثرُ قليل الطاعة منهم..
وقد جعل الحسنة َعَشَرَةً إلى ما فوق، وهكذا على قدر لطفه يتعامل مع عباده، وعلى قدر لطفه يعلم غوامضهم.
تأتي بلطفه عظائم المقادير التي تَستَبعدُ أكثرُ العقولِ خيالًا وُقوعَها، فيجعلُها كائنةً حاضرةً..
كل خيطٍ من ذلك المُقدَّرِ يُمسكُ به قدرٌ من لطفه، فلا تنتبه إلا - وبقريب من المعجزات- قد بات بساحتك! لا تعلمُ كيف أمكنه أن يحدث، وتَتيقَّنَ أن حَوْلَك وقوَّتَك أقلَّ من أن تُحدثه، فتنظرَ إلى السماء وتقول:﴿ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ ﴾ يوسف.
أيها الإنسان، إذا أراد اللَّطيف أن يَنصُرك أمر ما لا يكونُ سببًا في العادة، فكان أعظمَ الأسباب! فعندما أراد اللطيف أن ينصر رسوله عليه الصلاة والسلام ويُخرِجه ومن معه من عذابات شِعْبِ بني هاشم لم يرسل صيحة تزلزل ظلمة قريش، فقط أرسل الأرَضة تأكل أطراف وثيقة الظلم وعبارات الحِلْف الجائر! فيصبحون وقد تكسَّرت من الظلم العُرى بحشرة لا تكاد ترى!
إذا أراد اللطيف أن يصرف عنك السوء جعلك لا ترى السوء، أو جعل السوء لا يعرف لك طريقًا، أو جعلكما تلتقيان وينصرف كل منكما عن الآخر وما مسَّكَ منه شيء!
فلما شاء اللطيفُ أن يعيد موسى عليه السلام إلى أُمِّهِ لم يجعل حربًا تقوم بين بني إسرائيل وقوم فرعون، لا بل جعل فم موسى لا يستسيغ حليب المرضعات! بهذا الأمر الخفي يعود موسى إلى أمِّهِ بعد أن صار فؤادُها فارغًا!
إذا أراد اللطيف أن يُفرِّج هَمَّك، وينفِّس كربك، هَيَّأ الأسباب وجعل ما لا يَردُ لك على خاطر هو فَرَجُك وخَلاصُك، فلما شاء اللطيف أن يُخرِج الصدِّيق يُوسف عليه السلام من السجن، لم يدكَّ جدران السجن، ولم يأمر ملك الموت أن ينزع الحياة من أجساد الظالمين، ولم يأذن بصاعقة من السماء أن تقتلع الأقفال الحديدية، فقط جعل الملِكَ يرى رؤيا في المنام تكون سببًا خفيًّا لطيفًا يستنقذ به يُوسف الصدِّيق من أصفاد الظلم!يوسف.
عباد الله، كم نحن بحاجة في أوقات الفتن والمدلهمات، وعند نزول المحن والابتلاءات إلى تلمُّس ألطاف اللطيف في حياتنا.
الله اللطيف سبحانه و تعالى،
لم يخذُلنا أبدا رغم تقصيرنا المستمرّ
رزقنا من واسع فضله بغير استحقاق منّا
سترنا وجبر خاطرنا رغم عظيم ذنوبنا
استجاب دعاءنا بخير ممّا دعونا
و أدهشنا بعطائه بأكثرَ مما تمنينا
أمهلنا و اكرمنا و لم يأخذنا بذنوبنا
هو ربنا و منقذنا عند كربتنا و أنيسُ وحدتنا
رحمته تحاوطنا و فضله يغامرن
**********
الخــــــــــــــــــــــــــاتمة
عباد الله، إن الإيمان بلطف الله يُطمئن القلوب، ويُسكِن النفوس، ويبعث الفأل، ويُقوِّي الرجاء، فمهما ضاقت الأمور فإن فرج اللطيف قريب، ومهما اشتدَّ المرض فإن شفاء الكريمِ غيرُ بعيد، ومهما بعُدَتْ الآمال يأتي بها اللطيف الخبير، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴾ [لقمان: 16].
*******
الدعــــــــــــــــــــــــــــــاء
اللهم الطُفْ بنا، والطُفْ لنا، واجعلنا ممن يبتهل إليك بأحب أسمائك إليك، وهيِّئ لنا من أمرنا رشدًا يا لطيف يا خبير.
اللهم لا فرج إلا فرجك ، ولا لطف إلا لطفك فرج عنا كل هم وغم وكرب ، وارفع عنا هذه المحنة والبلية ، وادفعها بيدك القوية إنك على كل شيء قدير ..
اللهم أنت أقرب من كل قريب ، وأكرم من كل كريم ، وأجود من كل جواد ، وأحفظ من كل حفيظ ، وألطف من كل لطيف ، فنسألك بحق اسمك اللطيف أن تُسخِّر لنا من خلقك ، ومن الأسباب دائما من يقضي لنا حاجتنا ، ويدفع عنا خصمنا ، وينجينا ممن ظلمنا وعادانا ، بحقك يا لطيف ألطف بنا عند الشدائد ، ونجنا من المكائد كلها (( الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز ))
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire