mardi 16 septembre 2025

وصف الصلاة لمصطفى محمود- ج الحنفية- 2025

 وصف الصلاة لمصطفى محمود- ج الحنفية- 2025

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ للهِ الّذي جَعَلَ الصّلاةَ قُرّةَ عيونِ الموحّدين، ورَفَعَ بها درجاتِ الخاشعين، 

وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، شَهَادَةً تُنجِي قائلَها يومَ الدِّين، وأشهد أنّ سيّدَنا محمّدًا عبدُه ورسولُه، 

صلّى اللهُ عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومَنِ اقتفى أثرَه إلى يومِ الدّين.

*************

أيُّها الإخوةُ المؤمنون،

إذا كان الناسُ يَحرِصون على أموالِهم، ومكانَتِهم، وصحَّتِهم، أَفلا يَجِبُ أن نَحرِصَ على صلاتِنا التي هي أوَّلُ ما نُسأَلُ عنه يومَ القيامة؟! قال ﷺ:

إنَّ أَوَّلَ ما يُحاسَبُ به العَبدُ يَوْمَ القيامةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلاتُهُ، فإنْ صَلَحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وإنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ. [رواه الترمذي].


فكيفَ حالُ صلاتِنا التي نُؤدِّيها؟ أَهي صلاةُ خاشِعين مُقبِلين على الله، أم صلاةُ غافلين مُتعجِّلين لا يَدرون ما قرؤوا ولا ما قالوا؟!

*********

إذًا لنبدأ بسم الله فنقول:  

إذا رَأَيْتَ مَن صَلَّى وَانْقَطَعَ عَنها فَاعْلَمْ أنَّ السَّبَبَ هُوَ فَقْدُ الخُشُوع.  

وإذا رَأَيْتَ مَن لَمْ تَنْهَهُ صَلَاتُهُ عَنْ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ فَاعْلَمْ أنَّ صَلَاتَهُ لَا خُشُوعَ فِيهَا.  

مَن يُسَرِعُ فِي الخُرُوجِ...  

مَن يَأتي فِي اللَّحَظَاتِ الآخِرَةِ... يَصْعُبُ الخُشُوعُ.  


التَّهَيُّؤُ لصَّلَاةِ لِلْجُمُعَةِ مِنْ لَيْلتِهَا...


الخُشُوعُ فِي الصَّلَاةِ: هُوَ حُضُورُ القَلْبِ فِيهَا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى مَحَبَّةً لَهُ وَإِجْلالًا وَخَوْفًا من عِقَابِهِ وَرَغْبَةً فِي ثَوَابِهِ مُسْتَحْضِرًا لِقُرْبِهِ، فَيَسْكُنُ لِذَلِكَ قَلْبُهُ وَتَطْمَئِنُّ نَفْسُهُ وَتَسْكُنُ حَرَكَاتُهُ مُتَأَدِّبًا بَيْنَ يَدَي رَبِّهِ مُسْتَحْضِرًا جَمِيعَ مَا يَقُولُهُ وَيَفْعَلُهُ فِي صَلَاتِهِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا، فَتَزُولُ بِذَلِكَ الْوَسَاوِسُ وَالأَفْكَارُ... 

وَالخُشُوعُ هُوَ رُوحُ الصَّلَاةِ وَالمَقْصُودُ الأعظَمُ مِنْهَا، فَصَلَاةٌ بِلَا خُشُوعٍ كَبَدَنٍ مَيِّتٍ لَا رُوحَ فِيهِ.

**{ قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ }**  

«فمَن لَم يَخْشَعْ في صَلاتِهِ، فَحَظُّهُ مِنهَا التَّعَبُ والنَّصَبُ، 

كما قيلَ: كَم مِن قَائمٍ ليسَ لهُ مِن قِيامِهِ إِلَّا السَّهرُ، وكَم مِن مُصلٍّ ليسَ لهُ مِن صَلاتِهِ إِلَّا العَناءُ». ابن القيم

وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ مِنْ صَلَاتِهِ إِلَّا مَا عَقَلَ مِنْهَا وَحَضَرَ قَلْبُهُ بِهَا...  


مع الأسف كُلُّ الْمَشَاكِلِ تُطْرَحُ فِي الصَّلَاةِ.. وَحَتَّى الْحُلُولُ ..المُهِمُّ أَنْ يَنْشَغِلَ عَنْها.

ذٰلِكَ مُرادُ الشَّيْطانِ: أَلَّا يَحصُلَ مِنَ الصَّلاةِ إِلَّا القَليلُ، أو لا شَيءَ أَصلًا...

يُوَسْوِسُ لَكَ حَتَّى في آخِرَتِكَ، فَيُشْغِلُكَ عَن صَلاتِكَ، والمُهِمُّ عِندَهُ أَلَّا تُقبِلَ عَلَيْها.

وفي الحَديثِ:

«إِنَّ العَبدَ لَيُصَلِّي الصَّلاةَ ولا يُكتَبُ لَهُ إِلَّا رُبْعُها، إِلَّا خُمُسُها، إِلَّا سُدْسُها، حَتَّى بَلَغَ عُشْرَها» أبو داود، والنَّسائي، وابنُ حِبّان.


قالَ ابنُ عبّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما:

«رَكعَتانِ في تَفَكُّرٍ خَيرٌ مِن قِيامِ لَيلَةٍ والقَلبُ ساهٍ».


وقالَ سَلمانُ الفارِسيُّ رَضيَ اللهُ عنه:

«الصَّلاةُ مِكيالٌ، فمَن وَفَّى وُفِّيَ لَهُ، ومَن طَفَّفَ فَقَد عَلِمتُم ما قالَ اللهُ في المُطَفِّفين».

وفي الحَديثِ:

«أَسْوَأُ النّاسِ سَرِقَةً الَّذي يَسرِقُ مِن صَلاتِهِ: وهو الَّذي لا يُتِمُّ رُكوعَها، ولا سُجودَها، ولا القِراءةَ فيها»أحمد، والطَّبراني، وابنُ خُزَيمة في صَحيحِه.

*********************************

وَصْفٌ بليغ للصَّلاةِ في وَقْتِها:

يقولُ الدُّكتورُ مُصْطَفَى مَحْمُودٍ - رحمهُ الله - عن تَأْخِيرِ الصَّلاةِ:


> الفِكْرَةُ التي تُخْجِلُني في تأخيرِ الصَّلاةِ عن وَقْتِها تَكْمُنُ في أنني لَسْتُ أنا مَن حَدَّدَ المَوْعِدَ لهذهِ الصَّلاةِ،

> ولا أنا مَن اخْتارَ التَّوْقِيتَ...

> الخالِقُ تعالى هو مَن قَدَّرَ ذلك. اللهُ الذي خَلَقَ هذا الكونَ بعظمَتِه واتِّساعِه وجَمالِه وبَدِيعِ إتْقانِهِ وكَثْرةِ مَخْلوقاتِهِ وآلاءِهِ و معجزاته هُوَ الذي يُريدُني أن أَقِفَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وأُكَلِّمَهُ، وأُنَاجِيهِ.

وأنا ماذا أفعل؟

في كثيرٍ من الأحْيانِ أَجْعَلُ هذا الموْعِدَ آخِرَ أولَوِيَّاتِي حتى يَكادَ يَفُوتُ وَقْتُهُ، مُقَدِّمًا عليهِ كُلَّ أمرٍ تافِهٍ، وكُلَّ شأْنٍ ضئيلٍ.

اللهُ تَعالى يَطْلُبُني (وأنا مُجَرَّدُ ذَرَّةٍ بلا وِزْنٍ في كَوْنِهِ العظيم) لأنْ أَقِفَ بَيْنَ يَدَيْهِ؛ وأنا مِنْهَكٌّ في سَخافاتِ الحياةِ وزِينَتِها البالِيَة!

يَطْلُبُني لِبَضْعِ دَقائِقَ فَقَط، وأنا أُعْرِضُ وأُسَوِّفُ وأُماطِلُ وأُؤَجِّلُ، ثُمَّ آتِيهِ مُتَأَخِّرًا كعادَتي.

أيُّ تَعاسَةٍ أكْبَرُ مِن ذلك؟!


يَدْعوني سُبْحانَهُ وَتَعالى (لِاجْتِماعٍ مغلق) بَيْني وبَيْنهِ؛ أنا صاحِبُ الحاجَةِ، وهو الغَنِيُّ المُتَفَضِّلُ؛ وأنا أَجْعَلُهُ اجْتِماعًا مَفْتوحًا لِشَتّى أنواعِ الأفْكارِ والسَّرَحانِ. أحْضُرُ بِجَسَدي ويَغِيبُ عَقْلي.


يُرِيدُنِي أن أَبعَدَ عن كُلِّ شَيءٍ لِدَقائِقَ مَعْدوداتٍ؛ لِأُرَيِّحَ بَدَنِي وَعَقلي، وأَفْصِلَ قَليلاً عن ضَجيجِ الحياةِ ومُشاغِلِها، وأَبُثَّ إليهِ — لا لِغَيْرِهِ — شَكْوَايَ وهمومِي.

هُوَ الخالِقُ العظيم، الغَنيُّ عنّي وعن عِبادَتِي وَوَقْتِي، يَطْلُبُنِي لِيَسْمَعَ صَوتِي، 

وأَنا الذي يُماطِلُ. 

ثُمَّ هَا أنا آتِي إمّا مُتَثاقِلًا أو عَلَى عَجَلٍ كَأَنِّي آتِيَهُ رَغْمًا عَنِّي.

أنا الحاضِرُ الغائِبُ... هُوَ تَعالى يُريدُهُ اجْتِماعًا خَاصًّا، وأَنا أَجْعَلُهُ حِصَّةَ تَسْمِيعٍ بارِدَةٍ، وتَمارِينَ رياضِيَّةٍ جوفاءٍ، وعَقْلًا شاردًا.

فأيُّ بؤْسٍ أَكْثَرُ من هذا؟!!


اللَّهُمّ أعِنّا على ذِكْرِكَ وشُكْرِكَ وحُسْنِ عِبادَتِكَ.

*******************

أيها الإخوة، مِن مظاهرِ الخُشوعِ في الصَّلاة:

-أن ينظُرَ إلى مَوْضِعِ سُجودِه، ولا يرفَعَ بَصرَه إلى السَّماء.

-وألّا يَلتَفِتَ يَمينًا أو شِمالًا.

-وألّا يَكثُرَ مِن الحركةِ واللَّهوِ والاشتغالِ بالثِّيابِ ونحوِها.

-وألّا يُفرْقِعَ أصابعَه أو يُشبِّكَها، فإنَّ ذلكَ كلَّه يُنافي الخُشوع.

—------------------------------

الدعــــــــــــــــــــــــــاء

اللَّهُمَّ اجعلنا من أهل خشوعك في صلاتهم، واجعل قلوبنا حاضرةً بين يديك، لا تلهينا الدنيا عن ذكرك، ولا تشتت أفكارنا أثناء عبادتك. اللَّهُمَّ ثبّت أقدامنا على صراطك، وأعنّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، واجعلنا من الذاكرين لك في الليل والنهار، ومن الخاشعين في صلاتنا وفي جميع أعمالنا، يا أرحم الراحمين. اللَّهُمَّ اجعلنا من الذين تقول فيهم: «قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون»، وارزقنا اللذة في القيام بين يديك، والسكينة في سجودنا، والطمأنينة في قلبنا، واجعل كل فعل نقوم به خالصًا لوجهك الكريم.


اللهمّ انصر أهل فلسطين وكن معهم، وثبت أقدامهم، واربط على قلوبهم، وأرنا في أعدائهم عجائب قدرتك. اللهم انصر المُرابطين والمجاهدين في سبيلك يا رب العالمين. 

اللهم عليك بأعدائك أعداء الدين. اللهم فرِّجْ كربهم، واشف مرضاهم، وتقبل شُهدائهم. اللهم اجعل كلمة الحق هي العليا، وكلمة الباطل هي السفلى.