الخشوع و الإخلاص - ج. الحنفية الخشوع و الإخلاص - ج. الحنفية 12/2015
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي خلقنا لعبادته وتوحيده، ومنَّ علينا وتفضلَّ بتسبيحه وتحميده، أحمده سبحانه وأشكره وعدَ الشاكرين بمزيده. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، أفضل رسله وأكرم عبيده، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
[[فَلَمّآ أَتَاهَا نُودِيَ يَمُوسَىَ * إِنّيَ أَنَاْ رَبّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىَ * إِنّنِيَ أَنَا اللّهُ لآ إِلَـَهَ إِلآ أَنَاْ فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصّلاَةَ لِذِكْرِيَ * إِنّ السّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىَ كُلّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىَ * فَلاَ يَصُدّنّكَ عَنْهَا مَن لاّ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَىَ ]]
والناس في الصلاة على مراتب خمسة:
إحداها: مرتبة الظالم لنفسه المفرط وهو الذي نقص من وضوئها ومواقيتها وحدودها وأركانها. معاقب
الثاني: من يحافظ على مواقيتها وحدودها وأركانها الظاهرة ووضوئها لكن قد ضيع مجاهدة نفسه بالوسوسة فذهب مع الوساوس والأفكار. محاسب
الثالث: من حافظ على حدودها وأركانها وجاهد نفسه في دفع الوساوس والأفكار فهو مشغول في مجاهدة عدوه لئلا يسرق من صلاته فهو في صلاة وجهاد.
مكفّر عنه.
الرابع: من إذا قام إلى الصلاة أكمل حقوقها وأركانها وحدودها واستغرق قلبه مراعاة حدودها لئلا يضيع منها شيء بل همه كله مصروف إلى إقامتها كما ينبغي.مثاب.
الخامس: من إذا قام إلى الصلاة قام إليها كذلك ولكن مع هذا و كأنه يراه ويشاهده فهذا بينه وبين غيره في الصلاة أفضل وأعظم مما بين السماء والأرض.
وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الإحسان بأن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك
مقرب من ربّه استراح بها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أرحنا يا بلال بالصلاة(أبو داود)
وقال صلى الله عليه وسلم لمن طلب منه موعظة وجيزة: «صل صلاة مودع»
أي إذا صليت فأكمل صلاتك كأنها آخر صلاة تصليها في حياتك.. و فعلا سيأتي عليك في صلاتك تكون هي الأخيرة
[[يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لعل الساعة تكون قريبا .]]الأحزاب
(ألمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ) الحديد
الخشوع إلاّ بالإخلاص
عن رسول الله،ص:
" " يَكْشِفُ رَبُّنَا عَنْ سَاقِهِ ، فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ ، وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ فِي الدُّنْيَا رِيَاءً وَسُمْعَةً ، فَيَذْهَبُ لِيَسْجُدَ فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا " . . متفق عليه .
[[ يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون]].
فأما ما روي أن الله يكشف عن ساقه فإنه عز وجل يتعالى عن الأعضاء والتبعيض وأن يكشف ويتغطى . ومعناه أن يكشف عن العظيم من أمره . وقيل : يكشف عن نوره عز وجل . كَقَوْلِ الشَّاعِرِ :
<< وَقَامَتِ الْحَرْبُ بِنَا عَنْ سَاقٍ >>
عن رسول الله.ص. أنه قال
" يَا أَبَا بَكْرٍ ، لَلشِّرْكُ فِيكُمْ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ" ،
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : "وَهَلِ الشِّرْكُ إِلا مَنْ جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ "؟
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
" وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَلشِّرْكُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ ، أَلا أَدُلُّكَ عَلَى شَيْءٍ إِذَا قُلْتَهُ ذَهَبَ عَنْكَ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ ؟
قَالَ.ص. :
قُلِ : "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لا أَعْلَمُ " .رواه البخاري
فوجب على كل ذي عقل ودين أن يخشى على نفسه من الشرك وأن يلوذ بربه طالباً منه أن ينجيه من الشرك ؛ كما قال الخليل عليه السلام : ( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ ) إبراهيم / 35
أيها الإخوة الكرام، من الإخلاص:
* كتمان النفقة
(( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : رجل ـ من هذه السبعة ـ تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ..
[ أخرجه مسلم عن أبي هريرة وأبي سعيد ] .
إخفاء الصدقة دليل الإخلاص ، لأن الذي أنفقت من أجله يعلم ، دون أن تُعلم أحداً .
سنتتبع قصص بعض الصالحين.
* دأب العلماء والصالحين في إخفاء الإنفاق :
ـ كان بعض العلماء يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل فيتصدق به ، ويقول : إن صدقة السر تطفئ غضب الرب، دون أن تذكرها لأحد .
ـ وكان بعض العلماء يُبَخّل ، يعني يُتهم بالبخل ، فلما مات وجدوا أنه يُعيل مئة أهل بيت ، كلّ دخْله موزع على مئة أسرة دون أن يعلم أحد .
ـ كان ناسٌ من أهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين كان معاشهم ، فلما مات علي بن الحسين فَقَدوا ما كانوا يؤتون به في الليل
قد نجد أشخاصا أرجو أن يكونوا قِلّة ،
إذا عملَ عملا صالحا لا يبقي إنسانًا ما حكي له...
[[ قل هل ننبؤكم بالأخسرين أعمالا...]]
دون أن يشعر الإنسان يحب إن كان في عبادة أن يُرى ، إن كان في إنفاق أن يُرى ، إن كان في صلاة أن يُرى فإذا شعر بشيء من هذا فاليرجع لصوابه متذكّرا الصالحين.
يقول الإمام أحمد : " أشتهي ما لا يكون " ، أي أشتهي مكاناً لا يكون فيه أحد من الناس حتى أبتعد عن ما يسمى بالرياء .
لكن هناك ملاحظة مهمة جداً
، وهي أنك إذا تركت العمل الصالح خوفاً من النفاق وقعت في الشرك ، العمل الصالح لا يترك ، هناك يأتي الشيطان ، ويقول : أنت إذا فعلته أمام الناس أردت بها العمل أن تعلو عندهم، لو أخذ به كل واحد منا لألغيت الأعمال الصالحة ،
إذا أتيح لك عمل صالح فلا تتردد أبداً ، افعله ولو كنت في ملأ من الناس ، لعلك تشجعهم .
أحياناً العمل الصالح دون أن تقصد إذا ظهر يكون له تأثير كبير جداً .
دخل أحدهم مسجدا يريد الذهاب إلى الحج ، ومعه مبلغ من الليرات الذهبية ، يتوسم في مصلين إنسانا صالحا أن يجعله عنده أمانة ، فنظر إلى واحد رأى في صلاته خشوعا ، يغمض عينيه ، ويعصر جبينه ، فتوسم فيه خيراً ، فبعد أن انتهى من صلاته قال له : أنا معي مبلغ من المال ، أعجبتني والله صلاتك ، سأضعه عندك أمانه ، إلى أن أعود من الحج ، قال له : أيضاً صائم سيدي ، قال له : والله ما أعجبني صيامك .
أحياناً يقول الحسن البصري
<< كان الرجل يجلس المجلس فتجيئه عَبرته فيردها ، فإذا خشي أن تسبقه قام .>>