لا تقدّموا بين يدي الله و رسوله - ج.الحنفية 11/2015
بسم الله الحمن الرحيم
الحمد لله العليم الحكيم؛ أتقن ما صنع، وأحكم ما شرع، وأعطى كل شيء خلقه ثم هدى، نحمده على هدايته، ونشكره على رعايته،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ لا حكم لأحد مع حكمه، ولا أمر بعد أمره، تفرد بالخلق فكان له الحكم ﴿ أَلَا لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ ﴾ [الأعراف:54]
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ إمام المرسلين، وسيد ولد آدم أجمعين، وطاعته طاعة لله تعالى ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ ﴾ [النساء:80]
صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
[[ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون - إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون ]]. الأنفال
أيها الناس:
لم يعظم الله تعالى من لم يعظم أمره سبحانه، ولم يوقره تعالى من لم يوقر شريعته عز وجل، ولم يقدره حق قدره من لا يستسلم لحكمه، ولا يخضع لشرعه.
[[ ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده ندخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين ]] النساء
[[ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا]] الجن:23
الموضـــــــــــــــــــــوع:
[[ يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم ( 1 ) يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ]] الحجرات
كل تقدم بين يدي الله ورسوله فهو من الاستهانة بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم؛
ولذا نهى الله تعالى المؤمنين عنه ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ الله وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الحجرات:1]
قال العلامة أبو بكر ابن العربي رحمه الله تعالى قوله تعالى ﴿ لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ أصل في ترك التعرض لأقوال النبي صلى الله عليه وسلم، وإيجاب اتباعه، والاقتداء به.
فالتقدم على رسول الله تقدم على الله تعالى، والتقدم عليه سبحانه إشراك لغيره معه في حكمه، وقد قال سبحانه ﴿ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف:26]
إن الكبير في قومه يكره تقدمهم عليه، ويرى أن ذلك من الاستخفاف به؛ فالأمير...فكيف بالمخلوق مع خالقه سبحانه وتعالى؟!
فالمؤمن لا يسبق إلهه سبحانه في أمر أو نهي، ولا يفتات عليه في قضاء أو حكم، ولا يتجاوز ما يأمر به وما ينهى عنه، ولا يجعل لنفسه إرادة أو رأيا مع خالقه؛ تقوى منه وخشية، وحياء منه وأدبا.
[[ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.]] النور
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: والقول الجامع في معنى الآية: لا تعجلوا بقول ولا فعل قبل أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يفعل... أي: لا تقولوا حتى يقول، ولا تفعلوا حتى يأمر... والتَّقَدُّمُ بَيْنَ يَدَيْ سُنَّتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ، كَالتَّقَدُّمِ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي حَيَّاتِهِ.
زنادقة العصر وهم يتعقبون على النبي صلى الله عليه وسلم، ويردون قوله، ودعا بعضهم إلى تصحيح دينه، عاملهم الله تعالى بما يستحقون هم ومن وراءهم.
إن هذا الدين توقيـــــــــــــــــــــــفي من عند الله ليس منتجاً أرضياً، وليس تراثاً، وليس ثقافة، وليس شيئاً خاضعاً للبحث، والدرس، والتعديل، والتطوير، والتحديث، والإضافة، والبحث، والنظر، هذا شأن المنتج الأرضي، شأن شيء من صنع البشر...
فالنظر و الاستنباط أوّلا، يكون من أهله و ثانيا يكون في الظنّيات :
[[ هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب ]] آل عمران.
التقديم بين يدي الرسول وهو موجود...و بعده صلى الله عليه و سلّم - ظهور الخـــــــــــــــــــــــــــوارج
" بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اليَمَنِ بِذُهَيْبَةٍ فِي أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ ، لَمْ تُحَصَّلْ مِنْ تُرَابِهَا ، قَالَ: فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ، بَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ، وَأَقْرَعَ بْنِ حابِسٍ ، وَزَيْدِ الخَيْلِ ، وَالرَّابِعُ : إِمَّا عَلْقَمَةُ وَإِمَّا عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ : كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِهَذَا مِنْ هَؤُلاَءِ ، قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
( أَلاَ تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ، يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً ) ،
قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ غَائِرُ العَيْنَيْنِ ، مُشْرِفُ الوَجْنَتَيْنِ ، نَاشِزُ الجَبْهَةِ ، كَثُّ اللِّحْيَةِ ، مَحْلُوقُ الرَّأْسِ ، مُشَمَّرُ الإِزَارِ ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اتَّقِ اللَّهَ ، قَالَ:
( وَيْلَكَ ، أَوَلَسْتُ أَحَقَّ أَهْلِ الأَرْضِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ )
قَالَ: ثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ ، قَالَ خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلاَ أَضْرِبُ عُنُقَهُ ؟ قَالَ:
( لاَ، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي )
فَقَالَ خَالِدٌ: وَكَمْ مِنْ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَان ِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلاَ أَشُقَّ بُطُونَهُمْ ) قال: ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهِ وَهُوَ مُقَفٍّ ، فَقَالَ:
( إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمٌ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ رَطْبًا، لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ) رواه البخاري (4351) ومسلم (1064) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" وهذا الرجل هو ذو الخويصرة التميمي " انتهى .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire