لا للفساد-خطبة جمعة 1/2018
بسم الله
الرحمن الرحيم
الحمد لله خالق
كل شيء، ورازق كل حي، أحاط بكل شيء علماً، وكل شيء عنده بأجل مسمى يعطى ويمنع، ويخفض
ويرفع ويضر وينفع، لا مانع لما أعطى ولا معطى لما يمنع. يكور الليل على النهار ويكور
النهار على الليل. يعلم الأسرار، ويقبل الأعذار، وكل شيء عنده بمقدار سبحانه كُلُّ
شَيْءٍ خَاشِعٌ لَهُ، وَكُلُّ شَيْءٍ قَائِمٌ بِهِ: غِنى كُلِّ فَقِيرٍ، وَعِزُّ كُلِّ
ذَلِيلٍ، وَقُوَّةُ كُلِّ ضَعِيفٍ، وَمَفْزَعُ كُلِّ مَلْهُوفٍ، مَنْ تَكَلَّمَ سَمِعَ
نُطْقَهُ، وَمَنْ سَكَتَ عَلِمَ سِرَّهُ، وَمَنْ عَاشَ فَعَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَمَنْ
مَاتَ فَإِلَيْهِ مُنْقَلَبُهُ
وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.
من للعباد غيره
يدبر الأمر، من يشفى المريض، من يحمى العباد وهم نيام ، من يرزق العباد ولولا حلمه
لأكلوا من المزابل، من ينصر المظلوم ولولا عدله لسووا بين القتيل والقاتل، من يجيب المضطر اذا دعاه، من يكشف الكرب والغم ومن
يفصل بين المشغول والشاغل من يشرح الصدور، من أطعمنا وسقانا.. من كفانا وهدانا من خلق لنا الأبناء...
هو الله,,, هو الله...هو الله الإله الحق وكل
ما خلا الله باطل
وأشهد أن سيدنا
ونبينا محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه صاحب المقام المحمود، والحوض المورود.
اللهم اجزِه عنا أفضل ما جزيت نبياً عن أمته، وأَعْلِ على جميع الدرجات درجته، واحشرنا
تحت لوائه وزمرته، وأوردنا حوضه في الآخرة. وصلى اللهم وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه
الركع السجود، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى اليوم الموعود، وسلم تسليماً كثيراً.
[[يَا أَيُّهَا النَّاسُ
اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ
هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ
الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ]] لقمان
أيها الإخوة،
النَّاسُ
يَخْتَلِفُونَ فِي تَحْدِيدِ الصَّلَاحِ مِنَ الْفَسَادِ، وَالْإِصْلَاحِ مِنَ الْإِفْسَادِ
بِحَسَبِ أَدْيَانِهِمْ وَأَفْكَارِهِمْ وَمَذَاهِبِهِمْ، وَإِلَّا فَإِنَّ الصَّلَاحَ
وَالْإِصْلَاحَ يَدَّعِيهِ كُلُّ أَحَدٍ، وَالْفَسَادَ وَالْإِفْسَادَ يَتَبَرَّأُ
مِنْهُ كُلُّ النَّاسِ، وَالْمُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ لَا يَرَوْنَ أَنْفُسَهُمْ
إِلَّا أَنَّهُمْ مُصْلِحُونَ، وَمَلَاحِدَةُ الْبَشَرِ يَرَوْنَ أَنَّ
الدِّينَ هُوَ الْمُفْسِدُ لِلنَّاسِ؛ وَلِذَا يُحَارِبُونَهُ لِتَحْرِيرِ الْبَشَرِيَّةِ
مِنْهُ كَمَا يَزْعُمُونَ،
- وَقَدِيمًا
قَالَ فِرْعَوْنُ الطَّاغِيَةُ وَهُوَ رَأْسٌ فِي الْفَسَادِ وَالْإِفْسَادِ يقول لقومه
عن موسى عليه السلام:
﴿ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ
دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ ﴾ [غافر: 26].
ففرعون
سمَّى دينَ موسى عليه السلام فسادًا ويصف موسى عليه السلام بأنه يسعى في الأرض فسادًا،
وفرعون أعظم المفسدين والمسرفين. فهو الذي قال: ﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾
[النازعات: 24] يرى أنه مصلح، وهذا من انتكاس الفطر والعياذ
بالله.
وقال
تعالى عن قوم فِرعون أنّهم قالوا له:
﴿ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ
وَآلِهَتَكَ ﴾ [الأعراف: 127].
- إِنَّ
الْمِيزَانَ فِي ذَلِكَ شَرِيعَةُ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَالِقُ
الْخَلْقِ وَمُدَبِّرُهُمْ،
﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ﴾ الْبَقَرَةِ،
﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ
قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ
لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: 11، 12].
- يذكر القرآن العظيم أن الأمم السالفة لَـمَّا
فقدت الإصلاح ونشرت الفساد وقربت المفسدين،
عاقبهم الله رب العالمين بأن سلط عليهم آلام الهلاك، وسوء العذاب بما كسبت أيديهم.
﴿ فَلَوْلا
كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ
فِي الأَرْضِ إلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا
مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى
بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾ [هود: 116 - 117].
- قال صلى الله عليه وسلم
" إِنَّ اللهَ لَا يُعَذِّبُ الْعَامَّةَ بِعَمَلِ الْخَاصَّةِ،
حَتَّى يَرَوْا الْمُنْكَرَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى أَنْ
يُنْكِرُوهُ فَلَا يُنْكِرُوهُ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ، عَذَّبَ اللهُ الْخَاصَّةَ
وَالْعَامَّةَ" أخرجه أحمد في المسند.
- ينبغي ألا نجامل أحداً إذا رأينا مفسداً يستغل الوظيفة أو المؤسسة يحتال، يرتشي، أو يجامل،
أو يسرق، أو يفعل أي صورة من صور الفساد أن نبلغ عنه معذرة إلى الله - سبحانه - حتى
لا ينزل بنا العذاب فعندما نسكت عن المفسدين ولا نبلغ عنهم ولا ننهاهم، ولا نرفع أمرهم
ونتركهم ونسكت عنهم ونجاملهم؛ فإن البلاء سينزل بنا جميعاً فإن رأينا مفسداً، حتى لو
كان من أكبر المسؤولين، فينبغي أن نبلغ عنه بعد أن نتثبت ونتأكد أنه مفسد في وظيفته،
أو أنه مفسد في مؤسسته، أو أنه مفسد في مسؤوليته، فنكون ممن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر،
﴿ وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على
الإثم والعدوان ﴾ [المائدة: 2]
والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"من رأى منكم منكراً فليغيره بيده؛ فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم
يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان".
يقول الله عز وجل:
﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ
بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا
لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41 سورة
الروم(
هذه الآية خطيرة جداً،يقول االطبري:
الإفساد
فـي الأرض: العمل فـيها بـما نهى
الله جل ثناؤه عنه، وتضيـيع ما أمر الله بحفظه.
شرائع السماء
كلها نهت عن الفساد في الأرض ودعت الناس إلى عدم الانقياد لهم أو معاونتهم فإن من أعان
المفسدين أو رضي بأفعالهم أو تستر عليهم فهو شريك لهم في الإثم، وقد نهى الله تعالى
عن ذلك فقال
وقال تعالى:
﴿ وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ المُسْرِفِينَ * الَّذِينَ
يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ ﴾ [الشعراء152] و قال تعالى: ﴿
وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ﴾ [الأعراف: 56].
هذه الآيات العظيمة،
وغيرها مما يقارب خمسين آية في كتاب الله تعالى كلها تحذر من الفساد بجميع صوره
وأشكاله وأنواعه والتحذير من الفساد جاء عاماً، للتحذير من كل صور الفساد،ولم يخصص
نوعاً من أنواع الفساد؛ حتى يبتعد المسلمون عن جميع الصور.
﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ
وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ
وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ [القصص: 77].
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire