بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ سُبْحانَهُ وتَعالى
ونَسْتَهْدِيهِ ونَشْكُرُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيْه ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ
شُرُورِ أَنْفُسِنا ومِنْ سَيِّئاتِ أَعْمالِنا، مَن يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ
وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ
لا شَرِيكَ لَهُ ولا شَبِيهَ ولا مِثْلَ ولا نِدَّ لَه، ولا حَدَّ ولا جُثَّةَ ولا
أَعْضاءَ لَه،
وأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنا وحَبِيبَنا وعَظِيمَنا
وقائِدَنا وقُرَّةَ أَعْيُنِنا محمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ وصَفِيُّهُ وحَبِيبُه،
مَنْ بَعَثَهُ اللهُ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ هادِيًا ومُبَشِّرًا ونَذِيرًا.
اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلى سَيِّدِنا محمَّدٍ
الداعِي إِلى الخَيْرِ والرَّشاد، الَّذِي سَنَّ لِلأُمَّةِ طَرِيقَ الفَلاح، وبَيَّنَ
لَها سُبُلَ النَّجاح، وعَلى ءالِهِ وصَفْوَةِ الأَصْحاب.
لدي مشكلة غريبة جدّاً ، زوجي
الذي يتميز بطبعه الحريص جدّاً ، لديه طابع سيء جدّاً ، فعندما تواجهنا بعض
الصعوبات : يقول أشياء مثل : " لماذا يفعل الله معنا نحن هكذا من دون الناس
؟ " ، و " إن الله تعالى يستهزئ بنا ، وهو الآن يضحك علينا !!
" ( أستغفر الله ) ،
ولكنني أرى هذه الصعوبات كفارة لسيئاتنا ،
أما هو فليس عنده سوى هذه الكلمات ، وإنني
في هذه الحالة أظل صامتة ؛ لأنني من خلال تجربتي معه : رأيت أن محاولة إسكاته تزيد
الطين بلة ، أما إن بقيت صامتة : فإنه يسكت بعد جملة ، أو جملتين...ما حكمه؟
أيها الإخوة،
لعلم
الجميع ،و في كلّ الأحوال أنّه إذا ابتلى الله عبده بالمصائب لم يكن ذلك علامة على
أنه غيرُ مرضي عند الله ، وقد صحح الله تعالى هذا الظن الخاطئ عند الناس ، فقال تعالى
:
( فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا
مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا
إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا
بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ
* وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا * وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا
) الفجر/15-20 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه
الله :
" يخبر تعالى عن طبيعة الإنسان من حيث
هو ، وأنه جاهل ظالم ، لا علم له بالعواقب ، يظن الحالة التي تقع فيه تستمر ولا تزول
، ويظنّ أنّ إكرام الله في الدنيا وإنعامه عليه يدلُّ على كرامته عنده وقربه منه ،
وأنه إذا { قدر عَلَيْهِ رِزْقُهُ } أي : ضيقه ، فصار بقدر قوته لا يفضل منه
، أن هذا إهانة من الله له ، فرد الله عليه هذا الحسبان بقوله { كَلا } أي
: ليس كل من نَعَّمْتُه في الدنيا فهو كريم عليَّ ، ولا كل من قَدَرْتُ عليه رزقه فهو
مُهانٌ لديَّ ، وإنما الغنى والفقر ، والسعة والضيق : ابتلاء من الله ، وامتحان يمتحن
به العباد ، ليرى من يقوم له بالشكر والصبر ، فيثيبه على ذلك الثواب الجزيل ، ممن ليس
كذلك فينقله إلى العذاب الوبيل " انتهى . " تفسير السعدي"
(924) .
أيها الإخوة،
إن
من أصول الإيمان أن يؤمن الإنسان بالقدر خيره وشره وأن يعلم أن ما أصابه لم يمكن يخطئه
وما أخطأه لم يكن ليصيبه وأنّ الأمر كله يرجع إلى الله عز وجل وأن لله الحكمة البالغة
فيما أصاب العبد من خير أو شر أو تقديم أو تأخير أو عطاء أو حرمان...
قالوا أنّ صدق التوكّل أن لا تسأله تقديما
و لا تأخيرا و لا زيادة و لا نقصان.
<<اللهمّ لا مانع لما أعطيت،
ولا معطي لما منعت، ولا هادي لمن أضللت، ولا باسط لما قبضت، ولا مؤخّر لما قدّمت، ولا
مقدّم لما أخّرت.>>
******
قال بعض أهل العلم وللناس في المصائب مقامات
أربع التسخط والصبر والرضا والشكر
أما التسخط فحرام
سواء كان في القلب أو في اللسان أو في الجوارح.
فالتسخط في القلب (
وهو أخطرهم) أن يرى أن الله تعالى ظلمه
في هذه المصيبة وأنه ليس أهلا لأن يصاب وهذا على خطر عظيم كما قال الله تعالى
((ومن الناس من يعبد الله على
حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على جهه وخسر الدنيا والآخرة وذلك
هو الخسران المبين))
وأما التسخط بالقول فأن يدعو بدعوى
الجاهلية مثل واثبوراه واانقطاع ظهراه وما أشبه ذلك من الكلمات النابية التي تنبئ عن
سخط العبد وعدم رضاه بقضاء الله ...
وأما التسخط بالأفعال فكنتف الشعور ولطم
الخدود وشق الجيوب ...
وقد تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من فاعل
هذا فقال
(ليس منا من شق الجيوب وضرب الخدود
ودعا بدعوى الجاهلية)
فالتسخط هذا حرام ومن كبائر الذنوب والتسخط
القلبي أعظم أنواعه وأخطر أنواعه:
<<... يقال له أحرٌّ أنت أم عبد ؟
فإن قلت أنا حرٌّ فأنت كافر... و إن قلت أنا عبد لله ، فيقال لك أمتهمٌ أنت لمولاك
في عدله [[ إنّ الله لايظلم مثقال ذرّة ]] شاك في حكمته ( حكيم خبير ) و
رحمته بك...؟
فأنت اتهمته، تعالى بنسبة الظلم له، تعالى الله عن ذلك،...و هذا
كفر
فعليك بحسن الظنّ بربّك عزّ و جلّ ،و
انتظار الفرج منه، و التصديق بوعده ، و الحياء منه ، و الموافقة لأمره ،و حفظ
توحيده و المسارعة إلى أداء أوامره...>>
*****
المقام
الثاني مقام الصبر وهو حبس النفس عن التسخط وهو ثقيل على النفس لكنه واجب لأنه
إذا لم يصبر تسخط والتسخط من كبائر الذنوب فيكون الصبر واجباً ،
ولقد
قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأبنته التي كان عندها طفل يجود بنفسه
حضره الموت فأرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم رسولا تدعوه للحضور فقال النبي صلى
الله عليه وسلم مرها فلتصبر ولتحتسب...
[[ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ
أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ]]
ابن جزي:
<< إنما يوفى الصابرون أجرهم
بغير حساب ـ هذا يحتمل وجهين أحدهما: أن الصابر يوفي أجره ولا يحاسب على أعماله، فهو
من الذين يدخلون الجنة بغير حساب، الثاني: أن أجر الصابرين بغير حصر بل أكثر من أن
يحصر بعدد، أو وزن، وهذا قول الجمهور.
******
المقام
الثالث هو الرضا يعني يرضى العبد بما قدر
له من هذه المصيبة رضاً تاماً فهومتضمن للصبر وزيادة ...
- والفرق بين الصبر والرضا:
أن المرء يكون في الصبر كارها لما وقع لا
يحب أنه وقع لكنه قد حبس نفسه عن التسخط...
وأما
الراضى فهو غير كاره لما وقع بل المصيبة وعدمها عنده سواء بالنسبة لفعل
الله
لأنه راضي رضاء تاما عن فعل الله،
فهو
يقول أنا عبده وهو ربي إن فعل بي ما يسرني فأنا عبده وله مني الشكر
وإن كانت الأخرى فأنا عبده وله مني الرضى والصبر
...
فالأحوال عنده متساوية وربما ينظر إلى ذلك
من منظار آخر وهو أن يقول إن هذه المصيبة إذا صبر عليها وكفر الله بها عنه وأثابه عليها
صارت ثوابا لا عقابا فيتساوى عنده الألم والثواب ...
وفي
هذا ما يذكر عن رابعة العدوية فيما أظن أنه أصيبت أصبعها ولم تتأثر بشيء فقيل لها في
ذلك فقالت إن حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها .
*****
المقام الرابع مقام الشكر أن الإنسان يشكر
الله عز وجل على هذه المصيبة وهذا المقام أو الحال لا تحصل
للإنسان عند أول صدمة لأن مقتضى الطبيعة ينافي ذلك لكن بالتأمل والتأني قد يشكر الإنسان
ربه على هذه المصيبة وذلك بأن يقدر المصيبة أعظم فيشكر الله تعالى
اللهم لك الحمد على أن هديتنا
..اللهم لك الحمد والشكر على جميع النعم التي أنعمت بها علينا
.. اللهم انا نستغفرك من جميع الذنوب والخطايا ما علمنا منها وما لم نعلم... اللهم
اجمعنا في جناتك جنات النعيم .. ولا تفرقنا واهلنا وأحبائنا بعد الممات يا رب العالمين
..اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيني وبين معصيتك...ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك
.. ومن اليقين ما تهون به علىنا مصائب الدنيا.
اللهم زدننا قرباً إليك..اللهم زدنا قرباً
إليك....اللهم اجعلنا من الصابرين..اللهم اجعلنا من الشاكرين..اللهم قوي إيماننا وارحمنا
يا أرحم الراحمين..اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه..وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا
اجتنابه..اللهم أبعد عنا رفقاء السوء..اللهم جنبنا الفواحش والمعاصي..اللهم اغفر لنا
ذنوبنا وطهر قلوبنا...وارحمنا برحمتك يا رب يا رب...
اللهم يا فاطر السماوات والأرض و يا عالم الغيب
والشهاده... نسألك ربنا أن تشرح صدورنا وتغفر ذنوبنا... اللهم إنا نسألك بأنك انت الله
مالك الملك وأنك على كل شيء قدير .. أن تفرج همومنا وكروبنا ... يا رب.
اللهم إنا نسألك باننا اشهد انك انت الله الذي
لا اله الا انت .. الاحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له .. اللهم إنا نسألك
زيادة في الأيمان وبركة في العمر وصحة في الجسد وسعة في الرزق وتوبة قبل الموت، وشهادة
عند الموت ومغفرة بعد الموت وعفواً عند الحساب، وأماناً من العذاب، ونصيباً من الجنة
، وارزقنا النظر إلى وجهك الكريم، اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين.