بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد
لله رب العالمين، يسمع دعاء الخلائق ويجيب...يؤنس الوحيد، ويَهدي الشريد، ويُذهب الوحشة
عن الغريب..يغفر لمن استغفره، ويرحَم مَن استرحمه، ويصلح المعيب...يستر العصاة، ويمهل
البغاة، ومن تاب منهم قبل وأثيب...يكلف بالقليل، ويجزي بالجزيل، ويعفو عن الذي بالعجز
أصيب...من أطاعه تولاه، ومن غفل عنه لا ينساه، وله من الرزق نصيب...يرزق بلا أسباب،
ويدخل الجنة بغير حساب، فلا فضح ولا تنقيب...
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المهيمن
والرقيب...من توكل عليه كفاه، ومن التجأ إليه فالفرج قريب...
وأشهد
أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله المقرب والحبيب...نوره يخطَف الأبصار، ومسجده علم ومزار،
وأنفاسه مسك وطيب...
اللهم
صلِّ وسلِّم وبارك عليه عدد ما وسعه علم الحساب..وعلى الصحب والآل وكل من انتسب إليه
من بعيد أو قريب...
﴿
رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ
لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾
عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ :
<< إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ
أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ ، يُصَرِّفُ كَيْفَ يَشَاءُ
، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ : مُصَرِّفَ
الْقُلُوبِ اصْرِفْ قُلُوبَنَا إِلَى طَاعَتِكَ >> مسلم وأحمد
ينبغي أن نفهم هذا الحديث فهماً دقيقاً جداً ،
أي أن الله عزَّ وجل جعل قلوبنا بيده لسبب واحد ؛ من أجل أن يعيننا على إيماننا ، فلو
أن أحدنا أراد شيئاً طيباً ، ملأ الله قلبه انشراحاً ، وإذا أراد أحد الناس سوءً ،
ملأ قلبه انقباضاً ، فلأن القلب بيد الله عزَّ وجل ، يعطينا دفعة التشجيع ، أو دفعة
ردع
هذا
التقليب لصالح العباد، فالإنسان أحياناً يُلهَم أن يتحرَّك…
﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ
وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ
فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125)﴾(سورة الأنعام)
والقلب قلب النفس ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ ، وَلَكِنْ
يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ )) [ مسلم
]
فالقلب
منظر الرب ، وقد ورد في بعض الآثار القدسية :
" أن عبدي طهرت منظر الخلق سنين أفلا طهرت منظري ساعة ؟ " .
أيها
الإخوة،
الكبائر الباطنة أخطر ألف مرة من الكبائر الظاهرة
، الكِبر مرض قلبي خطير ، العُجب مرض قلبي خطير ، حب الذات مرض قلبي خطير ، أن تتوهَّم
أنك أفضل الناس مرض قلبي خطير ..
********
هذا الشطر
الأول للآية:
﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا ﴾
و الشطر الثاني:
[[..وَهَبْ
لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ]]
الرحمة :
فكلمة
(رحمة) كلمةٌ جامعةٌ مانعة ، مطلق عطاء الله أن يرحمك ، يرحمك: فيسبغ عليك صحةً ، يرحمك:
فيملأ قلبك أمناً ، يرحمك فيسمح لك أن تتصل به ، يرحمك فيذيقك من حلاوة القُرْب ، يرحمك
فيعطيك الحكمة ، رحمة الله مطلق عطاء الله .
﴿ وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ(32) ﴾ الزخرف
رحمة الله ، تعني سعادة إلى أبد الآبدين ، رحمة
الله تعني جنةً فيها ما لا عينٌ رأت ، ولا أذنٌ سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، رحمة
الله في الدنيا هذا الأمن الذي يناله المؤمن ..
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(81)الَّذِينَ
آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ
مُهْتَدُونَ(82) ﴾الأنعام
أي إذا
قلت : يا رب ارحمني ، فهو دعاء واسع جداً ، أي يا رب أصلح لي جسدي ، يا رب يسِّر لي
رزقي ، يا رب اجعل أهلي على خير ما يرام ، اجعل زوجتي صالحة ، اجعل أولادي أبراراً
، يا رب صلني بك ، ارزقني عملاً صالحاً يقربني إليك ، يا رب تجلى على قلبي ، يا رب
أذقني طعم القرب منك ، هذا معنى ارحمني يا رب .
إذا توفي أحدٌ يقال عنه:
انتقل إلى
رحمته ،
كلمة
فرِّغت من مضمونها ، أي مات فلان ، لا ، لا ،
لو أنه
مؤمن انتقل من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة كما ينتقل الجنين من ضيق الرحم إلى سعة الدنيا،
فعَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ
أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ :
(( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرَّ عَلَيْهِ
بِجِنَازَةٍ فَقَالَ : مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ
، مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ ؟ قَالَ : الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ
مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ ، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ
يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ ))[ متفق عليه ]
قصة:أحياناً يهيء ربي لك أمراً يكون سببا في هدايتك ..
شابين من المدينة المنورة ذهبا إلى تركيا من أجل
أخذ راحتهم بشرب الخمر هناك ..
فلما
وصلوا أسطنبول، أشتروا الخمر وركبا التاكسي ثم ذهبا إلى قرية ريفية وسكنا في فندق هناك
حتى لا يراهم أحد، واثناء تسجيل أوراقهم في الإستقبال سألهم الموظف من أين أنتم ؟
فقال
أحدهم من المدينة المنورة ..
ففرح
موظف الإستقبال واعطاهم جناح بدل الغرفة إكراما للنبي الكريم ومن حبه لأهل المدينة
..فسعدا الشابين وسهرا طول الليل يشربا الخمر فسكر أحدهما والثاني نصف سكرة وناما
..
ثم تفاجأ
بمن يطرق بابهما الساعة الرابعة والنصف، فأستقيظ أحدهما وفتح الباب وهو بنصف عين وإذا
بموظف الإستقبال يقول له :
إن إمام
مسجدنا رفض أن يصلي الفجر لما علم أنكما من المدينة وانتم هنا ..!
فنحن
ننتظركم بالمسجد تحت ..!!
فصدم
الشاب بالخبر وايقظ صاحبه سريعا ..
وقال
له : هل تحفظ شيء من القرآن ؟
فرد
عليه أنه لا يمكن أن يصلي إمام وجلسا يفكران كيف يخرجان من المأزق واذا بالباب يطرق
مرة أخرى، ويقول لهما الموظف نحن ننتظركم بالمسجد بسرعة قبل بزوغ الفجر ..
يقول
صاحبنا فدخلا في الحمام واغتسلا ثم نزلا إلى المسجد واذا به ممتليء وكأنه صلاة جمعة،
وكانوا يسلمون عليهما فتقدم أحدهما للصلاة فلما كبر وقال : (الحمد لله رب العالمين)
بكى أهل المسجد وهم يتذكرون مسجد رسول الله ..
يقول صاحبنا فبكيت معهم وقرأت الفاتحة والإخلاص
في الركعتين وانا لا أحفظ غيرها وبعد الصلاة إنكب المصلين يسلمون علي ..
فكان
هذا الموقف سبب في هداية هذين الشابين والآن هذا الشاب داعية مميز ..
أحياناً
يهيء ربي لك أمراً يكون سببا في هدايتك ..
هو الذي
يبدل السيئات حسنات
وهو
الذي يجيب الداعي إذا دعاه
وهو
الذي يعطي السائل ما سأله
ومن توكل علي كفاه، وستر من عصاه
في الدنيا، وأشفع فيه في الأخرة،
"سبحانك
يارب ما أعظمك وما أرحمك"
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire