الإخلاص سرُّ العبادة-ج الحنفية -6/2018
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي
جعلنا مسلمين وأكمل لنا الدين وأتم علينا به النعمة من بين العالمين، وقال وهو أصدق
القائلين: { ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو من الخاسرين }آل عمران.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
إله الأولين والآخرين، وقيوم السماوات والأرضين، أمركم أن تعبدوه مخلصين له الدين،
وحذركم أن تكونوا من المشركين: { من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما
لديهم فرحون } [الروم:32].
وأشهد أن محمداً
عبده ورسوله النبي المصطفى والرسول المجتبى، الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى،
صلى الله وسلم
عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين والأئمة المهديين.
أيها الإخوة،
الإخلاص سرُّ
العبادة ، والإخلاص ينفع معه كثر العمل وقليله، بينما عبادة من دون إخلاص لا قيمة لها،
لا إن كانت كثيرة، ولا إن كانت قليلة.
﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى
إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ الكهف
هذه الآية لخصت القرآن كلَّه.
ما قيمة العمل الصالح؟ :
﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ
عَمَلاً صَالِحاً﴾
[سورة الكهف الآية: 110]
قيمة هذا العمل
ألا يخالطه شرك، أن تبتغي بعملك غير الله،
إنسان داوم على صلاة الفجر في المسجد أربعين عاماً، وفي أحد
الأيام غلبته نفسه فلم يستيقظ، فانتبه مذعوراً،
وقال: ماذا يقول الناس عني هذا اليوم؟
شيء خطير,
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
هناك أعمال رائعة
يجعلها الله هباء منثوراً،
[[ لن ينال الله لحومها ولا دمائها, ولكن يناله
التقوى منكم.]]
يناله أن يراكم مخلصين في هذه الطاعة.
من بنود هذه الآية :
﴿قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ
تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ
وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾آل عمران
إن أخفيت، أو
لم تخف, فأنت مكشوف أمام الله، لا تخفى على الله خافية، فهو وحده يعلم، لك أن تقول
كل شيء، وتبرر، وتعلل، وتفسر، ولكن تأكد أن كل شيء تفعله لا يخفى على الله عز وجل.
الحديث الصحيح المتواتر الشهير, الذي يعد أصلاً
من أصول الدين، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ:
((سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ, وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ
مَا نَوَى, فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا, أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ
يتزوجها, فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ))[أخرجه البخاري
ومسلم في الصحيح, وأبو داود والترمذي والنسائي في سننهم]
ــــــــــــــــــــــــــ
حديث آخر:
عَنْ أَبِي كَبْشَةَ الْأَنَّمَارِيِّ, أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
((... وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ,
قَالَ: إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ؛
- عَبْدٍ
رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا, فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ, وَيَصِلُ فِيهِ
رَحِمَهُ, وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا, فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ,
- وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا, وَلَمْ
يَرْزُقْهُ مَالًا, فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ, يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ
بِعَمَلِ فُلَانٍ, فَهُوَ بِنِيَّتِهِ, فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ,
- وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا, وَلَمْ
يَرْزُقْهُ عِلْمًا, فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ, لَا يَتَّقِي فِيهِ
رَبَّهُ, وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ, وَلَا يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا, فَهَذَا
بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ,
- وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا وَلَا
عِلْمًا, فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا, لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ,
فَهُوَ بِنِيَّتِهِ, فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ))
فلذلك: من شهد معصية فأنكرها, كان كمن غاب عنها، ومن غاب
عن معصية فلم ينكرها، بل أرادها, كان كمن شهدها.
((إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ, وَإِنَّمَا
لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى))
ما هو العامل الحاسم في كل هذه الأحاديث؟ النية, ماذا
تنوي؟ ماذا تريد؟.
هل هناك حديث
أخطر من هذا الحديث؟ صاحب أموال طائلة أنفقها في سبيل الله، وإنسان قتل في سبيل الله،
والأول قرأ القرآن في سبيل الله, وهم أول من تسعر بهم النار يوم القيامة، هذا حديث
خطير, لا يدعو على اليأس, ولكن يدعو إلى اليقظة، حرر عملك من الشوائب.
ما موقف معاوية
بن أبي سفيان حينما أخبره الرجل بهذا الحديث الذي سبق ذكره؟ :
دخل رجل على معاوية بن أبي سفيان, فخبره بهذا الحديث، فقال
معاوية:
<< قد فعل بهؤلاء هذا, فكيف بمن بقي من
الناس؟.>>
( لا يوجد عنده أجهزة لهو, يسهر بعد الفجر، غارق بالملذات،
لا يوجد في دخله حرام، لا يوجد مال ربا، ولا انحراف خلقي، ولا اعتداء على أموال الناس،
هؤلاء أحدهم قتل في سبيل الله، والثاني قرأ القرآن، والثالث كان محسناً، لأنهم أرادوا
لهذا السمعة والدنيا, كان هذا مصيرهم،
﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ
يُوحَى﴾
[سورة النجم الآية: 3-4]
ــــــــــ
قال: فكيف بمن بقي من الناس؟
قال: فبكى معاوية بكاء شديداً, حتى ظننا أنه هالك، وقلنا
قد جاءنا هذا الرجل بشر، ثم أفاق معاوية، ومسح عن وجهه, وقال: صدق الله ورسوله:
﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا
نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ
الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا
وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾
[سورة هود الآية: 15-16]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد قال عليه الصلاة والسلام:
<< صلاة الرجل تطوعاً حيث لا يراه الناس,
تعدل صلاته على أعين الناس خمساً وعشرين درجة>>
حديث عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا قَالَ:
<< سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: انْطَلَقَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ, حَتَّى أَوَوُا الْمَبِيتَ
إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ...>>
هذا الحديث الرائع يعلمنا أنك إذا كنت في ضائقة، وفي شدة،
وفي أزمة، وفي خطر, فادع الله بصالح عملك، وينبغي أن يكون لكل واحد منا عمل صالح, يبتغي
به وجه الله الكريم.
اسمع قصة هذا التاجر :
حدثني تاجر كبير من تجار الغنم, أنه ضل في الصحراء هو والغنم
التي اشتراها، وكاد هو والغنم يموتون عطشاً، فصلى ركعتين، وذكر أن له عملاً صالحاً
قبل سنوات، أنه كان في البادية، وجاءت امرأة تريده فدفعها، وقال: يا رب إن كنت دفعتها
خوفاً منك ففرج عنا، وقد ساق الله لهم أناساً يعرفون مكان الماء، ودلوهم على الماء،
وأنقذ الله حياتهم من الموت المحقق, فهذا من السنة, إذا كنت في شدة, أو ضائقة, أو محنة,
أو مصيبة, أو خطر, فادع الله بصالح عملك كما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم
تغفر لنا وترحمنا لنكونن
من الخاسرين. لئن لم يغفر لنا ربنا ويرحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا
حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
اللهم
وفقنا في ودعوتنا، واجعل لنا من لدنك سلطاناً نصيراً، اللهم تب علينا وأصلح حالنا،
واهدنا واهد بنا ويسر الهدى لنا، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم ألف
بين قلوبنا، واجمع شملنا، ووحد كلمتنا، واهدنا سبل السلام، اللهم انصر الإسلام والمسلمين،
وأعلِ كلمة الحق والدين،
اللهم
اجعل بلدنا آمنا مطمئنا مباركاً سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين،
اللهم
اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك يا ربنا سميع
قريب مجيب الدعوات. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اللهم
هيئ لنا من أمرنا رشداً اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا اللهم اغفر لنا ذنوبنا
صغيرها وكبيرها دقها وجلها وأنت أرحم الراحمين وأنت المتفضل على عبادك وأنت المجيب
لمن سألك
اللهم
نتوسل إليك بما أخلصنا لك فيه من الدين أن تغفر لنا ذنوبنا اللهم اغفر لنا ذنوبنا واجعل
لنا من أمرنا رشداً واجعل عاقبة أمورنا إلى خير وعملنا في خير ورؤيانا في خير يا أرحم
الراحمين.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire