بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمدُه ونستغفره ونستعينه ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِ اللهُ فلا مضِلَّ له, ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، بعثه اللهُ رحمةً للعالمين؛ هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، بلَّغ الرسالة, وأدَّى الأمانة، ونصحَ الأمةَ، فجزاهُ اللهُ خيرَ ما جزى نبيًّا من أنبيائه، فصلواتُ ربي وتسليماته عليه، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وعلى صحابته وآل بيته، وعلى من أحبهم إلى يوم الدين.
عباد الله: من مقاصد هذه الشريعة تهذيب الأخلاق والسلوك، وتنقية المشاعر، ونشر المحبة والمودة بين أفراد الأمة المسلمة، ولكن هناك آفةٌ تعرِض لهذا المبدأ العظيم، آفةٌ تمر بالمجتمع رغم اختلاف مراحله العمري، أو مداركه الثقافي.
في الصحيحين البخاري ومسلم : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – : « سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ »
إخوة الإسلام
في هذا الحديث النبوي الشريف ،يبين لنا النبي صلى الله عليه وسلم
خصلتين محرمتين في التعامل مع المسلمين:
الخصلة الأولى : سب المسلم وشتمه : وذلك بأي لفظ سيء ،سواء أكان باللعن والتقبيح ، أو تشبيهه بالبهائم ،أو تعييره بعيب أو خلق ،أو غير ذلك من الألفاظ التي تؤذيه ،وتدخل الحزن عليه. فيحرم على المسلم السب والشتم ،لأجل الدنيا أو الدين ،إلا في حالة واحدة ، فيجوز للمسلم شتم غيره إذا بدأه شخص بذلك ،وكان على سبيل القصاص والمماثلة ،مع أن الأفضل له ترك ذلك لله،
فقد قال الله تعالى في محكم آياته : (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (148) إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا) (148) ،(149) النساء ،
وفي مسند أحمد (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِطَعَّانٍ وَلاَ بِلَعَّانٍ وَلاَ بِالْفَاحِشِ الْبَذِيءِ »
وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عف اللسان ،لا يسب ،ولا يشتم ،ولا يقبح أحدا: حتى مع خصومه من اليهود ،وغيرهم ،بل كان رفيقا في خطابه لهم.
ففي الصحيحين واللفظ للبخاري : (أَنَّ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – زَوْجَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَتْ دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالُوا السَّامُ عَلَيْكُمْ . قَالَتْ عَائِشَةُ فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ وَعَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ . قَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « مَهْلاً يَا عَائِشَةُ ،إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ » . فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « قَدْ قُلْتُ وَعَلَيْكُمْ »
فينبغي للمؤمن أن يكون لسانه طيبا ،عفيفا ،يصدر عنه أحسن الكلام ،وأعذب الكلمات ،وأن يتجنب الفحش مع الخلق ،عامتهم وخاصتهم ،من أهل وولد وصاحب.
الخصلة الثانية التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث:
هي قتل المسلم : وهذا الفعل من أكبر الكبائر ، وقد ورد فيه وعيد شديد. قال الله تعالى:
(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) النساء 93.
فالمسلم له حرمة عظيمة في نفسه أعظم من حرمة البيت العتيق ،فيحرم انتهاكها إلا بحق. ففي سنن ابن ماجة : (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ وَيَقُولُ : « مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ مَالِهِ وَدَمِهِ وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلاَّ خَيْرًا ».
إن مبادئ الإسلام تهدف إلى حماية الناس من كل ما يتسبب في الإساءة إليهم ،بأي صورة من صور الإيذاء، كالظلم ،والاعتداء على حرماتهم في منازلهم ،والتطلع إلى عوراتهم ، والتحدث في اعراضهم، أو حتى إقلاق راحتهم في بيوتهم، أو الاستطالة عليهم في مجالسهم ...
، ووصل الأمر إلى عدم ايذائهم في الطريق الذي يمشون فيه...
ففي سنن أبي داود : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ
« اتَّقُوا اللاَّعِنَيْنِ ». قَالُوا وَمَا اللاَّعِنَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : « الَّذِى يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ ظِلِّهِمْ ». ومعنى يتخلى : أي يتبرز ،أو يتبول في الطريق العام، أو في أماكن الظل·
في الحديث الشريف الذي رواه مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِى يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ)
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلاَّ الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ ». قَالُوا وَمَا حَقُّهُ قَالَ « غَضُّ الْبَصَرِ وَكَفُّ الأَذَى وَرَدُّ السَّلاَمِ وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْىُ عَنِ الْمُنْكَرِ ». رواه البخاري ومسلم·
***************************
دعـــــــــــــــــــــــــــــــاء
اللّهم لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك،
اللّهم يا حي يا قيوم يا ذو الجلال والإكرام، اهدنا في من هديت، وعافنا في من عافيت، واقضِ عنّا برحمتك شرّ ما قضيت، إنّك تقضي بالحق ولا يقضى عليك، آمنا بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، فاغفر لنا ما قدّمنا وما أخّرنا، وما أسررنا وما أعلنّا، وما أنت به أعلم، أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير.
اللهم أبعد عني رفقاء السوء، اللهم جنبني الفواحش والمعاصي، اللهم اغفر لي ذنبي، وطهّر قلبي، وارحمني برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهمّ يا نور السماوات والأرض، يا عماد السماوات والأرض، يا جبّار السماوات والأرض، يا ديّان السماوات والأرض، يا وارث السماوات والأرض، يا مالك السماوات والأرض، يا عظيم السماوات والأرض، يا عالم السماوات والأرض، يا قيّوم السماوات والأرض، يا رحمن الدّنيا ورحيم الآخرة،
اللهم إليك مددت يدي، وفيما عندك عظمت رغبتي، فاقبل توبتي، وارحم ضعف قوّتي، واغفر خطيئتي، واقبل معذرتي، واجعل لي من كل خير نصيباً، وإلى كل خيرٍ سبيلاً، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم لا تحرمني سعة رحمتك، وسبوغ نعمتك، وشمول عافيتك، وجزيل عطائك، ولا تمنع عني مواهبك لسوء ما عندي، ولا تجازني بقبيح عملي، ولا تصرف وجهك الكريم عني برحمتك يا أرحم الراحمين.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire