الاحتيال على أحكام الله الشرعية-إعادة 2025
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، مَنَّ على من شاء من عباده بهدايتهم للإيمان وكرَّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان،
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، تفرد بالكمال والجلال والعظمة والسلطان،
وأشهد أنّ محمدًا عبدُه ورسوله المبعوثُ إلى كافة الإنس والجان، فبلغ رسالة ربه وبيَّن غاية البيان،
-صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه- الذين جاهدوا في الله حق جهاده حتى نشروا العدل والأمن والإيمان وسلم تسليما كثيرا.
****************
أيها الإخوة،
من أعظم الذنوب التي نهى عنها الله -تعالى- ما يفعله بعض ضعفاء الإيمان, من الاحتيال على الأحكام الشرعية, من خلال التوصّل إليها بطرق ظاهرها الإباحة, وهي محرّمة في الأصل, وقد ذكر الله ذلك في كتابه, وذكر عقوبته, محذّرا عباده من الوقوع في هذا الذنب.
بعض الناس يحتالون على الله، وكأن الله عز وجل لا يعلم سرَّهم ونجواهم، ولا يعلم نواياهم ومقاصدهم، إن هذا الاحتيال ينطوي على جهل بالله، جهل خطير.
أحد العلماء يقول: يخادعون الله كأنهم يخادعون آدمياً،
لو أتوا الأمر عياناً كان أهون عند الله، أي حينما يعلن الإنسان ضعفه ويرتكب المعصية فهذا أخف في ميزان المعصية مما لو لجأ إلى حيلة وأظهر نفسه أنه لم يعص، ونسي أن الذي يحتال عليه هو خالق الكون،
النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رُوي عنه، ضيّق على المحتالين الخناق.
فقال صلى الله عليه وسلم:
((لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل)) [ أحمد عن أبي هريرة]
الإحتيال على على الأحكام الشرعية هو: القيام بعمل ظاهره الجواز و المصلحة و المقصود منه الوصول إلى الفساد و إلى عمل محرّم.
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ }
يقول الشيخ المفسّر محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله في بيان بعض صور الإفساد في الأرض:
<< فالإفساد في الأرض منه تصيير الأشياء الصالحة مضرّة
كالغشّ في الأطعمة، ومنه إزالة الأشياء النافعة، كالحرق و القتل، و منه إفساد الأنظمة كالفتن و الجور، و منه إفساد المساعي، كتكثير الجهل، و تعليم الدعارة، و تحسين الكفر، و مناوأة الصالحين>>.
و صور الفساد لا تنتهي، و الفساد خطير، و أشدّ منه خطورة، إعتقاد المفسدين أنّهم مصلحون،
و لا يقلّ خطورة عن هذين الأمرين تقاعس المصلحين عن دورهم في الإصلاح.
أيها الإخوة،
إذا انتكست القلوب انعكست البصائر، و أصبحت تعتقد و ترى الفسادَ صلاحا و الصلاحَ فسادا، و الحقَّ باطلا و الباطلَ حقّا، و الشرَّ خيرا والخير شرّأ، تبعا لتقدير هذا القلب المريض المنتكس، و نتيجة هذا التلوّن النفسي القذر .
{لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ ءَاذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَآ ۚ أُوْلَٰٓئِكَ كَٱلْأَنْعَٰمِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْغَٰفِلُونَ} الأعراف.
﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ﴾ البقرة
—-------------------------
أيها الإخوة،
اسمعوا كيف وصف الله تعالى أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلّم في كتابه العزيز:
﴿ ..الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الذين يقيمون الصلاة و مما رزقناهم ينفقون﴾ الأنفال
{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}آل عمران
هؤلاء الذين وصفهم الله سبحانه و تعالى في بعض آياته هم الناس على الحقيقة الذين تَعْمُرُ بهم الأرض، و لأجلهم يُنزِّل الله رحمته و غيثه ، و يفتح ينابيع البركات من السماء و الأرض.
و غيرهم من الذين استكبروا و من المنافقين همج، لا يعبأ الله بهم شيئا، و لو يؤاخذهم الله بعملهم و يُعاملهم بذنوبهم ما ترك عليها من دابة،
و لكنّ واحدا من المؤمنين الذين رضي عنهم ورضوا عنه يساوي عند الله ملء الأرض منهم، فينظر الله إليه و يستجيب له و يُنزِّل على الأرض رحمته، ويُسبغ آلاءه فتعمُّ و ينتفع بها أولئك العصاة، ثمّ يُؤاخذ الله المجرمين يوم القيامة بما كانوا يكسبون.
<< رُبَّ أشعثَ أغبرَ ذي طِمرَينِ ، مُصفَحٌ عن أبوابِ النَّاسِ ، لو أقسمَ على اللهِ لأَبرَّهُ >> البخاري و مسلم
—-------------------
أيها الإخوة،
ورد في القرآن و السنّة أدلّة على تحريم الحيل، وأنّها ذنب كبير، و سبب لنقمة الله على فاعله في الدنيا والآخرة:
الأصل أن تؤتى أحكام الله بكلّ خضوع و محبّة..و محبّة هذه الأحكام من محبّة مُشرّعها:
{ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } النساء
{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} النور
﴿ وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا أُولَٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ ۚ بَلْ أُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ النور.
—----------------
الإحتيال على على الأحكام الشرعية.
اشتهر هذا الذنب القبيح عند اليهود فمن فعله من هذه الأمّة فقد تشبّه بهم، ووقع في ذنبٍ عُقُوبَتُه مُعجّلةٌ في الدنيا قبل الآخرة.
قصة أصحاب السبت، وهم اليهود.
﴿ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ الأعراف
و كان الله أمرهم أن يعظموا يوم السبت، و يحترموه و لا يصيدوا فيه صيدا، فابتلاهم الله و امتحنهم، فكانت الحيتان تأتيهم يوم السبت كثيرة طافية على وجه البحر، و في بقية أيام الأسبوع لا تأتيهم..ابتلاءً من الله بسبب كثرة فسقهم، فلو لم يفسقوا لم يُعرّضهم الله لهذا البلاء.
﴿ وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ ۙ لَا تَأْتِيهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ الأعراف
عن رسول الله صلى الله عليه و سلم:
"قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ، إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْهِم الشُحُومَ، فَأَجْمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ، فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ" البخاري ومسلم
﴿ وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ ۖ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ۚ ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ ۖ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾ الأنعام
*********************************
الدعاء
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، و بارك اللهم لنا فيما أعطيت ، و قنا و اصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي ، ولا يقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت تباركت ربنا و تعاليت ، و لك الحمد على ما قضيت ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، و أصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، و أصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، و اجعل الحياة زادا لنا من كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، و بطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا ، و آمنا في أوطاننا ، و اجعل هذا البلد آمنا سخيا رخيا ، و سائر بلاد المسلمين ، اللهم يا أكرم الأكرمين أعطنا ولا تحرمنا وأكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، وأرضنا وارض عنا صن وجوهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شرَّ خلقك ، ونُبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم وليُّ العطاء ، و بيدك وحدك خزائن الأرض و السماء ، اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا من دنياهم أقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين ، اللهم بفضلك ، ورحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام ، وأعز المسلمين ، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنه على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire