vendredi 28 février 2025

 المعصية لا تمنع الطاعات- رمضان 2025/1446 

بسم الله الرحمن الرحيم

**********************

الحمد لله الذي أضحك وأبكى، وأمات وأحيا، وخلق الزوجين الذكر والأنثى، وأرانا في خَلْقِهِ وأمرِه شيئًا من عظمته، وأرانا في آياته ما يدل على وحدانيته، 

وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله السراج المنير، والبشير النذير، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أولي الفضل والنُّهى، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الملتقى؛ 

*****************************

أيها الإخوة،

إنَّ التَّقوَى جِمَاعُ الخَيرِ كُلِّهِ؛ لذا تكرَّر في القرآن والسنة الأمرُ بها؛ فهي سبيل الرَّشاد والفلاح في الدنيا والآخرة: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ الأحزاب 

عباد الله:

أظلَّنا رمضان، شهرٌ كريم، نفحةٌ من نفحات ربنا الرحمن الرحيم، هذا شهر الصيام والقيام، شهر الصدقات والقُرُبات، شهر زيادة الحسنات، وتكفير السيئات،  

رمضان فيه خصوصية إحراق الذنوب، فصيامه إيمانًا واحتسابًا يغفر ما تقدم من الذنب، وقيامه إيمانًا واحتسابًا يغفر ما تقدم من الذنب، كما صحَّتِ الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأين الْمُشَمِّرون العاملون؟ وأين السابقون السابقون؟


رمضانُ فرضَ اللهُ صيامه لأجل الارتقاء في سُلَّمِ التقوى؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ البقرة، فكان رمضان ولا زال مضمارًا للمتسابقين، وميدانًا للمتنافسين.

عباد الله:

الصيام عبادة عظيمة، رتَّب الله عليه أجرًا عظيمًا من لدن رب العالمين، فما ظنك بأجرٍ نَسَبَهُ الله تعالى إليه؟ قال صلى الله عليه وسلم فيما يَروِي عن ربه عز وجل: ((كلُّ عمل ابن آدم له، الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال عز وجل: إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به؛ إنه تَرَكَ شهوته وطعامه وشرابه من أجلي))، ((ولمن صام يومًا في سبيل الله بعَّده الله من النار سبعين خريفًا)).

******************************************************

ملاحظة وتصحيح🔴<< الى جميع خطباء المساجد بمناسبة قرب حلول شهر رمضان المبارك ...

رجاءً ثم رجاءً ثم رجاء، نرجوا أن يكون خطابكم لهذا العام مميزاً عن سابقاته ...

فلا داعي لتكرار الحديث  عن أهمية الشهر الفضيل وأنه شهر الصيام فالكل يعرف ذلك ... بل ... 

#أخبروهم أن من يَفْطُرُ بعد صيامه بمال منهوب لا صيام له ولا زكاة... 

#أخبروهم أن من عليه مظلمة فليردها الى أهلها والتوبة قبل أن يزكي ويتصدق …

#أخبروهم أن من يمنع اخواته من الميراث ويأكل حقهم لا صلاة ولا صيام ولا زكاة ولا حج له...

#أخبروهم أن المال الحرام لا تخرج منه زكاة ولا صدقة ...

#أخبروهم بصلة الأرحام وبرِّ الوالدين ( طال ما تحدثنا عن هذا و غيره، أتمنى أن يكون كاتب هذا المقال من المواضبين على صلاة الجمعة)

#أخبروهم بحقوق الجار  والعامل والخادم …(نفس الرد)

#واخبروهم بحرمة المال العام وحرمة نهبه وحق الطريق ... ()

#واخبروهم بمسؤولياتهم تجاه أولادهم  ...

#أخبروهم بحرمة احتكار السلع وتطفيف المكيال والميزان ... 

#أخبروهم أن الدين معاملة وليس مجردَ شعارات من أداء الصلاة والصيام والحج ونطق الشهادتين فقط ...هذا كالذي يقول ( الدين في القلب).

#أخبروهم أن مابينك وبين الله هيِّنٌ فهو الرحمن الرحيم ،الغفور الغفار يغفر الذنوب جميعاً وأن مظالم العباد لا فكاك منها الا بالتوبة وإعادة الحقوق إلى أهلها أما قتل النفس التي حرم الله فلا فكاك منها إلا يوم الحساب.

#أخبروهم بأن إماطة الأذى  عن الطريق صدقة والكلمة الطيبة صدقة تبسمك في وجه أخيك صدقة والرفق بالحيوان صدقة و سرور تدخله على نفس أو قلب إنسان صدقة …( هذا لا يمنع من الحديث عن رمضان، و إياك أن تقلل من قيمة و فضل هذا الشهر)


إذا صحّت عقيدته، وعبد الله كما أمر وبما أمر، كانت النتيجة ما ذكرت وأكثر، فإن الإنسان لا يتحرّك إلا من منطلق عقيدته.


#وأخبروهم_وأخبروهم_وأخبروهم بما يفيد وينمي المجتمع ويزيل الأحقاد والضغائن فالقائمة تطول وتطول بالأهم ثم المهم لكي يَصْلُح المجتمع و يهنأ الناس بالحياة الكريمة وتتحقق الغاية من الصيام ...  (التعبد لله بالصوم من أكبر و أهم الفوائد للإنسان)  

دمتم ووفقنا الله جميعا لما يحب ويرضى و تقبل الله منا ومنكم صيام رمضان و صالح الأعمال>>

******************************

الردّ: ارتكاب المعاصي لا يمنع من القيام بالطاعات. فالإنسان بطبيعته معرض للخطأ، وليس هناك أحد معصوم من الذنوب إلا الأنبياء. ومن رحمة الله أن جعل باب التوبة مفتوحًا، وأمرنا بعدم القنوط من رحمته، 

و الحث على صيام هذا الشهر و الإكثار فيه من الطاعات و الذكر و الصلاة لعله يرجع كلّ عاص و ظالم لله هذا الشهر.


قيل يا رسولَ اللهِ إنَّ فلانًا يُصلِّي اللَّيلَ كلَّه فإذا أصبَح سرَق قال: ( سينهاه ما تقولُ )

الراوي : أبو هريرة، تخريج صحيح ابن حبان.


يُخطئ بعض الناس حين يظنون أن ارتكابهم للذنوب يحرمهم من أداء العبادات، كمن يقول: "أنا لا أستحق أن أصلي لأنني مذنب"، أو "كيف أصلي وأنا أقع في المعاصي؟"


هذا من تلبيس الشيطان، لأنه يريد أن يجمع على العبد بين الذنب وترك الطاعة، فيبعده تمامًا عن الله.

الإصرار على الطاعات يعين على ترك الذنوب

كلما أكثر العبد من الطاعات، ازداد قربُه من الله، ووجد في نفسه نورًا يجعله يبتعد عن الذنوب شيئًا فشيئًا. فالمحافظة على الصلاة والذكر وقراءة القرآن تمنح القلب قوة على مقاومة المعاصي.


الذنوب لا تمنع القرب من الله: قد يظن البعض أن من يرتكب المعاصي لا يجوز له الصلاة أو الدعاء، لكن هذا غير صحيح. فالله تعالى يقول:

"إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ" (هود: 114)، أي أن الأعمال الصالحة تكفر عن الذنوب.


عدم الاستسلام لليأس: من مداخل الشيطان أن يوهم الإنسان بأن ذنوبه تمنعه من العبادة، فيجعله يبتعد أكثر. ولكن المطلوب هو الاستمرار في الطاعات مع التوبة والسعي لترك الذنب.


الموازنة بين الخوف والرجاء: يجب أن يكون المسلم بين الخوف من عواقب الذنوب، والرجاء في رحمة الله، فيحاول أن يُقلع عن المعصية، ويكثر من الطاعات لتعويض ما فات.

************

شرح حديث:

<< مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ، فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُه.>> رواه البخاري وغيره. 

الحافظ ابن حجر رجح أن ذَلِكَ خَرَجَ مَخْرَجَ الزَّجْرِ الشَّدِيدِ، وأن َظَاهِرَهُ غَيْرُ مُرَادٍ. بينما رجح ابن القيم أنَّ المقصود حبوط عمل ذلك اليوم.

وقال ابن عبد البر في التمهيد: مَعْنَى قَوْلِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: حَبِطَ عَمَلُهُ، أَيْ حَبِطَ عَمَلُهُ فِيهَا، فَلَمْ يَحْصُلْ عَلَى أَجْرِ مَنْ صَلَّاهَا فِي وَقْتِهَا، يَعْنِي أَنَّهُ إِذَا عَمِلَهَا بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا فَقَدَ أَجْرَ عَمَلِهَا فِي وَقْتِهَا وَفَضْلِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. لَا أَنَّهُ حَبِطَ عَمَلُهُ جُمْلَةً فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَسَائِرِ أَعْمَالِ الْبِرِّ أَعُوذُ بِاللَّهِ مَنْ مِثْلِ هَذَا التَّأْوِيلَ؛ فَإِنَّهُ مَذْهَبُ الْخَوَارِجِ. 

وَإِنَّمَا يُحْبِطُ الْأَعْمَالَ الْكُفْرُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ، قَالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: 

{وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} المائدة. وَفِي هَذَا النَّصِّ دَلِيلٌ وَاضِحٌ أَنَّ مَنْ لَمْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ لَمْ يُحْبَطْ عَمَلُهُ. اهــ.

*********************************

  • و لكن الواجب على المسلم أن يحذر كل الحذر من الذنوب والمعاصي، وأن يعلم أنه إن 

استرسل معها فهو على خطر عظيم، وكما أن الحسنات يذهبن السيئات فإن السيئات قد تحبط الحسنات،

  • وقد حذرنا الله تعالى من إحباط طاعاتنا بالمعاصي، فليس الشأن في عمل الطاعة إنما الشأن 

في المحافظة عليها بعد أدائها أن تحبط وصاحبها لا يشعر، 


يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: ..

 -فالرياء وإن دق محبط للعمل، وهو أبواب كثيرة لا تحصر، 

-وكون العمل غير مقيد باتباع السنة أيضاً موجب لكونه باطلاً 

-والمن به على الله تعالى بقلبه مفسد له وكذلك المن بالصدقة والمعروف والبر والإحسان والصلة مفسد لها، كما قال سبحانه وتعالى: 

{يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى}

-وقد قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} ـ  

فمعرفة ما يفسد الأعمال في حال وقوعها ويبطلها ويحبطها بعد وقوعها من أهم ما ينبغي أن يفتش عليه العبد ويحرص على علمه ويحذره. انتهى.

******************************

الدعاء

اللهم اجعلنا مُعظِّمين لأمرك، مؤتمرين به، واجعلنا معظِّمين لِما نَهيتَ عنه منتهين عنه، اللهم أعِنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أعِنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تُعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأن تُذِلَّ الشرك والمشركين، وأن تدمِّرَ أعداء الدين، وأن تنصر من نَصَرَ الدين، وأن تخذل من خذله، وأن توالي من والاه، بقوتك يا جبار السماوات والأرض.

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفِّق ولاة أمرنا لِما تحب وترضى، وخُذْ بنواصيهم للبر والتقوى، اللهم كن لإخواننا المرابطين على الحدود، وجازِهم خير الجزاء، اللهم اقْبَل من مات منهم، واخلفهم في أهليهم يا رب العالمين.

اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، واجمع كلمتهم على ما يرضيك يا رب العالمين، اللهم بواسع رحمتك وجودك وإحسانك يا ذا الجلال والإكرام، اجعل اجتماعنا هذا اجتماعًا مرحومًا، وتفرُّقنا من بعده تفرُّقًا معصومًا.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، المؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، وجازِهم عنا خير الجزاء، اللهم من كان منهم حيًّا فأطِلْ عمره، وأصلح عمله، وارزقنا بره ورضاه، ومن سبق للآخرة، فارحمه رحمة من عندك تغنيهم عن رحمة من سواك.

اللهم ارحم المسلمين والمسلمات، اللهم اغفر لأموات المسلمين الذين شهِدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، اللهم جازِهم بالحسنات إحسانًا، وبالسيئات عفوًا وغفرانًا يا رب العالمين.

اللهم احفظنا بحفظك، واكلأنا برعايتك، ووفِّقنا لهداك، واجعل عملنا في رضاك.

اللهم أصلحنا وأصلح ذريتنا وأزواجنا، وإخواننا وأخواتنا، ومن لهم حق علينا يا رب العالمين.

اللهم ثبتنا على قولك الثابت في الحياة الدنيا والآخرة يا أرحم الراحمين، اللهم كن لإخواننا المسلمين في كل مكان، اللهم كن لهم بالشام وكل مكان يا رب العالمين.

اللهم إنا نسألك بأنك أنت الصمد تصمُد إليك الخلائق في حوائجها، لكل واحد منا حاجة لا يعلمها إلا أنت، اللهم بواسع جودك ورحمتك، وعظيم عطائك، اقضِ لكل واحد منا حاجته يا أرحم الراحمين.

اللهم اغفر لنا في جمعتنا هذه أجمعين يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وجازهم عنا خير ما جزيت والدًا عن والده، اللهم كان منهم حيًّا فأطل عمره، وأصلح عمله، وارزقنا بره ورضاه، ومن كان منهم ميتًا، فارحمه برحمتك التي وسعت كل شيء، وجميع أموات المسلمين، يا أرحم الراحمين.


 



 






 

















 

 


vendredi 14 février 2025

(إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ)-2025/1446

     (إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ)-2025/1446

بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. 

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. 

***************************      

أيها الإخوة،

القرآن الكريم: هو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، والصراط المستقيم، من عمل به أُجر، ومن حكم به عَدل، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم، 


يقول نبي الله يوسف: (إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) يوسف، 

وقال تعالى: (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) الشورى

أيها الإخوة،


واليوم -إن شاء الله تعالى- لقاؤنا مع قول يوسف:(إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ)، وقوله تعالى: (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ).


فاللطيف اسم من أسماء الله الحسنى، وله معنيان: 

أحدهما: بمعنى الخبير، وهو أنَّ عِلْمَهُ دقَّ ولَطف، حتى أدرك السرائر والضمائر والخفيات، 

والمعنى الثاني: اللطيف الذي يوصل أولياءه وعباده المؤمنين إلى الكرامات والخيرات، بالطرق التي يعرفون والتي لا يعرفون، وبالذي يُحبون، والذي يكرهون، 

فيُلطِف بأوليائه، فيُيَسِّرهُم لليُسرى، ويُجنبهم العُسرى، ويُلْطِف لهم، فَيُقدِّرُ أمورًا خارجية، عاقبتُها تعود إلى مصالحهم ومنافعهم، 


ولهذا قال يوسف صلى الله عليه وسلم:﴿إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ﴾يوسف، 

فيوسف أُُلقي في الجُبِّ، وهو مظنَّةُ الهلكة، ثم بيع عبدا، وهذا مظنة الاستمرار في العبودية، ثم اتُهم بامرأة العزيز فسُجن، وهذا مظنة البقاء في السجن إلى الموت؛ 


وَلَكِنَّ أَلْطَافَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى غَيْرِ حِسَابَاتِ الْبَشَرِ.؛ إذ جعل ابتلاءات يوسف (عليه السلام) هي السُلَّم الذي يوصله للتمكين في الأرض؛ فجعله على خزائن الأرض، وجيء بأبويه وإخوتِه إليه، فجعل سُبحانه ابتلاءات يوسفَ ممهدات لرِفْعة منزلته، وعُلوِّ مكانته، وذلك بلُطفِه الخفيِّ سبحانه، بحيث لم يشعر يوسف بذلك، ولا شعر به إخوته الذين مكروا به.


أيها الإخوة،

من لطفه بعباده

أنه يُقدِّرُ أرزاقَهم بِحسْب علمه بمصلحتهم، لا بحسب مُراداتهم ،

فيُقدِّر لهم الأصلح، وإن كرهوه، لطفًا بهم، وبَرًّا وإحسانًا، قال تعالى: 

﴿اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ﴾ الشورى، 

وقال تعالى: ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾ الشورى.


ومن لطف الله بعبده: 

أن يجعل رزقه حلالًا، في راحة وقناعة، فيحْصُلُ به المقصود، ولا يُشغله عن العبادة، والعلم والعمل، بل يُعينه على ذلك، وهذا من لطف الله تعالى بعبده. 

ومن لطف الله بعباده: أنه سبحانه يُقدِّرُ عليهم أنواع المصائب، والمحن والابتلاء، رحمة بهم، ولطفًا، وسوقًا إلى كمالهم، وكمال نعيمهم، قال تعالى: 

﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ البقرة، 


وَكَذَلِكَ يُذِيقُ عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ حَلَاوَةَ بَعْضِ الطَّاعَاتِ، فَيَنْجَذِبُ إِلَيْهَا، وَيَرْغَبُ فِيهَا، وَتَصِيرُ لَهُ مَلَكَةً قَوِيَّةً عَلَى فِعْلِ طَاعَاتٍ أَجَلَّ.


ومن لطفه بعبده: 

أن يُقدِّر له أن يتربى في ولاية أهل الصلاح، والعلم والإيمان، وبين أهل الخير، ليكتسب من أدبهم وتأديبهم، وينشأ على صلاحهم وإصلاحهم، قال تعالى: 

﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَلَهَا زَكَرِيَّا﴾ آل عمران،

   

ومن لطفه بعبده: 

إذا مالت نفسه مع شهوات النفس، واسترسلت في ذلك، أن يُنَغِّصها عليه، ويُكدِّرها، لئلا يميل معها كل الميل، 


ومن لطيف لطف الله بعبده: 

أنْ يَأْجُرَهُ على أَعْمَالٍ لَمْ يَعْمَلْهَا، بَلْ عَزَمَ عَلَيْهَا، فَيَعْزِمَ عَلَى قُرْبَةٍ مِنَ القُرَبِ، ثُمَّ تَنْحَلَّ عَزِيمَتُهُ لِسَبَبٍ مِنَ الأَسْبَابِ، فَلا يَفْعَلَهَا، فَيَحْصُلَ لَهُ أَجْرُهَا، وَقَدْ عَلِمَ تَعَالَى أَنَّهُ لا يَفْعَلُهَا، سَوْقًا لِبِرِّهِ لِعَبْدِهِ وَإِحْسَانِهِ بِكُلِّ طَرِيقٍ.

<< مَن هَمَّ بحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها، كُتِبَتْ له حَسَنَةً، ومَن هَمَّ بحَسَنَةٍ فَعَمِلَها، كُتِبَتْ له عَشْرًا إلى سَبْعِ مِئَةِ ضِعْفٍ، ومَن هَمَّ بسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها، لَمْ تُكْتَبْ، وإنْ عَمِلَها كُتِبَتْ.>> مسلم


وَمِنْ لُطْفِ اللَّهِ بِعَبْدِهِ: أَنْ يُجْرِيَ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا مِنَ المَنَافِعِ وَخَيْرًا لِغَيْرِهِ، فَيُثِيبَهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ، فَمَنْ غَرَسَ غَرْسًا، أَوْ زَرَعَ زَرْعًا، فَأَصَابَتْ مِنْهُ إِنْسَانًا أَوْ حَيَوَانًا أَوْ طَيْرًا، آجَرَ اللَّهُ صَاحِبَهُ وَهُوَ لا يَدْرِي.


أيها الإخوة،

الله لطيف بعباده: يَلطُفُ بهم في أقداره، وأفعاله، وتدابيره، فهو البر بهم، والرؤوف بحالهم، يلطف بهم من حيث لا يعلمون، ويُهيئ مصالحهم من حيث لا يشعرون، ويرزقهم من حيث لا يحتسبون، ويحفظُهم بالليل وهم نائمون، وبالنهار وهم يلْهَوْن ويلعبون، ويرأف بهم، ويحلم عليهم.. وهم عن ذكره معرضون، 

ومن لطفه بهم، أن يرزقهم إذا افتقروا، ويُغيثُهم إذا قَحَطُوا، ويَشفيهم إذا مَرِضوا، ويغفرُ لهم إذا أذنبوا واستغفروا، ويُمهلهم إذا عصوا،


والله لطيف بهم في شرعه: ومن لطفه بهم في شرعه: اليُسر والتخفيف، قال تعالى: 

{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} البقرة ، وقال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا. يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا} النساء  وقال تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} المائدة.


ومن لُطْفِ اللهِ بك: أنْ هداك إلى الخير هدايةً لا تَخطرُ ببالك، وقيَّضَ لك كُلَّ سببٍ يحولُ بينك وبين المعاصي، حتى إنه تعالى إذا عَلِمَ أنَّ الدنيا والمال تقطعك عن طاعته، أو تَحْمِلُكَ على الغفلة عنه، أو على معصية صَرَفَها عنك، وقَدَرَ عليك رِزْقَه، ولهذا قال تعالى: 

﴿اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ ﴾ بحسب اقتضاء حِكمَتِه ولُطْفِه ﴿وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ﴾ الذي له القوة كلُّها.


 ومن لُطْفِ اللهِ 

وإحسانه إليهم، تدبيره أمر عباده، وحفظه لهم من مكر أعدائهم، قال تعالى: 

{وَقَدْ مَكَرُ‌وا مَكْرَ‌هُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُ‌هُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُ‌هُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} إبراهيم، 

فأعداؤك يمكرون بك بما لا تعلمه وعندهم من الأسباب ما لا تملكه، فكيف تدفع مكرًا لا تعلمه ولا تملك ردَّه إن علمته؟! 

فيأتيك من الله لطفٌ وحفظٌ وتدبيرٌ يدفع عنك كيدًا لم تكن تعلمه، ولا تملك له ردًا إن علمته، 

ولكن الله العليم الحكيم بتدبيره، يَعِدُ عباده بذلك ويختار هو سبحانه وتعالى كيفية ذلك وزمانه ومكانه، قال تعالى: 

{وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ‌ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِ‌يدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ‌ الْكَافِرِ‌ينَ} [الأنفال:7].


والعبد قد يريد النصر سهلًا وسريعًا، والله يريد بحكمته في تأخير ذلك أحيانًا من الخير العظيم. 

فكلما طال الطريق، وبعُدَت الشقة واشتد الأمر، خرج من الطريق كل مخادع وكل مثبط، قال تعالى: 

{إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَ‌ضٌ غَرَّ‌ هَـٰؤُلَاءِ دِينُهُمْ ۗ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} الأنفال.


والله تعالى يحب أن يرى من عباده تفويض الأمرِ إِليه، مع بذل الوُسع، فهم يردُّون الأمر إِلى علم الله الذى يعلم ولا يعلمون، ولو أصابهم مع ذلك ما يكرهون، قال تعالى: 

{وَعَسَىٰ أَن تَكْرَ‌هُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ‌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ‌ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} البقرة.


******************

 الدعاء

"اللَّهُمَّ يَا ذَا الْمَنِّ وَلَا يُمَنُّ عَلَيْكَ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالإِكْرَامِ، يَا ذَا الطَّوْلِ وَالإِنْعَامِ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، ظَهْرَ اللَّاجِئِينَ، وَجَارَ الْمُسْتَجِيرِينَ، وَأَمَانَ الْخَائِفِينَ، 

اللَّهُمَّ بَلِّغْنَا رَمَضَانَ وَنَحْنُ فِي أَحْسَنِ حَالٍ، وَارْزُقْنَا فِيهِ الْقُرْبَ مِنْكَ وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ، وَاغْفِرْ لَنَا خَطَايَانَا وَاعْفُ عَنَّا.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ صُوَّامِهِ وَقُوَّامِهِ، وَمِنَ الْمَقْبُولِينَ فِي هَذَا الشَّهْرِ شالْكَرِيمِ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْ رَمَضَانَ خَيْرًا لَنَا، وَبَلِّغْنَا و إخواننا في غزّة فَرْحَةَ الْعِيدِ بِرِضَاكَ و نصرك وَمَغْفِرَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين. اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك. اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين . اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً ، وسائر بلاد المسلمي

اللَّهُمَّ إِنْ كُنَّا كَتَبْتَنا عِنْدَكَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ أشقياءأَوْ مَحْرُومين، فَامْحُنِا وَاكْتُبْنِا عِنْدَكَ سُعداء مَرْزُوقين مُوَفَّقين لِلْخَيْرِ"