(إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ)-2025/1446
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله..
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
***************************
أيها الإخوة،
القرآن الكريم: هو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، والصراط المستقيم، من عمل به أُجر، ومن حكم به عَدل، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم،
يقول نبي الله يوسف: (إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) يوسف،
وقال تعالى: (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) الشورى
أيها الإخوة،
واليوم -إن شاء الله تعالى- لقاؤنا مع قول يوسف:(إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ)، وقوله تعالى: (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ).
فاللطيف اسم من أسماء الله الحسنى، وله معنيان:
أحدهما: بمعنى الخبير، وهو أنَّ عِلْمَهُ دقَّ ولَطف، حتى أدرك السرائر والضمائر والخفيات،
والمعنى الثاني: اللطيف الذي يوصل أولياءه وعباده المؤمنين إلى الكرامات والخيرات، بالطرق التي يعرفون والتي لا يعرفون، وبالذي يُحبون، والذي يكرهون،
فيُلطِف بأوليائه، فيُيَسِّرهُم لليُسرى، ويُجنبهم العُسرى، ويُلْطِف لهم، فَيُقدِّرُ أمورًا خارجية، عاقبتُها تعود إلى مصالحهم ومنافعهم،
ولهذا قال يوسف صلى الله عليه وسلم:﴿إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ﴾يوسف،
فيوسف أُُلقي في الجُبِّ، وهو مظنَّةُ الهلكة، ثم بيع عبدا، وهذا مظنة الاستمرار في العبودية، ثم اتُهم بامرأة العزيز فسُجن، وهذا مظنة البقاء في السجن إلى الموت؛
وَلَكِنَّ أَلْطَافَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى غَيْرِ حِسَابَاتِ الْبَشَرِ.؛ إذ جعل ابتلاءات يوسف (عليه السلام) هي السُلَّم الذي يوصله للتمكين في الأرض؛ فجعله على خزائن الأرض، وجيء بأبويه وإخوتِه إليه، فجعل سُبحانه ابتلاءات يوسفَ ممهدات لرِفْعة منزلته، وعُلوِّ مكانته، وذلك بلُطفِه الخفيِّ سبحانه، بحيث لم يشعر يوسف بذلك، ولا شعر به إخوته الذين مكروا به.
أيها الإخوة،
من لطفه بعباده:
أنه يُقدِّرُ أرزاقَهم بِحسْب علمه بمصلحتهم، لا بحسب مُراداتهم ،
فيُقدِّر لهم الأصلح، وإن كرهوه، لطفًا بهم، وبَرًّا وإحسانًا، قال تعالى:
﴿اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ﴾ الشورى،
وقال تعالى: ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾ الشورى.
ومن لطف الله بعبده:
أن يجعل رزقه حلالًا، في راحة وقناعة، فيحْصُلُ به المقصود، ولا يُشغله عن العبادة، والعلم والعمل، بل يُعينه على ذلك، وهذا من لطف الله تعالى بعبده.
ومن لطف الله بعباده: أنه سبحانه يُقدِّرُ عليهم أنواع المصائب، والمحن والابتلاء، رحمة بهم، ولطفًا، وسوقًا إلى كمالهم، وكمال نعيمهم، قال تعالى:
﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ البقرة،
وَكَذَلِكَ يُذِيقُ عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ حَلَاوَةَ بَعْضِ الطَّاعَاتِ، فَيَنْجَذِبُ إِلَيْهَا، وَيَرْغَبُ فِيهَا، وَتَصِيرُ لَهُ مَلَكَةً قَوِيَّةً عَلَى فِعْلِ طَاعَاتٍ أَجَلَّ.
ومن لطفه بعبده:
أن يُقدِّر له أن يتربى في ولاية أهل الصلاح، والعلم والإيمان، وبين أهل الخير، ليكتسب من أدبهم وتأديبهم، وينشأ على صلاحهم وإصلاحهم، قال تعالى:
﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَلَهَا زَكَرِيَّا﴾ آل عمران،
ومن لطفه بعبده:
إذا مالت نفسه مع شهوات النفس، واسترسلت في ذلك، أن يُنَغِّصها عليه، ويُكدِّرها، لئلا يميل معها كل الميل،
ومن لطيف لطف الله بعبده:
أنْ يَأْجُرَهُ على أَعْمَالٍ لَمْ يَعْمَلْهَا، بَلْ عَزَمَ عَلَيْهَا، فَيَعْزِمَ عَلَى قُرْبَةٍ مِنَ القُرَبِ، ثُمَّ تَنْحَلَّ عَزِيمَتُهُ لِسَبَبٍ مِنَ الأَسْبَابِ، فَلا يَفْعَلَهَا، فَيَحْصُلَ لَهُ أَجْرُهَا، وَقَدْ عَلِمَ تَعَالَى أَنَّهُ لا يَفْعَلُهَا، سَوْقًا لِبِرِّهِ لِعَبْدِهِ وَإِحْسَانِهِ بِكُلِّ طَرِيقٍ.
<< مَن هَمَّ بحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها، كُتِبَتْ له حَسَنَةً، ومَن هَمَّ بحَسَنَةٍ فَعَمِلَها، كُتِبَتْ له عَشْرًا إلى سَبْعِ مِئَةِ ضِعْفٍ، ومَن هَمَّ بسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها، لَمْ تُكْتَبْ، وإنْ عَمِلَها كُتِبَتْ.>> مسلم
وَمِنْ لُطْفِ اللَّهِ بِعَبْدِهِ: أَنْ يُجْرِيَ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا مِنَ المَنَافِعِ وَخَيْرًا لِغَيْرِهِ، فَيُثِيبَهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ، فَمَنْ غَرَسَ غَرْسًا، أَوْ زَرَعَ زَرْعًا، فَأَصَابَتْ مِنْهُ إِنْسَانًا أَوْ حَيَوَانًا أَوْ طَيْرًا، آجَرَ اللَّهُ صَاحِبَهُ وَهُوَ لا يَدْرِي.
أيها الإخوة،
الله لطيف بعباده: يَلطُفُ بهم في أقداره، وأفعاله، وتدابيره، فهو البر بهم، والرؤوف بحالهم، يلطف بهم من حيث لا يعلمون، ويُهيئ مصالحهم من حيث لا يشعرون، ويرزقهم من حيث لا يحتسبون، ويحفظُهم بالليل وهم نائمون، وبالنهار وهم يلْهَوْن ويلعبون، ويرأف بهم، ويحلم عليهم.. وهم عن ذكره معرضون،
ومن لطفه بهم، أن يرزقهم إذا افتقروا، ويُغيثُهم إذا قَحَطُوا، ويَشفيهم إذا مَرِضوا، ويغفرُ لهم إذا أذنبوا واستغفروا، ويُمهلهم إذا عصوا،
والله لطيف بهم في شرعه: ومن لطفه بهم في شرعه: اليُسر والتخفيف، قال تعالى:
{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} البقرة ، وقال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا. يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا} النساء وقال تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} المائدة.
ومن لُطْفِ اللهِ بك: أنْ هداك إلى الخير هدايةً لا تَخطرُ ببالك، وقيَّضَ لك كُلَّ سببٍ يحولُ بينك وبين المعاصي، حتى إنه تعالى إذا عَلِمَ أنَّ الدنيا والمال تقطعك عن طاعته، أو تَحْمِلُكَ على الغفلة عنه، أو على معصية صَرَفَها عنك، وقَدَرَ عليك رِزْقَه، ولهذا قال تعالى:
﴿اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ ﴾ بحسب اقتضاء حِكمَتِه ولُطْفِه ﴿وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ﴾ الذي له القوة كلُّها.
ومن لُطْفِ اللهِ
وإحسانه إليهم، تدبيره أمر عباده، وحفظه لهم من مكر أعدائهم، قال تعالى:
{وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} إبراهيم،
فأعداؤك يمكرون بك بما لا تعلمه وعندهم من الأسباب ما لا تملكه، فكيف تدفع مكرًا لا تعلمه ولا تملك ردَّه إن علمته؟!
فيأتيك من الله لطفٌ وحفظٌ وتدبيرٌ يدفع عنك كيدًا لم تكن تعلمه، ولا تملك له ردًا إن علمته،
ولكن الله العليم الحكيم بتدبيره، يَعِدُ عباده بذلك ويختار هو سبحانه وتعالى كيفية ذلك وزمانه ومكانه، قال تعالى:
{وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ} [الأنفال:7].
والعبد قد يريد النصر سهلًا وسريعًا، والله يريد بحكمته في تأخير ذلك أحيانًا من الخير العظيم.
فكلما طال الطريق، وبعُدَت الشقة واشتد الأمر، خرج من الطريق كل مخادع وكل مثبط، قال تعالى:
{إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـٰؤُلَاءِ دِينُهُمْ ۗ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} الأنفال.
والله تعالى يحب أن يرى من عباده تفويض الأمرِ إِليه، مع بذل الوُسع، فهم يردُّون الأمر إِلى علم الله الذى يعلم ولا يعلمون، ولو أصابهم مع ذلك ما يكرهون، قال تعالى:
{وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} البقرة.
******************
الدعاء
"اللَّهُمَّ يَا ذَا الْمَنِّ وَلَا يُمَنُّ عَلَيْكَ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالإِكْرَامِ، يَا ذَا الطَّوْلِ وَالإِنْعَامِ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، ظَهْرَ اللَّاجِئِينَ، وَجَارَ الْمُسْتَجِيرِينَ، وَأَمَانَ الْخَائِفِينَ،
اللَّهُمَّ بَلِّغْنَا رَمَضَانَ وَنَحْنُ فِي أَحْسَنِ حَالٍ، وَارْزُقْنَا فِيهِ الْقُرْبَ مِنْكَ وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ، وَاغْفِرْ لَنَا خَطَايَانَا وَاعْفُ عَنَّا.
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ صُوَّامِهِ وَقُوَّامِهِ، وَمِنَ الْمَقْبُولِينَ فِي هَذَا الشَّهْرِ شالْكَرِيمِ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ رَمَضَانَ خَيْرًا لَنَا، وَبَلِّغْنَا و إخواننا في غزّة فَرْحَةَ الْعِيدِ بِرِضَاكَ و نصرك وَمَغْفِرَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين. اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك. اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين . اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً ، وسائر بلاد المسلمي
اللَّهُمَّ إِنْ كُنَّا كَتَبْتَنا عِنْدَكَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ أشقياءأَوْ مَحْرُومين، فَامْحُنِا وَاكْتُبْنِا عِنْدَكَ سُعداء مَرْزُوقين مُوَفَّقين لِلْخَيْرِ"
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire