التحايل على أحكام الله-12/12/2025
بسم الله الرحمن الرحيم
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ هُدًى لِلنَّاسِ، وَجَعَلَ شَرِيعَتَهُ مَصْدَرَ نُورٍ وَرَحْمَةٍ وَعِزٍّ وَكَرَامَةٍ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلٰهَ إِلَّا اللَّهُ، شَهَادَةً نَرْجُو بِهَا النَّجَاةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،
وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَدَّى الْأَمَانَةَ، وَنَصَحَ الْأُمَّةَ، وَكَشَفَ الْغُمَّةَ، وَتَرَكَ النَّاسَ عَلَى الْمَحَجَّةِ الْبَيْضَاءِ.
اَللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اتَّبَعَهُدَى.
******************
أيها الإخوة،
إِنَّ الْإِسْلَامَ دِينٌ قَائِمٌ عَلَى الصِّدْقِ وَالنِّيَّةِ وَالْإِخْلَاصِ، وَمَا نَهَى الشَّرْعُ عَنْهُ فَهُوَ لِحِكْمَةٍ يَعْلَمُهَا اَللَّهُ، وَمَا أَمَرَ بِهِ فَهُوَ خَيْرٌ خَالِصٌ، وَنُورٌ بَيِّنٌ.
ومن أخطر ما يضرُّ بالأفراد والمجتمع، ويُفسِد القلوب والنوايا:
الإحتِيالِ على الأحكامِ الشرعية، وهو: القيامُ بِعَمَلٍ ظاهِرُهُ الجوازُ والصِّحَّةُ، والمَقْصودُ منهُ الوُصولُ إلى عَمَلٍ مُحَرَّم.
-اظهارالطاعة و إخفاء المعصية،
-تغييرالأسماء و ترك الحقائق الفاسدة على حالها، فيصير المحرَّم مباحًا بصورةٍ خادعة، لا يرضاه الله.
و هذا ذنْبٌ كبير, وسَبَبٌ لِنِقْمَةِ اللهِ على فاعِلِه في الدنيا والآخرة:
فالأصل أن تؤتى أحكام الله بكلّ خضوع و محبّة...
و محبّة هذه الأحكام من محبّة مشرّعها:
[[إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ]] النور51
هذه الآية هي ردّ على المنافقين:
يقولون قولاً بألسنتهم
{ ويقولون آمنا باللّه وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك} النور 47
أي يخالفون أقوالهم بأعمالهم فيقولون ما لا يفعلون، ولهذا قال تعالى: { وما أولئك بالمؤمنين} ،
واشْتَهَرَ هذا الذَنْبُ القَبيحُ عن اليهود. فمَن فَعَلَه مِنْ هذِه الأُمَّةِ فقد تَشَبَّهَ بِهِم، وَوَقَعَ في ذَنْبٍ عُقُوبَتُه مُعَجَّلَةٌ في الدنيا قبل الآخِرة.
1/ قصةُ أصحابِ السبت، وَهُمُ اليهود, قال تعالى:
( وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ) البقرة65.
وهذه القِصَّةُ تَدلُّ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْمَقَاصِدِ وَالْمَعَانِي، لَا بِالأَلْفَاظِ وَالصُّوَرِ الخَالِيَةِ.
2/ مع اليهود -: تَحْريمُ الشُّحومِ على بني إسرائيل، حَيْثُ أذابُوها, ثُمَّ باعُوها، وقالوا: ما بِعنا شحماً، وإنما بِعنا دُهناً.
قال رسول اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم:
( قاتَلَ اللهُ اليهودَ ! إنَّ اللهَ عز وجل، لما حرَّمَ عليهمُ الشحومَ، جمَلوهُ ثم باعوهُ، فأكلوا ثمنَهُ) متفق عليه.
«جَمَلُوه»، أي: أذابُوا هذه الشُّحومَ..
-التَّحَايُلُ عَلَى الرِّبَا.
- وَحَرَّمَ بيعَ العِينَةِ ( بيوع الآجال)لأنه تَحايُلٌ على الربا. وَيَدْخُلُ في ذلك كُلُّ ما كانَ في مَعناها.
مِنْ أَشْهَرِ ذَلِكَ أَنْ يُسَمِّي النَّاسُ الْقَرْضَ الرِّبَوِيَّ "مُعَامَلَةً تِجَارِيَّةً" أَوْ " المرابحة المَصْنُوعة للتحايُل على القرض الربوي، لا المرابحة الصحيحة."،
وَالْحَقُّ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْحَقِيقَةِ لَا بِالتَّسْمِيَاتِ.
وقد قرَّر الأئمّة –ومنهم النووي والغزالي والنسفي– أنّ الرِّبَا لا يَتَغَيَّر بِتَغَيُّرِ اسْمِهِ.
-الْتَّهَرُّبُ مِنَ الزَّكَاةِ
فَقَدْ حَرَّمَ النبي صلى اللهُ عليه وسلمَ الإحتيالَ هروباً مِنَ الزكاة،
كَمَنْ يُظْهِرُ عَلَيْهِ دَيْنًا صُورِيًّا قُبَيْلَ الْحَوْلِ لِيُسْقِطَ الزَّكَاةَ، أَوْ يَخْفِي مَالَهُ.
وقد قالَ العُلَمَاءُ: "كُلُّ حِيلَةٍ أَدَّتْ إِلَى إِسْقَاطِ حَقٍّ وَاجِبٍ فَهِيَ مُحَرَّمَةٌ"
أيها الإخوة،
إِنَّ الْحِيلَةَ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ لَا تُسْقِطُ الْحَرَامَ، وَلَا تُعْطِي الْحَلَالَ، وَلَا يَنْجُو بِهَا الْمَرْءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى، وَهُوَ الَّذِي يَطَّلِعُ عَلَى النِّيَّاتِ وَالدَّوَاخِلِ.
********
إِنَّ مِنْ أَسْبَابِ السَّلَامَةِ مِنْ آفَةِ التَّحَايُلِ عَلَى الشَّرِيعَةِ:
1. تَعْظِيمُ اللَّهِ وَمُرَاقَبَتُهُ
فَمَنْ عَظُمَ فِي قَلْبِهِ رَبُّهُ لَمْ يَسْتَجِرْ بِالْحِيلَةِ وَلَا بِالْمَخْرَجِ الْفَاسِدِ.
قصّة:
قصة الإمام الجديد وسائق الحافلة
انتقل إمامٌ شاب اسمه مصعب إلى حيٍّ صغير في دولةٍ أوروبية ليتولى إمامة مسجدٍ هناك. وفي يومه الأول، ركب الحافلة متجهًا إلى المركز الإسلامي للتعرّف على أهل الحي.
دفع الإمام ثمنَ التذكرة، فناولَه السائقُ الباقي. جلس في مقعده، فنظر إلى ما في يده، فإذا بالسائق قد أعطاه زيادة عشرين سنتًا دون قصد.
قال في نفسه:
"مبلغ صغير… ولن يلاحظ السائق… وأنا مسافرٌ جديد…"
لكن سرعان ما تحرّك في قلبه خاطرٌ آخر:
"أهذا أول ما أُقابل به ربّي في هذا الحي؟! أأبدأ إمامتي بأخذ ما ليس لي؟"
ظلّ يفكّر طوال الطريق، حتى إذا قَربت الحافلة من المحطة التي سينزل عندها، قام، وذهب إلى السائق، وقال له:
"يا سيدي، لقد أعطيتني زيادةً في الباقي، ها هي."
ابتسم السائق ابتسامةً واسعة، وقال:
"كنت أعلم… أردتُ أن أختبرك. سمعتُ أن إمامًا جديدًا جاء إلى حينا، وقلتُ لنفسي:
> هل يكون صادقًا كما يقولون عن أئمتكم؟"
ثم أضاف السائق وهو يشير إلى لوحة المسجد القريبة من النافذة:
"كنتُ أفكر منذ مدة في زيارة هذا المسجد والتعرف على الإسلام…
> واليومَ قررتُ أن أذهب."
نزل الإمام من الحافلة وهو يرتجف، وقال في نفسه:
> "يا ربّ… كدتُ أبيعُ ديني بعشرين سنتًا!"
ومنذ ذلك اليوم، صار الإمام يحدّث الناس قائلًا:
"ليست القضية في عشرين سنتًا… بل في قيمةٍ تُباع أو تُشترى.
ومن عظُم ربُّه في قلبه، لم يَستجِرْ بالحيلة ولا بالمخرج الفاسد."
2. فَهْمُ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ.
فَإِذَا عَلِمَ الْمُسْلِمُ أَنَّ الْحُكْمَ سِتْرٌ وَرَحْمَةٌ، رَضِيَ وَاسْتَقَامَ.
3. طَلَبُ الْعِلْمِ الصَّحِيحِ
وَهٰذَا دَأْبُ أَهْلِ السُّنَّةِ ـ الْأَشَاعِرَةِ وَالْمَاتُرِيدِيَّةِ ـ إِذْ يُقَرِّرُونَ أَنَّ الْأَحْكَامَ تَدُورُ مَعَ مَقَاصِدِهَا.
4. مُحَاسَبَةُ النَّفْسِ
فَالنَّفْسُ أَمَّارَةٌ بِطَلَبِ الْمَخْارِجِ، وَأَهْلُ التُّقَى يُجَاهِدُونَهَا.
5. الصُّحْبَةُ الصَّالِحَةُ
فَهُمُ الَّذِينَ يُذَكِّرُونَ إِذَا نُسِيتَ، وَيُقَوُّونَ إِذَا ضَعُفْتَ.
***********************
الدُّعَـــــــــاء
اَللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ يَعْظِّمُونَ حُدُودَكَ، وَيَقِفُونَ عِنْدَ أَمْرِكَ وَنَهْيِكَ.
اَللَّهُمَّ طَهِّرْ قُلُوبَنَا مِنَ الرِّيَاءِ وَالْخِدَاعِ، وَنُفُوسَنَا مِنَ الْحِيَلِ وَالالْتِوَاءِ.
اَللَّهُمَّ ارْزُقْنَا الْحَلَالَ الطَّيِّبَ، وَبَارِكْ لَنَا فِيهِ، وَاجْنِبْنَا الْحَرَامَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهِ.
اَللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَالَ الْمُسْلِمِينَ، وَافْتَحْ لَهُمْ أَبْوَابَ الْخَيْرِ وَالرَّحْمَةِ.
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا، هَنِيئًا مَرِيئًا، سَحًّا عَمِيمًا، عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ، نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ.
اللَّهُمَّ اسْقِنَا الغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ القَانِطِينَ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا رَحْمَةً، وَلَا تَسْقِنَا عَذَابًا وَغَرَقًا وَهَدْمًا.
اللَّهُمَّ اسْقِ بِلَادَنَا وَبُلْدَانَ المُسْلِمِينَ، وَأَحْيِ بِلَاَدَكَ المَيْتَةَ، وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ لَنَا قُوَّةً وَبَلَاغًا إِلَى حِينٍ.
اللَّهُمَّ اسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ، وَأَخْرِجْ لَنَا خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا فِي الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ وَالأَنْعَامِ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا، وَارْفَعْ عَنَّا بَلاءَنَا، وَلَا تُؤَاخِذْنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ غَيْثًا رَحْمَةً، وَنُعُوذُ بِكَ مِنْ غَيْثِ السُّوءِ.
اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَكَ وَبَهَائِمَكَ، وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ، وَأَحْيِ بَلَدَكَ المَيِّتَ.
.
---
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire