بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله العزيز العليم، غافر الذنب وقابل
التوب، شديد العقاب ذي الطول، لا إله إلا هو، إليه المصير، هو ربي لا إله إلا هو
عليه توكلت وإليه متاب. أحمده سبحانه على عافيته العظيمة، ونعمه الكريمة، وآلائه
الجسيمة، التي تتجدد كل آن في الأبدان والأوطان .
وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له في ذاته
وصفاته وأفعاله، فلا يغيِّرُ ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وإذا أراد الله
بقوم سوءاً فلا مرد له، وما لهم من دونه من وال، هو الذي يريكم البرق خوفاً
وطمعاً، وينشئ السحاب الثقال، ويسبح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته، ويرسل
الصواعق، فيصيب بها من يشاء، وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الذي حذّر أمته
الذنوب، وبيَّن عظيمَ خطرها على الأبدان والقلوب، وأنها تُزيل النِّعم عن العباد،
وتورث أنواع الفساد، وتحل النقم والمصائب في البلاد، وما ينطق عن الهوى إن هو إلا
وحي يوحى. صلى الله وسلم عليه وعلى آل بيته
الطيبين الطاهرين، وزوجاته أمهات المؤمنين، وخلفائه الراشدين وعموم صحابته الأئمة
المهديين.
أيّها الإخوة ، احذروا شؤم المعاصي، فإنه ما من شر ولا بلاء ينزل بالناس أفراداً كانوا أو جماعات، إلا وسببه الذنوب والمعاصي ...الغيث، غلاء المعيشة، الأمراض، صعوبة الحياة، قلّة الضحك...
أيّها الإخوة،
من طبيعة الإنسان
الوقوع في الخطأ والذنب, كما في الحديث:
"
كل بني آدم خطاء, وخير الخطّائين التوابون". (الترمذي وابن ماجه
والحاكم وصححه(
لكن لا حُجَّة له في ذلك, ولا مبرر للاستمرار في الذنب, بل إنه مأمور بتصحيح خطئه. والجملة الثانية من الحديث ترشده إلى طريق الخلاص وتفتح له باب الأمل" وخير الخطائين التوابون". وكذلك قول الله سبحانه:
لكن لا حُجَّة له في ذلك, ولا مبرر للاستمرار في الذنب, بل إنه مأمور بتصحيح خطئه. والجملة الثانية من الحديث ترشده إلى طريق الخلاص وتفتح له باب الأمل" وخير الخطائين التوابون". وكذلك قول الله سبحانه:
{إِنَّ
اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}
**********************
لكن قبل الحديث عن المعاصي و التوبة، هناك
معانٍ دقيقة ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام تتعلق بإنسان لم يرتكب ذنباً،
ولكن أخاه ارتكب الذنب، فقال عليه الصلاة والسلام:
<<
الذنب شؤم على غير
فاعله، إن عيّره ابتلي به، وإن اغتابه أثم، وإن رضي به شاركه>> [ أخرجه الديلمي في مسند الفردوس عن أنس ]
أنت لم تفعل الذنب، لكن أخاك الذي فعل الذنب،
لو أنك قلت: فلان فعل كذا! أيجوز أن
يفعل هذا؟
1/ إذا
شهرت به، وطعنت في استقامته،
وجعلته مضغة في الأفواه، فأنت قد اغتبته بهذه الطريقة، فجاءك من ذنبه شؤم، فقد أكلت
لحم أخيك...
*********************
2/ أما إذا قلت:
<<
والله فعل ما ينبغي أن يفعل >>
فقد رضيت له الذنب، وقد
قال العلماء: لو غبت عن معصية فرضيتها كنت كمن شهِدها، فلم تُنكرها،
فمن غاب عن الذنب ورضيه كان كمن شهده و لم ينكره،
ومن شهد ذنباً فأنكره كان كمن غاب عنه ...هذا من شؤم معصية الغير.
3/ وحينما تُعيّره تُبتلى به ...
جاء في الأثر:<<
من عيَّرَ أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله >>
<< لا تسخر
من عيب في اخيك فيعافيه الله ويبتليك
>>
ابن
القيم في مدارج السالكين: يريد أن تعييرك لأخيك بذنبه أعظم إثما من ذنبه، وأشد من معصيته، لما
فيه من صولة الطاعة وتزكية النفس وشكرها والمناداة عليها بالبراءة من الذنب، وأن
أخاك باء به، ولعل كسرته بذنبه وما أحدث له من الذلة والخضوع والإزراء على نفسه
والتخلص من مرض الدعوى والكبر والعجب ووقوفه بين يدي الله ناكس الرأس خاشع الطرف
منكسر القلب أنفع له وخير من صولة طاعتك وتكثرك بها والاعتداد بها والمنة على الله
وخلقه بها، فما أقرب هذا العاصي من رحمة الله، وما أقرب هذا المدل من مقت الله،
فذنب تذل به لديه أحب إليه من طاعة تدل بها عليه، وإنك أن تبيت نائما وتصبح نادما
خير من أن تبيت قائما وتصبح معجبا، فإن المعجب لا يصعد له عمل، وإنك أن تضحك وأنت
معترف خير من أن تبكي وأنت مدل، وأنين المذنبين أحب إلى الله من زجل المسبحين
المدلين.
فلم أرتكب الذنب ليس لأنّي ذكيّا و لا لأنّي عالما
بالشريعة...فهناك أذكى مني يرتكب أكبر الذنوب، وهناك من له ثقافة دينة واسعة يرتكب الذنب ...و لكنّها رحمة من ربّي سبحانه و تعالى
يمنّ بها على من يشاء،.
كان عليك أن تشكر
الله عزّ وجلّ أنّه نجّاك من هذا الذنب و وحّد الله...
تفسير لا
حول ولا قوة إلا بالله
معناها: << لا حول عن معصية الله
إلا بعِصمة الله، ولا قُوَّة على طاعة الله إلا بعون الله>> أخرجه
ابن النجار عن ابن مسعود
ألا نقول نحن في
الفاتحة كل يوم في أثناء صلواتنا:﴿
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾
ألم يقل سيدنا يوسف
عليه السلام:
﴿ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ
﴾
[ سورة يوسف الآية : 33]
إذاً لا حول عن
معصيته إلا به، ولا قوة على طاعته إلا به.
1/ كان ينبغي عليك أن تنصحه بينك وبينه،
لا على ملإ من الناس
2/ وحينما يرتكب أخوك ذنباً فينبغي ألا ترضى به، إن رضيت به شاركته في الإثم، لو أنه كسب مالاً حرامًا فلا ينبغي
أن تقول: نِعمَ ما فعل،
[[ فَخَرَجَ
عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا
يا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ* وَقَالَ
الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ
وَعَمِلَ صَالِحاً وَلاَ يُلَقَّاهَآ إِلاَّ الصَّابِرُونَ ]]القصص.
إذا دخلت على غنيّ و رأيت
ما فيه من بذخ ...و أُعجبت بحاله و لم تستنكر ... فقد شاركته..
لو غبت عن معصية
فرضيتها كنت كمن شهِدها، فلم تُنكرها،
3/ ولو أنه ارتكب ذنباً
فعيّرته، واحتقرته، كيف تفعل
هذا؟ أفأنت معصوم؟ أسال الله عز وجل أن يحفظك من هذا.
سيدنا عمر بلغه أنّ1 أحد أصحابه شرب الخمر وسافر إلى الشام، أرسل له كتابًا فيه:
"أمّا بعد؛ فإني أحمد الله إليك، غافرِ الذنب، قابل التوب، شديد العقاب/،
فقرأ صاحبه الكتاب وصار يبكي، حتى حَملَه هذا الكتاب على التوبة، فقال رضي الله
عنه: هكذا اصنعوا بأخيكم إذا ضل، لا تكونوا عوناً للشيطان عليه، ولكن كونوا
عوناً له على الشيطان".
**********************
<<
الذنب شؤم على غير فاعله، إن عيّره ابتلي به، وإن اغتابه أثم، وإن رضي به
شاركه>>
فكيف
بالذي ارتكبه؟
لا بد من أن تعرف نفسك ـ لا سمح الله ولا قدر ـ من أي العصاة أنت ؟ هناك من يعصي الله ويندم، هناك من يعصي الله ويبكي، هناك من يعصى
الله، ويتمنى ألا يعصي الله، هذا اسمه عند علماء القلوب: المغلوب، غلبته نفسه،
هناك من يعصي الله ويصرُّ، هناك من يعصي الله ويتباهى، هناك من يعصي الله ويذكر
هذا للناس، هناك من يعصي الله وهو في قمة نشوته، هناك من يعصي الله ويتمنى أن
يعصيه كل يوم، يجب أن تحدد من أنت؟ من أي العصاة أنت؟
سيدنا آدم عصى ربه،
لكن:
﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ
فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ﴾
طه
غلب على المعصية، فغفر
الله له،
أما إبليس فعصى:
﴿ قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ
خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ﴾
الحجر
فمعصية الشيطان معصية
كبر واستعلاء، واعتداد بالمعصية، ومعصية آدم معصية غلبة وضعف ، لذلك قال تعالى:﴿ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ﴾
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ
ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ
يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ
يَعْلَمُونَ ﴾
آل عمران .
ابن القيّم:
" الفرح بمعصية الله عز وجل دليل على شدة الرغبة فيها، والجهلِ لقدر من
عصاه، والجهلِ لسوء عاقبتها، وعِظم خطرها، ففرحه بها غطّى علي ذلك كله، وفرحه بها
أشد ضرراً عليه من مواقعتها، الفرح بالذنب أخطر من وقوع الذنب نفسه، والمؤمن لا
تكون له لذة بمعصية أبداً، ولا يكبر بها فرحه، بل لا يباشرها إلا والحزن مخالط
لقلبه، ومن خلي قلبه من هذا الحزن، واشتدت غبطته وسروره به فليتَّهم إيمانه،
وليبكِ على موت قلبه، فإنه لو كان حياً لأحزنه ارتكاب الذنب، وغاظه، وصعب عليه،
﴿إِنَّمَا
ٱلتَّوۡبَةُ عَلَى ٱللَّهِ لِلَّذِینَ یَعۡمَلُونَ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَـٰلَةࣲ ثُمَّ
یَتُوبُونَ مِن قَرِیبࣲ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ یَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَیۡهِمۡۗ وَكَانَ ٱللَّهُ
عَلِیمًا حَكِیمࣰا﴾ [النساء ١٧]
[[ كَتَبَ رَبُّكُمۡ عَلَىٰ نَفۡسِهِ
ٱلرَّحۡمَةَ أَنَّهُۥ مَنۡ عَمِلَ مِنكُمۡ سُوۤءَۢا بِجَهَـٰلَةࣲ ثُمَّ تَابَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَصۡلَحَ فَأَنَّهُۥ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ ]] الأنعام
روى البيهقي في شعب الإيمان عن ابن سماك
قال: أصبحت الخليقة على ثلاثة أصناف: صنف من الذنب تائب، موطن لنفسه على هجران
ذنبه، لا يريد أن يرجع إلى شيء من سيئته، هذا المبرز، وصنف يذنب ثم يندم، ويذنب
ويحزن، ويذنب ويبكي، هذا يرجى له، ويخاف عليه، وصنف يذنب، ولا يندم، ولا يحزن،
ويذنب ولا يبكي، فهذا الكائن الحائد عن طريق الجنة إلى النار .
إنسان ارتكب الذنب مرة واحدة، وتاب توبة نصوحًا، هذا الآمن، وإنسان ارتكب الذنب، ثم عاد إليه، هذا يُخاف عليه، لكن الله يقبله، وإنسان يرتكب الذنب، ولا يتأثر، ولا يندم ولا يتوب إلى الله فهذا انتقل من الجنة إلى النار.
إنسان ارتكب الذنب مرة واحدة، وتاب توبة نصوحًا، هذا الآمن، وإنسان ارتكب الذنب، ثم عاد إليه، هذا يُخاف عليه، لكن الله يقبله، وإنسان يرتكب الذنب، ولا يتأثر، ولا يندم ولا يتوب إلى الله فهذا انتقل من الجنة إلى النار.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire