mercredi 26 novembre 2025

سَبْعَة يظِلُّهمُ الله-28/11/2025

 بسم الله الرحمن الرحيم

 الحَمْدُ لِلَّهِ المَلِكِ الدَّيَّانِ، الرَّحِيمِ الرَّحْمٰنِ، الَّذِي خَلَقَ الخَلْقَ لِحِكْمَةٍ، وَابْتَلَاهُمْ لِيُمَيِّزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ، 

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةً تَنْفَعُ قَائِلَهَا يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ رَبُّهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ، بَشِيرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا.

******************

أَيُّهَا الإِخْوَةُ المُؤْمِنُونَ،

فَإِنَّ مَنْهَجَ القُرْآنِ العَظِيمِ قَائِمٌ عَلَى الجَمْعِ بَيْنَ البِشَارَةِ وَالنَّذَارَةِ؛ 

يُفْتَحُ أَبْوَابَ الأَمَلِ بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَجَنَّتِهِ، وَيُوقِظُ القُلُوبَ بِذِكْرِ غَضَبِهِ وَعُقُوبَتِهِ. 

فَالْمُؤْمِنُ الصَّادِقُ لَا يَعِيشُ عَلَى الرَّجَاءِ وَحْدَهُ فَيَغْتَرَّ، وَلَا عَلَى الخَوْفِ وَحْدَهُ فَيَقْنَطَ، 

بَلْ يَسِيرُ إِلَى اللَّهِ بِقَلْبٍ يَجْمَعُ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:

﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغَفُورُ الرَّحِيمُ ۝ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ العَذَابُ الأَلِيمُ﴾.

وَقَالَ جَلَّ شَأْنُهُ فِي وَصْفِ رَسُولِهِ ﷺ:

﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾.

*****************

عِبادَ الله:يقولُ سبحانه:{ أَلَا يَظُنُّ أُوْلَٰٓئِكَ أَنَّهُم مَّبۡعُوثُونَ (4) لِيَوۡمٍ عَظِيمٖ (5) يَوۡمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ }المطففين.


في ذاتِ يومٍ تلا النبيُّ ﷺ هذه الآيةَ، ثمَّ قال: 

«كَيْفَ بِكُم إذا جَمَعَكُمُ اللهُ كَما يُجْمَعُ النَّبْلُ في الكِنَانَة خَمسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ لا يَنْظُرُ إِلَيْكُم»المستدرك .

يومُ القيامةِ، يومٌ عظيمٌ، مليءٌ بالأهوالِ العِظامِ، يقومُ الناسُ فيه لربِّ العالمينَ.


يقول النبيُّ ﷺ: «يَجْمَعُ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ قِيَامًا أَرْبَعِينَ سَنَةً، شَاخِصَةً أَبْصَارُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ يَنْتَظِرُونَ فَصْلَ الْقَضَاءِ»صحيح الترغيب


و يَقُولُ النبيُّ ﷺ كما جاء  في صحيح مسلم : «تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ، حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ، فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ (يعني خاصِرتيه)، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا» 

قَالَ: وَأَشَارَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِيَدِهِ إِلَى فِيه (يعني فمه)

هذا،

إلَّا أنّ أقوامًا منَّ اللهُ عليهم بالظِّلالِ، هم فيها آمنونَ، ..مَن أصحابُ الظِّلِّ يومَ القيامةِ؟


لنسمع أيها الإخوة ما يقوله نبينا محمد صلى الله عليه و سلم حتى نُعِدَّ ظِلَّنا يومَ القيامةِ، لنخترْ لنا ظُلَّةً من عملٍ صالحٍ في يومٍ لا ظلَّ فيه إلَّا ظلُّ الرحمن.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

<< سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ إِمَامٌ عَادِلٌ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ فِي خَلَاءٍ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسْجِدِ وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ إِلَى نَفْسِهَا قَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا صَنَعَتْ يَمِينُهُ   >>البخاري


«سَبْعَة يظِلُّهمُ الله في ظِلِّهِ يوم لا ظِلَّ إلا ظِلُّه» 

أيها الإخوة، الدنيا شيء، والآخرة شيء آخر، 

الإنسان في الدنيا قد يستمتع بالمال، قد يستمتعُ بالجاه، قد يتقوى بأهله قد يتقوى بسلطانه، 

قد ينغمس في ملذاته، إلا أنه يوم القيامة:

«لا ظِلَّ إلا ظِلُّه»، 

في الدنيا الإنسان قد يستظل بأشياء كثيرة، وهو غافل عن الله، إلا أن يوم القيامة: 

«لا ظِلَّ إلا ظِلُّه»..

فسّر علماء الحديث هذا الظل بأنه رحمةُ الله، وكنفه (صونه وحفظه وإحاطته). 

مَنْ هؤلاء السبعة؟

لهؤلاءِ السَّبعةِ قاسِمٌ مشترك، ألا وهو أنَّهم معَ قوَّةِ الدَّاعي إلى المعصيةِ، وتحقُّقِ أسبابِها، جاهدوا أنفسَهم أعظمَ الجهادِ، وخالفوا أهواءَهم، بإيمانِهم ومحبَّتِهم لربِّهم وخوفِهم من مقامِهم بين يديه، حتَّى استقاموا على الطاعةِ، وأدَّوها على أحسنِ ما يكونُ، مخلِصينَ فيها لربِّ العالمينَ.

1.الإمام العادل:

العلماء قالوا: الإمام العادل الذي يتولى أمور المسلمين، ويرعى مصالحهم، وينظرُ فيما يسعدهم، ويرفعُ من شأنهم، ويسير على منهج الحق والعدل، ينتصف للمظلوم من الظالم، يقيمُ أوامر الله، يدعو الناس إلى العمل بكتاب الله، لا يخشى الضعيفُ من جوره، ولا يطمع القويُّ في جاهه، الحزم دَيدنُه، والحقُّ مَطلبُه…


النبيُّ ﷺ يقول: «إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا» مسلم

يدخل فيه كلُّ من وُلِّي شيئا من أمور المسلمين.

أحيانا يكون موظفا في دائرة، إن لم يرعَ مصالحهم، إن لم ينصحهم، إن لم ييسر أمورهم، إن لم يأخذ بيدهم إلى مصلحتهم في الدنيا والآخرة له عند الله حساب خاص،

هذا الذي يستغل منصبه ليبتزَّ أموال الناس، هذا الذي يُعقِّدُ الأمور ليحقق لمصالحه الشخصية، هذا الذي يضع العقبات أمام تحقيق منافع الناس، له عند الله عقاب خاص،  

 كلُّ حركة تتحرَّكها، كلُّ تعقيد تعقُده، كلُّ إيهام توهمه، يوم القيامة له حسابٌ عسيرٌ .

الإمام العادل ينطبق على أية وظيفة تتعلق بمصالح المسلمين

      

لذلك الإمامُ العادلُ ورد في بعض الأحاديث: «إنَّ من إِجلالِ اللهِ إِكرامَ ذي الشَّيْبَة المسلم وحاملِ القرآنِ غيرِ الغالي فيه ولا الجافي عَنهُ وإِكرامَ ذي السلطانِ المُقْسِط».


[[ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ]] النّساء


<< سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ إِمَامٌ عَادِلٌ..>>

قدّم في الحديث الإمام العادل لعموم النّفع، فبدونه لا ترتاح النّفوس و لا تطمئنّ و لا تزدهر الحياة.

لا شيء أبعث للشقاء و الفتن كالجور..

[[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) ]] المائدة

**********

عن عائشة أم المؤمنين  أنَّ رجلاً مِنْ أصْحابِ رسولهِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جلسَ بينَ يديْهِ، فقال:


يا رسولَ الله! إنَّ لي مَمْلوكِين يكذِّبونَني وَيخونونني وَيعْصونَني، وأضْرِبُهم وأشْتُمهمْ، فكيفَ أنا منهم؟ فقالَ له رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

<< يُحسَبُ ما خانُوك وعَصَوكَ وكذَّبُوك وعِقابُك إيَّاهُم ، فإنْ كان عِقابُك إيَّاهُم دُونَ ذُنُوبِهمْ ؛ كان فَضْلًا لكَ ( عليهِم ) وإنْ كان عِقابُك إيَّاهم بقدرِ ذُنوبِهمْ ؛ كان كَفَافًا ولا لكَ ولا عليكَ ، وإنْْ كان عِقابُك إيَّاهُم فَوقَ ذُنُوبِهِمُ اقْتُصَّ لهمْ مِنكَ الفَضلُ الذِي بَقِيَ قِبَلَكَ>>

فجَعلَ الرجلُ يبْكِي بين يَدَيْ رسولِ اللهِ ويَهتِفُ فقال رسولُ اللهِ <<مالَكَ؟ ما تَقرأُ كتابَ اللهِ>>

[[ ونَضَعُ الموازِين القِسطَ ليومِ القيامةِ فلا تظلمُ نفسٌ شيئًا وإن كان مثقالُ حبةٍ من خردلِ أتينا بها وكفى بنا حاسِبين]] ؟ (الأنبياء)

فقال الرجلُ يا رسولَ الله ! ما أجِدُ شيئًا خيرًا من فِراقِ هؤلاءِ – يعني عَبِيدَهُ ( إنِّي ) أُشْهِدُكَ أنَّهم كلَّهم أحْرَارٌ.(صحيح الترغيب - الترمذي)  

*****************

2.<< سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ إِمَامٌ عَادِلٌ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ

شاب نشأ على تقوى الله عز وجل، على عبادة الله عز وجل، يحب الله ورسوله منذ صغره، أينعت ثمرة الإيمان في قلبه، يراقب الله عز وجل، لم يمشِ في دناءة، لم تغلبه شهوته، لم يخضع لنزوته.


فهذا الشاب الذي نشأ في طاعة الله، إن الله ليباهي به الملائكة.

«إنَّ اللهَ لَيَعجَبُ مِنَ الشابِّ ليست له صَبْوةٌ» حسن 

-أي  الميل إلى الهوى أو اللهو-

صبوته طاعة الله، صبوته طلب العلم، صبوته خدمة الخلق، بين الشاب المطيع وبين الشيخ المطيع بونا شاسعا.


« ورد في الأثر: << أحبُّ ثلاثًا، وحبي لثلاث أشد، أحب الطائعين، وحبي للشاب الطائع أشدُّ، ..

وكرهي لثلاث أشد: أكره العصاة، وكرهي للشيخ العاصي أشدُّ،»

أيها الإخوة،

الإنسان كلما بكّر في طاعة الله شكّل حياته تشكيلا إيمانيا، والإنسان إذا آمن في وقت مبكر، سيختار زوجة مؤمنة، مسلمة، سيختار عملا شريفا، نبيلا، مسعدا، معطاءً، 

أما إذا كان تأخر في توبته، وشكّل حياته على طريقة لا ترضي الله عز وجل عنده مشكلة كبيرة، مع زوجته، ومع أولاده، ومع حرفته، وألصقُ شيء بحياة الإنسان حرفته، وأولاده، وزوجته..فالله المستعان.

******************

الدعـــــــــــــــــاء

**اللَّهُمَّ يا واسعَ الرَّحمةِ ويا عظيمَ الفضلِ، نسألُك في هذا اليومِ المباركِ أن تجعلَنا ممَّن تُظِلُّهم في ظِلِّكَ يومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّكَ.**

اللهمَّ انصُرِ الإسلامَ وأعزَّ المسلمينَ، وأهلِكِ الصهاينة المجرمين، اللهمَّ وأنزلِ السَّكينةَ في قلوبِ المجاهدينَ في سبيلِكَ في غزّة و فلسطين، ونجِّ عبادَكَ المستضعَفينَ، وارفعْ رايةَ الدِّينِ، بقُوَّتِكَ يا قويُّ يا متينُ.

اللَّهُمَّ نجِّنا من نارِ جهنّم، وما قرَّب إليها من قولٍ أو عمل، وادخِلنا الجنةَ وما قرَّب إليها من قولٍ أو عمل، واغفر لنا ولوالدينا ولمن كان له حقٌّ علينا، ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياءِ منهم والأموات.

اللَّهُمَّ اجمع كلمةَ المسلمين على الهدى والتقوى، واكتب لنا السَّدادَ والرَّشادَ في الأقوالِ والأعمال.

اللّهُمَّ آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلِحْ ذات بيننا و اجعلنا إخوانا فيك متحابين لا ظلمة متناحرين.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

اللهم آمين



jeudi 6 novembre 2025

آخر من يدخل الجنّة

 آخر من يدخل الجنّة. /2013ج ك و ج الحنفية 11/2025

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ للهِ الغفورِ الرحيم، واسعِ الفضلِ والعطاء، الذي كتبَ على نفسِه الرحمة، وفتحَ لعباده أبوابَ التوبةِ والرجاء.

نحمدُه سبحانه ونشكره، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضلِل فلا هاديَ له.

وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شريك له القائلِ في كتابه (..فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ..) آل عمران  وأشهدُ أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه، البشيرُ النذير، والسراجُ المنير، 

صلواتُ ربي وسلامُه عليه وعلى آله وصحبِه أجمعين.

************************

أيها الإخوة، ما هي أرجى آية تبعثُ في النفسِ الرجاءَ وتظهرُ سَعَةَ رحمةِ الله وكرمَه؟

اختلف العلماء في ذلك وهي كثرة، لعل منها: ﴿ ۞ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ الزمر

"الرحمة" في القرآن لفظ مجمل، فكيف يبيّنه حبيبنا محمد صلى الله عليه و سلم؟ 

إذا نظرنا في أحاديثه عليه الصلاة و السلام نسأل:

ما هو أرجى حديثٍ في رحمةِ الله تعالى — أي أكثرُ حديثٍ يبعثُ في النفسِ الرجاءَ ويظهرُ سَعَةَ رحمةِ الله وكرمَه ؟

— قد اختلف فيه العلماء، لكن أكثرهم على أن أرجى حديثٍ في الرجاء والرحمة هو ما رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي ﷺ قال:قال اللهُ تعالى:

«أنا عندَ ظنِّ عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسِه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ ذكرتُه في ملأٍ خيرٍ منهم، وإن تقرَّب إليَّ شبرًا تقرَّبتُ إليه ذراعًا، وإن تقرَّب إليَّ ذراعًا تقرَّبتُ إليه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيتُه هرولةً».

🔹 سبب كونه أرجى حديث:

لأنه يُظهرُ قربَ الله تعالى من عبدِه، وكرمَه في مقابلِ القليل من الطاعة؛ 

فمجردُ “الظنّ الحسن بالله” له أثرٌ عظيم، إذ يُجازي اللهُ العبدَ بحسب ظنِّه بربّه.

فإذا أحسن الظنَّ بربِّه وظنّ أن اللهَ يغفرُ له ويرحمه، عامله اللهُ بكرمه لا بعدله.

ذمّ الله تعالى قوما :﴿ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ ۚ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ۖ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ الفتح

🔹 لكن هناك أيضًا أحاديث أخرى عدّها بعضُ العلماء من أرجى الأحاديث، ومنها:

حديث البطاقة: روى الترمذي وابن ماجه عن عبد الله بن عمرو، أن النبي ﷺ قال:

«يُؤتى برجلٍ يومَ القيامة فيُنشر له تسعةٌ وتسعون سجلاً، كلُّ سجلٍّ مثلُ مدِّ البصر (من أعماله السيئة)، ثم يُؤتى ببطاقةٍ فيها: لا إله إلا الله، فيُقال: احضرْ وزْنك.

فيقول: يا ربِّ ما هذه البطاقةُ مع هذه السجلات؟

فيُقال: إنك لا تُظلَم.

فتوضعُ السجلاتُ في كِفّة، والبطاقةُ في كِفّة، فطاشت السجلاتُ وثقُلَتِ البطاقة، فلا يثقلُ مع اسمِ الله شيء».

🔹 فهو أرجى حديث في التوحيد، إذ يبيّن أن كلمة الإخلاص — إذا وافقت قلبًا صادقًا — تمحو أعظم الذنوب.

أيها الإخوة،

إِنَّ مِنْ لُطْفِ اللهِ بِنَا أَنَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- غَفُورٌ رَحِيمٌ، وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ، وَمِنْ سَعَةِ رَحْمَتهِ أَنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِهِ: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)الأعراف؛ 

وَسِعَتْ فِي الدُّنْيَا البَرَّ وَالفَاجِرَ، وَهِيَ يَوْمَ القِيَامَةِ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا خَاصَّةً؛ 

فَرَحْمَةُ اللهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- شَمَلَتْ هَذَا العَالَمَ بِأَسْرِهِ؛ رَحِمَ النَّاسُ بِهَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا، رَحِمَتْ بِهَا الْأُمُّ وَلَدَهَا وَالْأَبُ أَوْلَادَهُ، وَرَحِمَ بِهَا الصِّغَارُ الكِبَارَ، وَالْحَيَوَانُ رَحِمَ بِهَا الْحَيَوَانَ.


و الآيات في هذا كثيرة فَقَالَ تَعَالَى: (فَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ)البقرة ، وَقَالَ تَعَالَى: (وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)البقرة، ..

حَتَّى أَنَّ الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا الرَّحْمَةُ وَدَلَالَاتُهَا تَتَجَاوَزُ 200 الْمِائَتَيْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ -تعالى-. بَلْ وَذُكِرَ اسْمُ الرَّحْمَنِ فِي القُرْآنِ 57 سَبْعَةً وَخَمْسِينَ مَرَّةً، وَاسْمُ الرَّحِيمِ 100 مِائَةَ مَرَّةٍ،    


وَمِنْ دُعَاءِ الصَّالِحِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ)غافر ، 

وَقَالَ تَعَالَى: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)الأنعام ، 

قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: 

"أَوْجَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ الكَرِيمَةِ تَفَضُّلًا مِنْهُ وَإِحْسَانًا وَامْتِنَانًا".


 فقد بَيَّنَ الرَّسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ اللهَ أَرْحَمُ بِعَبْدِهِ مِنْ وَالِدٍ بِوَلِدِهِ. 

قَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: "مَا يَسُرُّنِي أَنَّ أَمْرِي صَارَ إِلَى وَالِدَيَّ؛ إِنَّ رَبِّي أَرْحَمُ بِي مِنْ وَالِدَيَّ" وَكَلَامُهُ هَذَا يَدُلُّ عَلَى ثِقَتِهِ بِاللهِ؛ فَفِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ يَفِرُّ الْوَالِدُ مِنْ وَلَدِهِ، وَالْوَلَدُ مِنْ وَالِدِهِ. 

*************

آخِرُ أهْلِ النَّارِ دُخُولًا الجَنَّةَ

جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله أنّه:

<<.. إذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ القَضَاءِ بيْنَ العِبَادِ، وأَرَادَ أنْ يُخْرِجَ برَحْمَتِهِ مَن أرَادَ مِن أهْلِ النَّارِ، أمَرَ المَلَائِكَةَ أنْ يُخْرِجُوا مِنَ النَّارِ، مَن كانَ لا يُشْرِكُ باللَّهِ شيئًا، مِمَّنْ أرَادَ اللَّهُ أنْ يَرْحَمَهُ، مِمَّنْ يَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، 

فَيَعْرِفُونَهُمْ في النَّارِ بأَثَرِ السُّجُودِ، تَأْكُلُ النَّارُ ابْنَ آدَمَ إلَّا أثَرَ السُّجُودِ، حَرَّمَ اللَّهُ علَى النَّارِ أنْ تَأْكُلَ أثَرَ السُّجُودِ، 

فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ، قَدِ امْتُحِشُوا، فيُصَبُّ عليهم مَاءُ الحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ تَحْتَهُ كما تَنْبُتُ الحِبَّةُ في حَمِيلِ السَّيْلِ، 

ثُمَّ يَفْرُغُ اللَّهُ مِنَ القَضَاءِ بيْنَ العِبَادِ، ويَبْقَى رَجُلٌ منهمْ مُقْبِلٌ بوَجْهِهِ علَى النَّارِ، هو آخِرُ أهْلِ النَّارِ دُخُولًا الجَنَّةَ، 

فيَقولُ: أيْ رَبِّ اصْرِفْ وجْهِي عَنِ النَّارِ، فإنَّه قدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا (سَمَّني وأهْلَكني)، وأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا، فَيَدْعُو اللَّهَ بما شَاءَ أنْ يَدْعُوَهُ، 

ثُمَّ يقولُ اللَّهُ: هلْ عَسَيْتَ إنْ أعْطَيْتُكَ ذلكَ أنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ؟، فيَقولُ: لَا، وعِزَّتِكَ لا أسْأَلُكَ غَيْرَهُ، ويُعْطِي رَبَّهُ مِن عُهُودٍ ومَوَاثِيقَ ما شَاءَ، فَيَصْرِفُ اللَّهُ وجْهَهُ عَنِ النَّارِ، 

فَإِذَا أقْبَلَ علَى الجَنَّةِ ورَآهَا سَكَتَ ما شَاءَ اللَّهُ أنْ يَسْكُتَ، 

ثُمَّ يقولُ: أيْ رَبِّ، قَدِّمْنِي إلى بَابِ الجَنَّةِ، فيَقولُ اللَّهُ له: ألَسْتَ قدْ أعْطَيْتَ عُهُودَكَ ومَوَاثِيقَكَ أنْ لا تَسْأَلَنِي غيرَ الذي أُعْطِيتَ أبَدًا؟ ويْلَكَ يا ابْنَ آدَمَ ما أغْدَرَكَ، 

فيَقولُ: أيْ رَبِّ، ويَدْعُو اللَّهَ، حتَّى يَقُولَ: هلْ عَسَيْتَ إنْ أُعْطِيتَ ذلكَ أنْ تَسْأَلَ غَيْرَهُ؟ فيَقولُ: لا وعِزَّتِكَ، لا أسْأَلُكَ غَيْرَهُ، ويُعْطِي ما شَاءَ مِن عُهُودٍ ومَوَاثِيقَ، 

فيُقَدِّمُهُ إلى بَابِ الجَنَّةِ، فَإِذَا قَامَ إلى بَابِ الجَنَّةِ، انْفَهَقَتْ له الجَنَّةُ، فَرَأَى ما فِيهَا مِنَ الحَبْرَةِ (النعمة)والسُّرُورِ، فَيَسْكُتُ ما شَاءَ اللَّهُ أنْ يَسْكُتَ، 

ثُمَّ يقولُ: أيْ رَبِّ، أدْخِلْنِي الجَنَّةَ، 

فيَقولُ اللَّهُ: ألَسْتَ قدْ أعْطَيْتَ عُهُودَكَ ومَوَاثِيقَكَ أنْ لا تَسْأَلَ غيرَ ما أُعْطِيتَ؟ 

فيَقولُ: ويْلَكَ يا ابْنَ آدَمَ ما أغْدَرَكَ، 

فيَقولُ: أيْ رَبِّ، لا أكُونَنَّ أشْقَى خَلْقِكَ فلا يَزَالُ يَدْعُو حتَّى يَضْحَكَ اللَّهُ منه، 

فَإِذَا ضَحِكَ منه، قالَ له: ادْخُلِ الجَنَّةَ، 

فَإِذَا دَخَلَهَا قالَ اللَّهُ له: تَمَنَّهْ، فَسَأَلَ رَبَّهُ وتَمَنَّى، حتَّى إنَّ اللَّهَ لَيُذَكِّرُهُ، يقولُ كَذَا وكَذَا، حتَّى انْقَطَعَتْ به الأمَانِيُّ، قالَ: اللَّهُ ذلكَ لَكَ، ومِثْلُهُ معهُ.

 و في رواية أخرى: وعَشَرَةُ أمْثَالِهِ معهُ،  

هذا أقل واحد في الجنة، ماذا سيكون نصيبه وكل أهل الجنة بعد ذلك سيكونون أكثر منه، وتخيلوا معي ذلك.

🔹 أيها الإخوة من دروس الحديث:

-أنَّ رحمةَ الله أعظمُ من ذنوبِ العباد جميعًا.

-أنَّ الإيمانَ ولو كان ضعيفًا، ينفعُ صاحبَه في النهاية إذا لم يمت على الشرك.

-أنَّ اللهَ سبحانه يحبُّ عباده، ويضحكُ فرحًا بتوبتِهم كما في الحديث الآخر.

أيها الإخوة،

هذا الحديثُ لا يُعلّمُنا التهاونَ بالذنوب، ولا الاتكالَ على الرحمةِ بلا عمل، بل يُوقظُ فينا رجاءً صادقًا يدفعُ إلى التوبةِ والرجوع.

فالمؤمنُ بين خوفٍ ورجاء، لا يأمنُ مكرَ الله، ولا يقنطُ من رحمتِه.

**************

الدعاء

اللهم يا واسعَ الرحمة، يا غفورُ يا ودود، اجعلنا من عبادِك الذين إذا أذنبوا استغفروا، وإذا تابوا تبت عليهم.

اللهم اجعلنا من أهل الجنة، ولا تجعلنا من أهل النار، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك يا ربنا سميع قريب مجيب الدعوات. اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من الآيسين. اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. 

اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.

اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا. 

ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار



vendredi 31 octobre 2025

 البقرة.درس 6/2013 ج.ك  / و ج.الحنفية 2025

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ للهِ الذي أحيا القلوبَ بنورِ الإيمان، وأقامَها على طاعتِه بالبرهان، نحمدُه سبحانه ونشكرُه على ما أنعمَ وأولى، ونستغفِرُه من كلِّ زللٍ وخَطَأ، 

ونشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، له الملكُ وله الحمدُ يُحيي ويُميت وهو على كلِّ شيءٍ قدير، 

ونشهدُ أنَّ سيِّدَنا محمداً عبدُه ورسولُه، أرسله اللهُ بالهُدى ودينِ الحقِّ ليُظهِرَه على الدينِ كلِّه، 

اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك عليه، وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين.

*********************

أيها الإخوة،

في كتابِ الله قصصًا وأمثالًا، فيها العِبرُ والعظاتُ، تُوقِظُ القلوبَ الغافلة، وتُثبِّتُ نفوسَ المؤمنين. ومن تلك القصص العظيمة **قصةُ البقرة** التي سُمِّيَت بها أطولُ سورِ القرآن، وجعلها اللهُ مثالًا يُظهِرُ به حالَ بني إسرائيل، وما في قلوبِهم من الجفاءِ والعنادِ والمِراء.


قصةٌ تُعلِّمُنا كيف يكونُ الإيمانُ بالتسليم، لا بالجدال، وكيفَ أنَّ من أبطأ بطاعته أضاعَ على نفسِه الخيرَ الوفير.


أيها الإخوة،

القرآن كلّه عظيم و سوره كلّها عظيمة...القرآن كلام الله

...فلا يعلم قدر كلامه إلاّ هو...هو شفاء...هو هدى...هو نور…

تعريف القرآن:

هو كلام الله تعالى المنزَّل على نبيّه محمد ﷺ بواسطة جبريل عليه السلام، المعجز بلفظه ومعناه، المنقول إلينا بالتواتر، المتعبَّد بتلاوته، المكتوب في المصاحف، المفتتح بسورة الفاتحة والمختتم بسورة الناس.

[[ سبحانك لا علم لنا إلاّ ما علّمتنا إنّك أنت العليم الحكيم ]]

حديثنا عن سورة "البقرة"

هي أطولُ سورِ القرآن الكريم، وهي أولُ سورةٍ نزلت بالمدينة المنوّرة بعد الهجرة، 

ولذلك تُعدّ من السور المدنية العظيمة التي تناولتْ بناءَ المجتمع الإسلامي. 


تضمنت السورة أحكاماً كثيرة:

الصلاة، الزكاة، الصيام، الحج.

القَصاص، الديات، الوصية، الطلاق، العِدّة، الرضاع، الدَّين.

تحريم الربا وبيان خطره.

فهي بحقّ سورة التشريع الأُولى في الإسلام.

🌙 ورد في فضلها أحاديث كثيرة، منها:

قاله ﷺ:«اقرؤوا سورةَ البقرة، فإنّ أخذَها بركةٌ، وتركَها حسرةٌ، ولا تستطيعُها البطلة (أي السحرة)» مسلم.

وقال أيضًا ﷺ:

«إنّ الشيطانَ يفرّ من البيت الذي تُقرأ فيه سورةُ البقرة.» مسلم.


كما أن آية الكرسي هي أعظم آية في كتاب الله، تحفظ من الشيطان.


عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

<< لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إنّ الشيطان ينفر من البيتِ الذي تُقرأ فيهِ سورة البقرة>>مسلم وأحمد.


************************

موضوعنا هو "قصّة البقرة"... ولكن قبل هذا...

 المؤمنُ يتلقى الأمر من الله طائعا، عَرف العِلّة أم لا...فالعلّةُ بالنسبة إليه أنّه صادرٌ من الله...

[[ وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا]] الأحزاب.

أمّا اليهود لهم مواقف أخرى...هم زعماء المُماطلة و التلكّؤ ...و ذلك حتى مع الله عزّ و جلّ… 

﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ البقرة 

أحداث غزة جعلتنا و كأننا نرى الآيات التي نزلت في اليهود تصف مكرهم و لؤمهم..و ذلك حتى مع الله عزّ و جلّ…

و الأمثلة كثيرة:

-{ قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون }.


-[[ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ]] البقرة


{ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُا} المائدة


﴿ لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ۘ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾ آل عمران

********

🌾 تفصيل القصة ومعانيها

في بني إسرائيل رجلٌ غنيٌّ، لا ولدَ له يرثه، وكان له ابنُ أخٍ طمّاع، يطمع في ماله وثروته.

فلمّا طال عليه الأمدُ، عَدا عليه وقتله ليلًا، ثمّ حمل جثتَه وألقاها عند بابِ قبيلةٍ أخرى من بني إسرائيل، واتَّهمهم بقتله. واشتعل الخلافُ بين القبيلتين، وتبادلوا الاتهامات، وكاد القتالُ أن يقع بينهم، فذهبوا إلى نبيِّ الله موسى عليه السلام يسألونه أن يحكم بينهم. 

الله.ع.أمر بني إسرائيل بذبح بقرة:

[[وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون ]]

لمّا سمعوا الأمر تلكّؤوا و أخذوا في المساومة و التباطؤ: << بقرة >>؟؟ 

﴿ ۞ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۘ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ﴾ البقرة


لو نفّذوا الأمر لكانت بقرة عادية و انتهى الأمر و لكن قالوا : إنّك تهزؤ بنا...اعتبروا أنّ الأمر لا يمكن حلّه بهذه البساطة ...

أرادوا ما جعله الله عزّ و جلّ سهلا أن يكون صعبا


و هل هناك نبيّ يهزأ بقومه؟؟؟ علم أنّهم جاهلون فاستعاذ بالله منهم...

عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول:

<<ما نَهَيْتُكُمْ عنْه فَاجْتَنِبُوهُ، وَما أَمَرْتُكُمْ به فَافْعَلُوا منه ما اسْتَطَعْتُمْ، فإنَّما أَهْلَكَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ، كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ، وَاخْتِلَافُهُمْ علَى أَنْبِيَائِهِمْ..>> متفق عليه


وعن علي رضي الله عنه لما نزلت {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ً}. [آل عمران :97].

قال رجل : أكل عام يا رسول الله ؟ فأعرض عنه ، حتى أعاد مرتين أو ثلاثاً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( وما يوشك أن أقول نعم ، والله لو قلت : نعم لوجبت ، ولو وجبت لما استطعتم ، فاتركوني ما تركتكم فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن أمر فاجتنبوه )).

[[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ ]] المائدة 102


كثير منّا يريد العسر و لا يرتوي من الجواب إلاّ إذا كان معقّد و عسيرا...

[[يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ]]


سيّدنا موسى استعاذ بالله من هكذا جاهلين...


[[قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين]]


وانطلق بنو اسرائيل في المراوغات...:

[[ قالوا ادعوا لنا ربّك يبيّن لنا ما هيّ؟

قال إنّه يقول إنّها بقرة لا فارض و لا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون]]

لا فارض: لا كبيرة في السنّ-لا بكر: لم يطأها الفحل.

{فافعلوا ما تؤمرون}: كفّوا عن الجدل و نفّذوا..


لم يكفّوا و لكن غيّروا صيغة السؤال:

[[ قالوا ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما لونها؟

قال إنّه يقول  إنّها بقرة صفراء فاقع لونها تسرّ الناظرن]]


لمّا أخبر الله عزّ و جلّ عن سنّها تحوّل السؤال إلى اللون ...

كان الأمر واضحا و لكن السؤال متواصلٌ…


رغم وضوحها صاروا ينظرون إلى البقر...هذا يقول إنّها في حيّ كذا...و الآخر يقول ...


سبحانك لا يسيرا إلاّ ما جعلته يسيرا... رغم وضوح البقرة..العمر الشكل..اللّون..المنظر..لم يتوصلوا إليها..


و عادوا إلى موسى...و هنا ذكروا الله الذي نسوه عندما قال لهم [[ افعلوا ما تؤمرون ]]...

و طلبوا الهداية بعدما تاهوا بسبب عنادهم...

[[ قالوا ادعوا لنا ربّك يبيّن ما هيّ إنّ البقر تشابه علينا و إنّا إن شاء الله لمهتدون ]]

و جاء الجواب:

[[ قال إنّه يقول إنّها بقرة لا ذلول تثير الأرض* و لا تسقي الحرث مسلّمة لا شية فيها قالوا الآن جئت بالحقّ فذبحوها وما كادوا يفعلون]]


أي: لا ذلول: غير مروّضة -  تثير الأرض: لا تستخدم في    الحرث-  و لا تسقي الحرث : لا تسقي الزرع.


أصبحت هناك صعوبة كبيرة...فالله عزّ و جلّ يريد منّا المسارعة في تنفيذ أوامره:

[[ سارعوا إلى مغفرة من ربّكم و جنّة عرضها السّماوات و الأرض أعدّت للمتّقين ]]

.فقال الآيات السابقة

************

 ثم قال لهم موسى:

"خذوا بعضًا من لحمها واضربوا به القتيل."


فضربوه ببعضها، فأحياه الله تعالى أمامهم، ونطق القتيل باسم قاتله الحقيقي، فكان هو ابن أخيه، ثمّ عاد ميتًا كما كان.


وهكذا أظهر الله الحقيقة بمعجزةٍ باهرةٍ تُثبت قدرته على إحياء الموتى، فقال:

﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ﴾

﴿فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا ۚ كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ البقرة 

****************

قصةٌ تُعلِّمُنا كيف يكونُ الإيمانُ بالتسليم، لا بالجدال، وكيفَ أنَّ من أبطأ بطاعته أضاعَ على نفسِه الخيرَ الوفير.

***************

الدعـــــــــــــــاء

اللهمَّ يا حيُّ يا قيُّوم، يا من تُحيي الموتى وتُخرِجُ الأسرارَ من خفايا القلوب، نسألُك أن تُحيي قلوبَنا بنورِ الإيمان، وأن تُنقِّيها من الجدالِ والعناد، وأن تُلهِمَنا طاعتَك بلا تردُّدٍ ولا توانٍ.


اللهمَّ اجعلنا من الذين إذا أُمِروا قالوا: *سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا*، لا من الذين قالوا: *سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا*.

اللهمَّ طهِّر قلوبَنا من الحسدِ والطمع، واحفَظنا من ظلمِ النفسِ والناس، واغنِنا بحلالِك عن حرامِك، وبفضلك عمَّن سِواك.


اللهمَّ ارزقنا فهْمَ كتابِك، والاعتبارَ بآياتِك، واجعل القرآنَ العظيمَ لنا في الدنيا نورًا، وفي القبرِ أنيسًا، وعلى الصراطِ سِراجًا، وإلى الجنةِ دليلًا ورفيقًا.


اللهمَّ اجعلنا من المتدبّرين لقصصِك، العاملين بعِبرِها، المعتبرين بما فيها، واجعلنا من قومٍ *يَسْمَعُونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ*.


اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على سيّدنا محمدٍ، وعلى آله وصحبِه أجمعين، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.


---