jeudi 2 octobre 2025

 و لا تزكوا أنفسكم - ج.الحنفية 3/2016

بسم الله الرحمن الرحيم 

**الحمدُ للهِ الخَلَّاقِ الحَكيمِ؛ خَلَقَ النُّفوسَ وسَوّاهَا، فألْهَمَهَا فُجورها وتَقواها، نَحْمَدُهُ على ما هَدانا، ونَشْكُرُهُ على ما أَعطانا، 

وأَشْهَدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَهُ لا شريكَ له؛ جَزيلُ العطايا، وَواحِبُ الرَّحَمات، ومُغدِقُ الخيراتِ، يُعطي من يَشاءُ بِرَحمَتِهِ، ويَمنَعُ من يَشاءُ بِحِكمَتِهِ:

**(قُلْ إِنَّ الفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ، واللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ يَخْتَصُّ بِرَحمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ، واللهُ ذو الفَضْلِ العَظيمِ)** [آل عمران: 73-74].

وأَشْهَدُ أنَّ مُحمَّدًا عبده ورسولُه؛ أَعْلَمُ النَّاسِ بِاللهِ تعالى، وأَصْلَحُهم قلبًا، وأَزْكَىهم عملًا، صَلَّى اللهُ وسَلَّمَ وبَارَكَ عَلَيهِ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ؛ أُوْلِي العِلمِ والتَّقْوى، ودُعَاةِ الخَيْرِ والهُدى، والتَّابِعِين لهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين.**

***********************

أيها الإخوة،

إن الإنسان مخلوق ضعيف مهما ملك من أسباب القوة، قال الله تعالى: 

﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 28]

وهو ذو جهل كبير وإن علم ما شاء من العلوم، وبرع في حسن التصوُّرات والفهوم؛ ، وقال سبحانه: 

﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 85].

وَالْإِنْسَانُ مَلِيءٌ بِالْعُيُوبِ وَالْعَثَرَاتِ، وَالنَّقَائِصِ وَالْهَفَوَاتِ، فَلَا يَلِيقُ بِهِ وَهَذِهِ حَالُهُ أَنْ يَرَى لِنَفْسِهِ السَّلَامَةَ مِنْ نَقْصٍ وَعَيْبٍ، أَوْ أَنْ يَبْدُوَ بِالْفَخْرِ وَالْعُجْبِ.


فَالـ«جَهُولُ» عِنْدَ ابْنِ عَطَاءٍ ـ كَمَا يَقُولُ فِي مُنَاجَاتِهِ ـ:

«إِلَهِي، أَنَا الْجَاهِلُ فِي عِلْمِي، فَكَيْفَ لَا أَكُونُ جَهُولًا فِي جَهْلِي؟».

فَمَنْ جَهِلَ حَقِيقَةَ نَفْسِهِ، فَظَنَّ أَنَّ لَهُ تَدْبِيرًا مَعَ اللهِ، أَوْ رَأَى أَنَّ لَهُ اخْتِيَارًا يَخْرُجُ عَنْ سُلْطَانِ اللهِ، فَقَدْ جَهِلَ.

وَمَنْ جَهِلَ رَبَّهُ، فَنَسَبَ الْفَضْلَ إِلَى نَفْسِهِ، أَوِ اسْتَكْثَرَ مِنَ الطَّاعَةِ وَرَأَى لَهَا قَدْرًا عِنْدَ اللهِ، أَوْ ضَجِرَ مِنَ الْبَلَاءِ وَلَمْ يَرَ الْحِكْمَةَ فِي قَضَاءِ اللهِ، فَهُوَ جَهُولٌ.

فالْإِنْسَانُ لَا يَعْلَمُ مَصِيرَهُ، وَلَا يَعْلَمُ مَا قُبِلَ مِنْ أَعْمَالِهِ الصَّالِحَةِ وَمَا لَمْ يُقْبَلْ، فَهُوَ يُقَدِّمُ الْعَمَلَ الصَّالِحَ خَائِفًا وَجِلًا، يَخَافُ أَنْ يَرُدَّهُ اللهُ عَلَيْهِ، أَوْ أَلَّا يَتَقَبَّلَهُ مِنْهُ.

قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} المؤمنون ، 

وهذا ما ربى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، وأمته من بعده، 

ففي صحيح البخاري: (قَالَ ابْنُ أَبِى مُلَيْكَةَ أَدْرَكْتُ ثَلاَثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ، ..)،

وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينادي حذيفة فيقول: 

“أنْشِدُكَ باللهِ الَّذي لا إلهَ إلَّا هُوَ، هلْ سَمَّانِي لكَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّم مِنَ المُنافِقينَ؟”، 

فالمُسْلِمُ لا بُدَّ أنْ يَكونَ دائِمًا على خَوْفٍ ووَجَلٍ، 

وأنَّهُ عُرْضَةٌ لِحُسْنِ الخاتِمَةِ، ولسُوءِ الخاتِمَةِ، 

فَعَلى المُسْلِمِ أنْ يَكونَ بَيْنَ الرَّجاءِ والخَوْفِ. 

أيها المؤمنون،

الإِنْسَانُ يُحِبُّ الثَّنَاءَ عَلَى نَفْسِهِ، وَالتَّحَدُّثَ عَنْ فَضَائِلِهِ، وَمَدْحَ غَيْرِهِ لَهُ، وَيَرَى أَنَّهُ أَحْسَنُ مِنْ سِوَاهُ فِي مَوَاهِبِهِ وَقُدُرَاتِهِ، وَأَعْمَالِهِ وَصِفَاتِهِ، وَأَنَّهُ قَدْ خَلَا مِنَ الْعُيُوبِ، أَوْ أَنَّهَا قَلِيلَةٌ فِيهِ، كَمَا قَالَ الْمُتَنَبِّي عَنْ نَفْسِهِ:

ما أَبعد العيبَ والنقصانَ عَنْ شَرَفِي ***

أَنَا الثُّرَيَّا وَذَانِ الشَّيْبُ وَالهرمُ! 

"قيل لحكيم: ما الصدق القبيح؟ فقال: ثناء المرء على نفسه .


جاء في قول الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلْ اللهُ يُزَكِّى مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) النساء :49

أنها نزلت في اليهود والنصارى، حين قالوا: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) المائدة: 18، 

وفى قوله تعالى: (وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى) البقرة، 

****

تعليق خارج الخطبة:

 {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾ البقرة

-{وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ ۗ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾.النساء

****

 فالتوجيه الإلهي هنا لا تقل: أنا،

﴿إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾ 

اِمْرَأَةٌ قَالَتْ لِصَحَابِيٍّ جَلِيلٍ تُوُفِّيَ رَحِمَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَزُورُهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ،

قَالَتْ: رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ، فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ: لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللهُ.

فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ:

«وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللهَ أَكْرَمَهُ؟».

فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ، فَمَنْ يُكْرِمُهُ اللهُ؟

فَقَالَ: «أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ، وَاللهِ إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ، وَاللهِ مَا أَدْرِي – وَأَنَا رَسُولُ اللهِ – مَا يُفْعَلُ بِي».أخرجه البخاري

 أيها الإخوة، 

مَدْحُ الإِنْسانِ وتقييمه مِن شَأْنِ اللهِ وَحْدَهُ، فَالْمَدْحُ أَحْيانًا يَضُرُّ المَمْدوحَ بَلْ يَذْبَحُهُ:

﴿فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾

📖 في حديث متفق عليه 

ذُكِرَ رجلٌ عند النبيِّ ﷺ، فأثنى عليه رجلٌ خيرًا، فقال النبي ﷺ: 

"ويحك قطعتَ عنقَ صاحبِك (قالها مرارًا)، إن كان أحدُكم مادحًا لا محالةَ فليقُل: أحسبُ فلانًا واللهُ حسيبُه، ولا أُزكِّي على اللهِ أحدًا، أحسِبُه – إن كان يعلم – كذا وكذا."

أي: أوقعتَه في الغرور والإعجاب بنفسه حتى كأنك ذبحتَه معنويًا.

فالمدح الزائد أمام الناس قد يُفسد قلب الممدوح، 

إلا إذا كان لضرورة أو لتشجيع مع ربطه بقول: «ولا أزكي على الله أحدًا».

﴿وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً﴾ الإسراء 

أيها الإخوة،

على الإنسان ألا يتورط في مديح إنسان لا يعرفه:

 سيدنا الصديق مرةً مدحه المادحون فبكى وقال: 

"يا ربِّ، أنتَ أَعْلَمُ بي مِن نَفْسي، وأَنا أَعْلَمُ بِنَفْسي مِنْهُم، اللَّهُمَّ اجْعَلْني خَيْرًا مِمَّا يَقولون، واغْفِرْ لي ما لا يَعْلَمون، ولا تُؤاخِذْني بِما يَقولون. ".

لا تَلْتَفِتْ إلى مَدْحِ المادِحِينَ، ولا ذَمِّ الذَّامِّينَ، فَالذَّهَبُ لا يَضُرُّهُ ذَمٌّ، والقَصْدِيرُ لا يَنْفَعُهُ مَدْحٌ.

ليسَ من الإخلاصِ أن يَبْحَثَ الإنسانُ عنِ المَدْحِ والثَّناءِ:

  النبي عليه الصلاة والسلام لعلوِّ مقامه عند الله ما كان يعنيه أن يمدحه المادحون، دخل عليه رجل، أصابته رِعْدَة قال: 

<< هون عليك فإني لست بملك إنما أنا ابن امرأةٍ تأكل القديد >> ابن ماجه عن أبي مسعود ).

 ".فالذي يَبْحَثُ عنِ المَدْحِ ورِفْعَةِ القَدْرِ والثَّناءِ، فَهذا مِنَ المَعاصي الباطِنَةِ.

🔸 والمَعاصي الباطِنَةُ هي الأَخْطَرُ والأَصْعَبُ مُداواةً.

🔹 رُبَّ مَن ظَهَرَتْ مَعاصِيهِ أَقْرَبُ إلى اللهِ.

🔹 ورُبَّ مَعْصِيَةٍ أَدْخَلَتْ صاحِبَها الجَنَّةَ.


قال الإمامُ ابنُ القيِّمِ – رَحِمَهُ اللهُ –:

رُبَّ طاعَةٍ أَوْرَثَتْ صاحِبَها الكِبْرَ والعُجْبَ والغُرورَ، فَأَكَبَّهُ هذا المَرَضُ على وَجْهِهِ في النّارِ، 

ورُبَّ مَعْصِيَةٍ أَوْرَثَتْ صاحِبَها الذُّلَّ والانْكِسارَ والانْقِيادَ والبُكاءَ والخَشْيَةَ والإنابَةَ والتَّوْبَةَ والتَّفْويضَ والرُّجوعَ إلى اللهِ، فَكانَتْ هذِهِ المَعْصِيَةُ سَبَبًا لأَوْبَتِهِ وتَوْبَتِهِ، وسَبَبًا في دُخولِ الجَنَّةِ.


📖 قِصَّةُ مالِكِ بنِ دِينارٍ:

يُحكى أنَّ رَجُلًا كانَ عابِدًا زاهِدًا، وخَرَجَ يَوْمًا يَمْشي في طَريقٍ، فاعْتَرَضَهُ رَجُلٌ عاصٍ مُنْغَمِسٌ في الذُّنوبِ. فلمّا تَقابَلا، قالَ العاصي في نَفْسِهِ:

«هذا العابِدُ خَيْرٌ مِنِّي، لو سَلَكْتُ طَريقَهُ لَنَجَوْتُ.»

وفي المُقابِل قالَ العابِدُ في نَفْسِهِ:

«هذا الفاسِقُ لا خَيْرَ فيه، لو كُنْتُ مَكانَ اللهِ ما رَحِمْتُهُ!»

فأوحى اللهُ عزَّ وجلَّ إلى نَبِيٍّ في ذلك الزَّمان:

«قُلْ لهذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ: قد غَفَرْتُ للعاصي لِما رَأى مِن نَفْسِهِ مِن تَقصيرٍ، 

وغَضِبْتُ على العابِدِ لِما أُعْجَبَ بِنَفْسِهِ واحْتَقَرَ غَيْرَهُ.

 لِيَبْدَأْ كُلٌّ مِنهُما مِن جَديد.»

*****************************

الدعـــــــــــــــــاء

اللَّهُمَّ إنَّا نَسألكَ إخلاصًا لا يُخالِطه رِياء، وعمَلًا لا يُشابِهُه سُمعة، ونِيّةً صادقةً ترضى بها عنَّا يا ربَّ الأرضِ والسَّماء.

اللَّهُمَّ لا تَجعَل حظَّنا من أعمالِنا الثَّناءَ ولا المَديح، بل اجعل حظَّنا القَبولَ عندَك والفَوزَ برِضاك.

اللَّهُمَّ اجعلنا نخشاكَ كأنَّنا نَراك، حتَّى تَغفِر لنا ذُنوبَنا وتُكفِّر عنا سَيِّئاتِنا وتُبلِّغنا منازلَ المُخلِصين.

**اللَّهُمَّ إنَّ عبادَكَ في فلسطين ضاقَ بهم الحالُ، واشتَدَّ بهم الكربُ، وزُلزلوا في سبيلِكَ زلزالًا شديدًا، اللَّهُمَّ فرِّج كربَهم، وارحَم ضعفَهم، واجبُر كسرَهم، وتولَّ أمرَهم، فلا أحدَ لهم إلا أنتَ، ولا مولى لهم سِواكَ.

اللَّهُمَّ احرس أهلَ غزّة بعينِكَ التي لا تنامُ. اللَّهُمَّ اجعل لهم النَّصرةَ والعزَّةَ والغلبةَ والقوَّةَ والهيبةَ. اللَّهُمَّ انصُرهم  وثبِّت أقدامَهم، وامدُدهم بمددٍ من عندِكَ، وارزُقهم القوَّةَ والثباتَ على الحقِّ. اللَّهُمَّ ارحَم شهداءَهم، واشفِ جرحاهم، واغفِر ذنوبَنا وذنوبَهم، واجعل آلامَهم في ميزانِ حسناتهم.

اللَّهُمَّ اجعل لهم من كلِّ همٍّ فرجًا، ومن كلِّ ضيقٍ مخرجًا، اللَّهُمَّ اجعلهم في حفظِكَ ورعايتِكَ، واكتب لهم النصرَ والتمكينَ، يا أرحمَ الرَّاحمين.**



Aucun commentaire: