البقرة.درس 6/2013 ج.ك / و ج.الحنفية 2025
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ الذي أحيا القلوبَ بنورِ الإيمان، وأقامَها على طاعتِه بالبرهان، نحمدُه سبحانه ونشكرُه على ما أنعمَ وأولى، ونستغفِرُه من كلِّ زللٍ وخَطَأ،
ونشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، له الملكُ وله الحمدُ يُحيي ويُميت وهو على كلِّ شيءٍ قدير،
ونشهدُ أنَّ سيِّدَنا محمداً عبدُه ورسولُه، أرسله اللهُ بالهُدى ودينِ الحقِّ ليُظهِرَه على الدينِ كلِّه،
اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك عليه، وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين.
*********************
أيها الإخوة،
في كتابِ الله قصصًا وأمثالًا، فيها العِبرُ والعظاتُ، تُوقِظُ القلوبَ الغافلة، وتُثبِّتُ نفوسَ المؤمنين. ومن تلك القصص العظيمة **قصةُ البقرة** التي سُمِّيَت بها أطولُ سورِ القرآن، وجعلها اللهُ مثالًا يُظهِرُ به حالَ بني إسرائيل، وما في قلوبِهم من الجفاءِ والعنادِ والمِراء.
قصةٌ تُعلِّمُنا كيف يكونُ الإيمانُ بالتسليم، لا بالجدال، وكيفَ أنَّ من أبطأ بطاعته أضاعَ على نفسِه الخيرَ الوفير.
أيها الإخوة،
القرآن كلّه عظيم و سوره كلّها عظيمة...القرآن كلام الله
...فلا يعلم قدر كلامه إلاّ هو...هو شفاء...هو هدى...هو نور…
تعريف القرآن:
هو كلام الله تعالى المنزَّل على نبيّه محمد ﷺ بواسطة جبريل عليه السلام، المعجز بلفظه ومعناه، المنقول إلينا بالتواتر، المتعبَّد بتلاوته، المكتوب في المصاحف، المفتتح بسورة الفاتحة والمختتم بسورة الناس.
[[ سبحانك لا علم لنا إلاّ ما علّمتنا إنّك أنت العليم الحكيم ]]
حديثنا عن سورة "البقرة"
هي أطولُ سورِ القرآن الكريم، وهي أولُ سورةٍ نزلت بالمدينة المنوّرة بعد الهجرة،
ولذلك تُعدّ من السور المدنية العظيمة التي تناولتْ بناءَ المجتمع الإسلامي.
تضمنت السورة أحكاماً كثيرة:
الصلاة، الزكاة، الصيام، الحج.
القَصاص، الديات، الوصية، الطلاق، العِدّة، الرضاع، الدَّين.
تحريم الربا وبيان خطره.
فهي بحقّ سورة التشريع الأُولى في الإسلام.
🌙 ورد في فضلها أحاديث كثيرة، منها:
قاله ﷺ:«اقرؤوا سورةَ البقرة، فإنّ أخذَها بركةٌ، وتركَها حسرةٌ، ولا تستطيعُها البطلة (أي السحرة)» مسلم.
وقال أيضًا ﷺ:
«إنّ الشيطانَ يفرّ من البيت الذي تُقرأ فيه سورةُ البقرة.» مسلم.
كما أن آية الكرسي هي أعظم آية في كتاب الله، تحفظ من الشيطان.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
<< لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إنّ الشيطان ينفر من البيتِ الذي تُقرأ فيهِ سورة البقرة>>مسلم وأحمد.
************************
موضوعنا هو "قصّة البقرة"... ولكن قبل هذا...
المؤمنُ يتلقى الأمر من الله طائعا، عَرف العِلّة أم لا...فالعلّةُ بالنسبة إليه أنّه صادرٌ من الله...
[[ وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا]] الأحزاب.
أمّا اليهود لهم مواقف أخرى...هم زعماء المُماطلة و التلكّؤ ...و ذلك حتى مع الله عزّ و جلّ…
﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ البقرة
أحداث غزة جعلتنا و كأننا نرى الآيات التي نزلت في اليهود تصف مكرهم و لؤمهم..و ذلك حتى مع الله عزّ و جلّ…
و الأمثلة كثيرة:
-{ قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون }.
-[[ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ]] البقرة
{ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُا} المائدة
﴿ لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ۘ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾ آل عمران
********
🌾 تفصيل القصة ومعانيها
في بني إسرائيل رجلٌ غنيٌّ، لا ولدَ له يرثه، وكان له ابنُ أخٍ طمّاع، يطمع في ماله وثروته.
فلمّا طال عليه الأمدُ، عَدا عليه وقتله ليلًا، ثمّ حمل جثتَه وألقاها عند بابِ قبيلةٍ أخرى من بني إسرائيل، واتَّهمهم بقتله. واشتعل الخلافُ بين القبيلتين، وتبادلوا الاتهامات، وكاد القتالُ أن يقع بينهم، فذهبوا إلى نبيِّ الله موسى عليه السلام يسألونه أن يحكم بينهم.
الله.ع.أمر بني إسرائيل بذبح بقرة:
[[وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون ]]
لمّا سمعوا الأمر تلكّؤوا و أخذوا في المساومة و التباطؤ: << بقرة >>؟؟
﴿ ۞ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۘ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ﴾ البقرة
لو نفّذوا الأمر لكانت بقرة عادية و انتهى الأمر و لكن قالوا : إنّك تهزؤ بنا...اعتبروا أنّ الأمر لا يمكن حلّه بهذه البساطة ...
أرادوا ما جعله الله عزّ و جلّ سهلا أن يكون صعبا
و هل هناك نبيّ يهزأ بقومه؟؟؟ علم أنّهم جاهلون فاستعاذ بالله منهم...
عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول:
<<ما نَهَيْتُكُمْ عنْه فَاجْتَنِبُوهُ، وَما أَمَرْتُكُمْ به فَافْعَلُوا منه ما اسْتَطَعْتُمْ، فإنَّما أَهْلَكَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ، كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ، وَاخْتِلَافُهُمْ علَى أَنْبِيَائِهِمْ..>> متفق عليه
وعن علي رضي الله عنه لما نزلت {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ً}. [آل عمران :97].
قال رجل : أكل عام يا رسول الله ؟ فأعرض عنه ، حتى أعاد مرتين أو ثلاثاً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( وما يوشك أن أقول نعم ، والله لو قلت : نعم لوجبت ، ولو وجبت لما استطعتم ، فاتركوني ما تركتكم فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن أمر فاجتنبوه )).
[[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ ]] المائدة 102
كثير منّا يريد العسر و لا يرتوي من الجواب إلاّ إذا كان معقّد و عسيرا...
[[يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ]]
سيّدنا موسى استعاذ بالله من هكذا جاهلين...
[[قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين]]
وانطلق بنو اسرائيل في المراوغات...:
[[ قالوا ادعوا لنا ربّك يبيّن لنا ما هيّ؟
قال إنّه يقول إنّها بقرة لا فارض و لا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون]]
لا فارض: لا كبيرة في السنّ-لا بكر: لم يطأها الفحل.
{فافعلوا ما تؤمرون}: كفّوا عن الجدل و نفّذوا..
لم يكفّوا و لكن غيّروا صيغة السؤال:
[[ قالوا ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما لونها؟
قال إنّه يقول إنّها بقرة صفراء فاقع لونها تسرّ الناظرن]]
لمّا أخبر الله عزّ و جلّ عن سنّها تحوّل السؤال إلى اللون ...
كان الأمر واضحا و لكن السؤال متواصلٌ…
رغم وضوحها صاروا ينظرون إلى البقر...هذا يقول إنّها في حيّ كذا...و الآخر يقول ...
سبحانك لا يسيرا إلاّ ما جعلته يسيرا... رغم وضوح البقرة..العمر الشكل..اللّون..المنظر..لم يتوصلوا إليها..
و عادوا إلى موسى...و هنا ذكروا الله الذي نسوه عندما قال لهم [[ افعلوا ما تؤمرون ]]...
و طلبوا الهداية بعدما تاهوا بسبب عنادهم...
[[ قالوا ادعوا لنا ربّك يبيّن ما هيّ إنّ البقر تشابه علينا و إنّا إن شاء الله لمهتدون ]]
و جاء الجواب:
[[ قال إنّه يقول إنّها بقرة لا ذلول تثير الأرض* و لا تسقي الحرث مسلّمة لا شية فيها قالوا الآن جئت بالحقّ فذبحوها وما كادوا يفعلون]]
أي: لا ذلول: غير مروّضة - تثير الأرض: لا تستخدم في الحرث- و لا تسقي الحرث : لا تسقي الزرع.
أصبحت هناك صعوبة كبيرة...فالله عزّ و جلّ يريد منّا المسارعة في تنفيذ أوامره:
[[ سارعوا إلى مغفرة من ربّكم و جنّة عرضها السّماوات و الأرض أعدّت للمتّقين ]]
.فقال الآيات السابقة
************
ثم قال لهم موسى:
"خذوا بعضًا من لحمها واضربوا به القتيل."
فضربوه ببعضها، فأحياه الله تعالى أمامهم، ونطق القتيل باسم قاتله الحقيقي، فكان هو ابن أخيه، ثمّ عاد ميتًا كما كان.
وهكذا أظهر الله الحقيقة بمعجزةٍ باهرةٍ تُثبت قدرته على إحياء الموتى، فقال:
﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ﴾
﴿فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا ۚ كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ البقرة
****************
قصةٌ تُعلِّمُنا كيف يكونُ الإيمانُ بالتسليم، لا بالجدال، وكيفَ أنَّ من أبطأ بطاعته أضاعَ على نفسِه الخيرَ الوفير.
***************
الدعـــــــــــــــاء
اللهمَّ يا حيُّ يا قيُّوم، يا من تُحيي الموتى وتُخرِجُ الأسرارَ من خفايا القلوب، نسألُك أن تُحيي قلوبَنا بنورِ الإيمان، وأن تُنقِّيها من الجدالِ والعناد، وأن تُلهِمَنا طاعتَك بلا تردُّدٍ ولا توانٍ.
اللهمَّ اجعلنا من الذين إذا أُمِروا قالوا: *سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا*، لا من الذين قالوا: *سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا*.
اللهمَّ طهِّر قلوبَنا من الحسدِ والطمع، واحفَظنا من ظلمِ النفسِ والناس، واغنِنا بحلالِك عن حرامِك، وبفضلك عمَّن سِواك.
اللهمَّ ارزقنا فهْمَ كتابِك، والاعتبارَ بآياتِك، واجعل القرآنَ العظيمَ لنا في الدنيا نورًا، وفي القبرِ أنيسًا، وعلى الصراطِ سِراجًا، وإلى الجنةِ دليلًا ورفيقًا.
اللهمَّ اجعلنا من المتدبّرين لقصصِك، العاملين بعِبرِها، المعتبرين بما فيها، واجعلنا من قومٍ *يَسْمَعُونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ*.
اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على سيّدنا محمدٍ، وعلى آله وصحبِه أجمعين، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
---
 
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire