jeudi 6 novembre 2025

آخر من يدخل الجنّة

 آخر من يدخل الجنّة. /2013ج ك و ج الحنفية 11/2025

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ للهِ الغفورِ الرحيم، واسعِ الفضلِ والعطاء، الذي كتبَ على نفسِه الرحمة، وفتحَ لعباده أبوابَ التوبةِ والرجاء.

نحمدُه سبحانه ونشكره، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضلِل فلا هاديَ له.

وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شريك له القائلِ في كتابه (..فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ..) آل عمران  وأشهدُ أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه، البشيرُ النذير، والسراجُ المنير، 

صلواتُ ربي وسلامُه عليه وعلى آله وصحبِه أجمعين.

************************

أيها الإخوة، ما هي أرجى آية تبعثُ في النفسِ الرجاءَ وتظهرُ سَعَةَ رحمةِ الله وكرمَه؟

اختلف العلماء في ذلك وهي كثرة، لعل منها: ﴿ ۞ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ الزمر

"الرحمة" في القرآن لفظ مجمل، فكيف يبيّنه حبيبنا محمد صلى الله عليه و سلم؟ 

إذا نظرنا في أحاديثه عليه الصلاة و السلام نسأل:

ما هو أرجى حديثٍ في رحمةِ الله تعالى — أي أكثرُ حديثٍ يبعثُ في النفسِ الرجاءَ ويظهرُ سَعَةَ رحمةِ الله وكرمَه ؟

— قد اختلف فيه العلماء، لكن أكثرهم على أن أرجى حديثٍ في الرجاء والرحمة هو ما رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي ﷺ قال:قال اللهُ تعالى:

«أنا عندَ ظنِّ عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسِه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ ذكرتُه في ملأٍ خيرٍ منهم، وإن تقرَّب إليَّ شبرًا تقرَّبتُ إليه ذراعًا، وإن تقرَّب إليَّ ذراعًا تقرَّبتُ إليه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيتُه هرولةً».

🔹 سبب كونه أرجى حديث:

لأنه يُظهرُ قربَ الله تعالى من عبدِه، وكرمَه في مقابلِ القليل من الطاعة؛ 

فمجردُ “الظنّ الحسن بالله” له أثرٌ عظيم، إذ يُجازي اللهُ العبدَ بحسب ظنِّه بربّه.

فإذا أحسن الظنَّ بربِّه وظنّ أن اللهَ يغفرُ له ويرحمه، عامله اللهُ بكرمه لا بعدله.

ذمّ الله تعالى قوما :﴿ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ ۚ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ۖ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ الفتح

🔹 لكن هناك أيضًا أحاديث أخرى عدّها بعضُ العلماء من أرجى الأحاديث، ومنها:

حديث البطاقة: روى الترمذي وابن ماجه عن عبد الله بن عمرو، أن النبي ﷺ قال:

«يُؤتى برجلٍ يومَ القيامة فيُنشر له تسعةٌ وتسعون سجلاً، كلُّ سجلٍّ مثلُ مدِّ البصر (من أعماله السيئة)، ثم يُؤتى ببطاقةٍ فيها: لا إله إلا الله، فيُقال: احضرْ وزْنك.

فيقول: يا ربِّ ما هذه البطاقةُ مع هذه السجلات؟

فيُقال: إنك لا تُظلَم.

فتوضعُ السجلاتُ في كِفّة، والبطاقةُ في كِفّة، فطاشت السجلاتُ وثقُلَتِ البطاقة، فلا يثقلُ مع اسمِ الله شيء».

🔹 فهو أرجى حديث في التوحيد، إذ يبيّن أن كلمة الإخلاص — إذا وافقت قلبًا صادقًا — تمحو أعظم الذنوب.

أيها الإخوة،

إِنَّ مِنْ لُطْفِ اللهِ بِنَا أَنَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- غَفُورٌ رَحِيمٌ، وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ، وَمِنْ سَعَةِ رَحْمَتهِ أَنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِهِ: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)الأعراف؛ 

وَسِعَتْ فِي الدُّنْيَا البَرَّ وَالفَاجِرَ، وَهِيَ يَوْمَ القِيَامَةِ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا خَاصَّةً؛ 

فَرَحْمَةُ اللهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- شَمَلَتْ هَذَا العَالَمَ بِأَسْرِهِ؛ رَحِمَ النَّاسُ بِهَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا، رَحِمَتْ بِهَا الْأُمُّ وَلَدَهَا وَالْأَبُ أَوْلَادَهُ، وَرَحِمَ بِهَا الصِّغَارُ الكِبَارَ، وَالْحَيَوَانُ رَحِمَ بِهَا الْحَيَوَانَ.


و الآيات في هذا كثيرة فَقَالَ تَعَالَى: (فَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ)البقرة ، وَقَالَ تَعَالَى: (وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)البقرة، ..

حَتَّى أَنَّ الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا الرَّحْمَةُ وَدَلَالَاتُهَا تَتَجَاوَزُ 200 الْمِائَتَيْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ -تعالى-. بَلْ وَذُكِرَ اسْمُ الرَّحْمَنِ فِي القُرْآنِ 57 سَبْعَةً وَخَمْسِينَ مَرَّةً، وَاسْمُ الرَّحِيمِ 100 مِائَةَ مَرَّةٍ،    


وَمِنْ دُعَاءِ الصَّالِحِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ)غافر ، 

وَقَالَ تَعَالَى: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)الأنعام ، 

قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: 

"أَوْجَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ الكَرِيمَةِ تَفَضُّلًا مِنْهُ وَإِحْسَانًا وَامْتِنَانًا".


 فقد بَيَّنَ الرَّسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ اللهَ أَرْحَمُ بِعَبْدِهِ مِنْ وَالِدٍ بِوَلِدِهِ. 

قَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: "مَا يَسُرُّنِي أَنَّ أَمْرِي صَارَ إِلَى وَالِدَيَّ؛ إِنَّ رَبِّي أَرْحَمُ بِي مِنْ وَالِدَيَّ" وَكَلَامُهُ هَذَا يَدُلُّ عَلَى ثِقَتِهِ بِاللهِ؛ فَفِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ يَفِرُّ الْوَالِدُ مِنْ وَلَدِهِ، وَالْوَلَدُ مِنْ وَالِدِهِ. 

*************

آخِرُ أهْلِ النَّارِ دُخُولًا الجَنَّةَ

جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله أنّه:

<<.. إذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ القَضَاءِ بيْنَ العِبَادِ، وأَرَادَ أنْ يُخْرِجَ برَحْمَتِهِ مَن أرَادَ مِن أهْلِ النَّارِ، أمَرَ المَلَائِكَةَ أنْ يُخْرِجُوا مِنَ النَّارِ، مَن كانَ لا يُشْرِكُ باللَّهِ شيئًا، مِمَّنْ أرَادَ اللَّهُ أنْ يَرْحَمَهُ، مِمَّنْ يَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، 

فَيَعْرِفُونَهُمْ في النَّارِ بأَثَرِ السُّجُودِ، تَأْكُلُ النَّارُ ابْنَ آدَمَ إلَّا أثَرَ السُّجُودِ، حَرَّمَ اللَّهُ علَى النَّارِ أنْ تَأْكُلَ أثَرَ السُّجُودِ، 

فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ، قَدِ امْتُحِشُوا، فيُصَبُّ عليهم مَاءُ الحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ تَحْتَهُ كما تَنْبُتُ الحِبَّةُ في حَمِيلِ السَّيْلِ، 

ثُمَّ يَفْرُغُ اللَّهُ مِنَ القَضَاءِ بيْنَ العِبَادِ، ويَبْقَى رَجُلٌ منهمْ مُقْبِلٌ بوَجْهِهِ علَى النَّارِ، هو آخِرُ أهْلِ النَّارِ دُخُولًا الجَنَّةَ، 

فيَقولُ: أيْ رَبِّ اصْرِفْ وجْهِي عَنِ النَّارِ، فإنَّه قدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا (سَمَّني وأهْلَكني)، وأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا، فَيَدْعُو اللَّهَ بما شَاءَ أنْ يَدْعُوَهُ، 

ثُمَّ يقولُ اللَّهُ: هلْ عَسَيْتَ إنْ أعْطَيْتُكَ ذلكَ أنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ؟، فيَقولُ: لَا، وعِزَّتِكَ لا أسْأَلُكَ غَيْرَهُ، ويُعْطِي رَبَّهُ مِن عُهُودٍ ومَوَاثِيقَ ما شَاءَ، فَيَصْرِفُ اللَّهُ وجْهَهُ عَنِ النَّارِ، 

فَإِذَا أقْبَلَ علَى الجَنَّةِ ورَآهَا سَكَتَ ما شَاءَ اللَّهُ أنْ يَسْكُتَ، 

ثُمَّ يقولُ: أيْ رَبِّ، قَدِّمْنِي إلى بَابِ الجَنَّةِ، فيَقولُ اللَّهُ له: ألَسْتَ قدْ أعْطَيْتَ عُهُودَكَ ومَوَاثِيقَكَ أنْ لا تَسْأَلَنِي غيرَ الذي أُعْطِيتَ أبَدًا؟ ويْلَكَ يا ابْنَ آدَمَ ما أغْدَرَكَ، 

فيَقولُ: أيْ رَبِّ، ويَدْعُو اللَّهَ، حتَّى يَقُولَ: هلْ عَسَيْتَ إنْ أُعْطِيتَ ذلكَ أنْ تَسْأَلَ غَيْرَهُ؟ فيَقولُ: لا وعِزَّتِكَ، لا أسْأَلُكَ غَيْرَهُ، ويُعْطِي ما شَاءَ مِن عُهُودٍ ومَوَاثِيقَ، 

فيُقَدِّمُهُ إلى بَابِ الجَنَّةِ، فَإِذَا قَامَ إلى بَابِ الجَنَّةِ، انْفَهَقَتْ له الجَنَّةُ، فَرَأَى ما فِيهَا مِنَ الحَبْرَةِ (النعمة)والسُّرُورِ، فَيَسْكُتُ ما شَاءَ اللَّهُ أنْ يَسْكُتَ، 

ثُمَّ يقولُ: أيْ رَبِّ، أدْخِلْنِي الجَنَّةَ، 

فيَقولُ اللَّهُ: ألَسْتَ قدْ أعْطَيْتَ عُهُودَكَ ومَوَاثِيقَكَ أنْ لا تَسْأَلَ غيرَ ما أُعْطِيتَ؟ 

فيَقولُ: ويْلَكَ يا ابْنَ آدَمَ ما أغْدَرَكَ، 

فيَقولُ: أيْ رَبِّ، لا أكُونَنَّ أشْقَى خَلْقِكَ فلا يَزَالُ يَدْعُو حتَّى يَضْحَكَ اللَّهُ منه، 

فَإِذَا ضَحِكَ منه، قالَ له: ادْخُلِ الجَنَّةَ، 

فَإِذَا دَخَلَهَا قالَ اللَّهُ له: تَمَنَّهْ، فَسَأَلَ رَبَّهُ وتَمَنَّى، حتَّى إنَّ اللَّهَ لَيُذَكِّرُهُ، يقولُ كَذَا وكَذَا، حتَّى انْقَطَعَتْ به الأمَانِيُّ، قالَ: اللَّهُ ذلكَ لَكَ، ومِثْلُهُ معهُ.

 و في رواية أخرى: وعَشَرَةُ أمْثَالِهِ معهُ،  

هذا أقل واحد في الجنة، ماذا سيكون نصيبه وكل أهل الجنة بعد ذلك سيكونون أكثر منه، وتخيلوا معي ذلك.

🔹 أيها الإخوة من دروس الحديث:

-أنَّ رحمةَ الله أعظمُ من ذنوبِ العباد جميعًا.

-أنَّ الإيمانَ ولو كان ضعيفًا، ينفعُ صاحبَه في النهاية إذا لم يمت على الشرك.

-أنَّ اللهَ سبحانه يحبُّ عباده، ويضحكُ فرحًا بتوبتِهم كما في الحديث الآخر.

أيها الإخوة،

هذا الحديثُ لا يُعلّمُنا التهاونَ بالذنوب، ولا الاتكالَ على الرحمةِ بلا عمل، بل يُوقظُ فينا رجاءً صادقًا يدفعُ إلى التوبةِ والرجوع.

فالمؤمنُ بين خوفٍ ورجاء، لا يأمنُ مكرَ الله، ولا يقنطُ من رحمتِه.

**************

الدعاء

اللهم يا واسعَ الرحمة، يا غفورُ يا ودود، اجعلنا من عبادِك الذين إذا أذنبوا استغفروا، وإذا تابوا تبت عليهم.

اللهم اجعلنا من أهل الجنة، ولا تجعلنا من أهل النار، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك يا ربنا سميع قريب مجيب الدعوات. اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من الآيسين. اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. 

اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.

اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا. 

ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار



Aucun commentaire: