بسم الله الرحمن الرحيم
كان
السلف يحذرون من القُصّاص (الوعاظ) ؛ لأن غالبهم قليلو العلم ، ويُفسدون في تصورات
الناس من الجهة التي يُصلحون منها !
فهو
قد يذكرك بالآخرة ، لكن بتبغيض الدنيا إليك ، وهذا ليس من دين الله تعالى .
وقد
يذكرك بقصر الأمل وقرب الأجل ، لكن بتخويفك من الموت والقبر وظلمته ودوده ، والمخيف
في القبر ليس ظلمته ودوده ، وإنما انقطاع فسحة العمل والتوبة ، وأنه أول منازل الآخرة
.
وقد
يذكرك بالوقوف بين يدي الله سبحانه ، لكن بتغليب جانب الخوف من عذابه ، وكان الواجب
أن يعيدك إلى عتبة الحب ، وإلى تشوق اللقاء ، فهو الباب الأرحب لذلك الموقف بين يدي
البر الرحيم الرحمن الودود عز وجل .
وقد
يحثك على الطاعة بالتخويف من عقوبة تاركها في الدنيا ، فتغفل عن الآخرة .
وقد
يخوفك من الله تعالى ، فتخافه حقا ، حتى تيأس من رحمته ؛ لأنه جعلك تظن غضبه سابقا
رحمته .
وقد
يتوبك من صغيرة ، على أنها كبيرة ، فيختل ميزان الذنوب الذي أراده الله ميزان إصلاح
. لكن صاحبنا يظن نفسه أغير على الطاعة من الرب المطاع نفسه !!
وقد
يقومك إلى الطاعة ، لكن بأن تظن المستحب فرضا ، فيضيق عليك ما وسع الله ، وقد تفوت
بسبب ذلك فرضا من أجل سنة .
وقد
يحذرك من البدعة ، بتكفير المبتدع ، وإشعال الفتنة الطائفية .
وقد
يدعوك للاعتزاز بإسلامك ، بظلم غير المسلمين ، وإهدار كرامة غير المعتدي من الكفار
.
وقد
يمنعك من الذوبان في حضارة تضاد حضارتك الإسلامية ، بإطلاق تحريم مشابهة الكفار ، حتى
فيما الحكمة تقتضي مشابتهم فيه ؛ لأنه أحسن أو أجمل .
وقد
يمنعك من الغلو في آل البيت ، بالغلو في حب معاوية رضي الله عنه ، حتى وصل الأمر إلى
الغلو في يزيد ابنه الذي قال عنه الإمام أحمد : "وهل يحب يزيد من يؤمن بالله واليوم
الآخر؟!" .
وقد
تلتزم بالسنن الظاهرة على يديه - كاللحية وتشمير الثوب - ، لكن بأن تجعلها هي الحد
الفاصل بين المتدين والفاسق ، بين المستقيم والمنحرف ، بين الأخ في الله ومن لا أخوة
له في الله ، مع أنه مسلم !
وقد
يحذرك من المبتدع ، فيضم إليه كل من خالف تصوره الضيق عن أهل السنة والجماعة .
وقد
يُشعرك لذة المصابرة على الطاعة ، لكن مع عدم ترك الخيار لك في التلذذ بها أو بفسحة
المباح الذي أباحه الله تعالى لك .
وقد
يحميك من بعض الفتن ، بحجة غربة الإسلام ، و"طوبى للغرباء" ، لكن بعزلك عن
الواقع ، حتى تصبح عرضة للوقوع في الفتن عند أول احتكاك بالواقع .
وقد
يُورّعك عن بعض المباح بحجة الشبهة ، لتقع بسبب التضييق عليك في المحرم قطعا بغير شبهة
.
وقد
يعظم عندك العلماء ، أو من يسميهم لك علماء ، حتى تلقي قيادك لهم ، ليمارسوا كهنوتهم
عليك ، وتصبح مسلوب الفكر لديهم .
وقد
يحذرك من التعصب للأئمة الأربعة ، لينقلك من تقليدهم إلى التعصب لمن جاء بعدهم ممن
لا يقاربهم في العلم .
وقد
يحبب إليك الطائعين ، بالتعجرف على العصاة ، والواجب رحمتهم والتواضع أمام نظر الله
فيك وفيهم .
وقد
يؤزك إلى فريضة الاحتساب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، بلا ضوابط ، فتمارس الاحتساب
بما يثير منكرات أكبر مما أنكرت ، أو تُنكر ما لا يجوز إنكاره أصلا : من الاختلاف المعتبر
عند العلماء .
وتالله
لو أردت الاسترسال لخرج الكلام إلى ألف خلل وخلل ، يصنعه وعظ الجهال ، وإفسادهم من
حيث يُصلحون !
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire