jeudi 5 janvier 2017

كان السلف يحذرون من القُصّاص (الوعاظ)


 بسم الله الرحمن الرحيم
كان السلف يحذرون من القُصّاص (الوعاظ) ؛ لأن غالبهم قليلو العلم ، ويُفسدون في تصورات الناس من الجهة التي يُصلحون منها !
فهو قد يذكرك بالآخرة ، لكن بتبغيض الدنيا إليك ، وهذا ليس من دين الله تعالى .
وقد يذكرك بقصر الأمل وقرب الأجل ، لكن بتخويفك من الموت والقبر وظلمته ودوده ، والمخيف في القبر ليس ظلمته ودوده ، وإنما انقطاع فسحة العمل والتوبة ، وأنه أول منازل الآخرة .
وقد يذكرك بالوقوف بين يدي الله سبحانه ، لكن بتغليب جانب الخوف من عذابه ، وكان الواجب أن يعيدك إلى عتبة الحب ، وإلى تشوق اللقاء ، فهو الباب الأرحب لذلك الموقف بين يدي البر الرحيم الرحمن الودود عز وجل .
وقد يحثك على الطاعة بالتخويف من عقوبة تاركها في الدنيا ، فتغفل عن الآخرة .
وقد يخوفك من الله تعالى ، فتخافه حقا ، حتى تيأس من رحمته ؛ لأنه جعلك تظن غضبه سابقا رحمته .
وقد يتوبك من صغيرة ، على أنها كبيرة ، فيختل ميزان الذنوب الذي أراده الله ميزان إصلاح . لكن صاحبنا يظن نفسه أغير على الطاعة من الرب المطاع نفسه !!
وقد يقومك إلى الطاعة ، لكن بأن تظن المستحب فرضا ، فيضيق عليك ما وسع الله ، وقد تفوت بسبب ذلك فرضا من أجل سنة .
وقد يحذرك من البدعة ، بتكفير المبتدع ، وإشعال الفتنة الطائفية .
وقد يدعوك للاعتزاز بإسلامك ، بظلم غير المسلمين ، وإهدار كرامة غير المعتدي من الكفار .
وقد يمنعك من الذوبان في حضارة تضاد حضارتك الإسلامية ، بإطلاق تحريم مشابهة الكفار ، حتى فيما الحكمة تقتضي مشابتهم فيه ؛ لأنه أحسن أو أجمل .
وقد يمنعك من الغلو في آل البيت ، بالغلو في حب معاوية رضي الله عنه ، حتى وصل الأمر إلى الغلو في يزيد ابنه الذي قال عنه الإمام أحمد : "وهل يحب يزيد من يؤمن بالله واليوم الآخر؟!" .
وقد تلتزم بالسنن الظاهرة على يديه - كاللحية وتشمير الثوب - ، لكن بأن تجعلها هي الحد الفاصل بين المتدين والفاسق ، بين المستقيم والمنحرف ، بين الأخ في الله ومن لا أخوة له في الله ، مع أنه مسلم !
وقد يحذرك من المبتدع ، فيضم إليه كل من خالف تصوره الضيق عن أهل السنة والجماعة .
وقد يُشعرك لذة المصابرة على الطاعة ، لكن مع عدم ترك الخيار لك في التلذذ بها أو بفسحة المباح الذي أباحه الله تعالى لك .
وقد يحميك من بعض الفتن ، بحجة غربة الإسلام ، و"طوبى للغرباء" ، لكن بعزلك عن الواقع ، حتى تصبح عرضة للوقوع في الفتن عند أول احتكاك بالواقع .
وقد يُورّعك عن بعض المباح بحجة الشبهة ، لتقع بسبب التضييق عليك في المحرم قطعا بغير شبهة .
وقد يعظم عندك العلماء ، أو من يسميهم لك علماء ، حتى تلقي قيادك لهم ، ليمارسوا كهنوتهم عليك ، وتصبح مسلوب الفكر لديهم .
وقد يحذرك من التعصب للأئمة الأربعة ، لينقلك من تقليدهم إلى التعصب لمن جاء بعدهم ممن لا يقاربهم في العلم .
وقد يحبب إليك الطائعين ، بالتعجرف على العصاة ، والواجب رحمتهم والتواضع أمام نظر الله فيك وفيهم .
وقد يؤزك إلى فريضة الاحتساب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، بلا ضوابط ، فتمارس الاحتساب بما يثير منكرات أكبر مما أنكرت ، أو تُنكر ما لا يجوز إنكاره أصلا : من الاختلاف المعتبر عند العلماء .

وتالله لو أردت الاسترسال لخرج الكلام إلى ألف خلل وخلل ، يصنعه وعظ الجهال ، وإفسادهم من حيث يُصلحون !
الشريف حاتم بن عارف العوني

Aucun commentaire: