mercredi 26 juillet 2017

السعادة مرّة آخرة - خطبة بجامع الحنفية - 7-2017

 السعادة مرّة آخرة - ج الحنفية - 7/2017
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي زين قلوب أوليائه بأنوار الوفاق، وألزم قلوب الخائفين الوجَل والإشفاق، فلا يعلم الإنسان في أي الدواوين كتب ولا في أيِّ الفريقين يساق، فإن سامح فبفضله، وإن عاقب فبعدلِه، ولا اعتراض على الملك الخلاق.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، إلهٌ عزَّ مَن اعتز به فلا يضام، وذلَّ مَن تكبر عن أمره ولقي الآثام.
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدًا عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، خاتم أنبيائه، وسيد أصفيائه، المخصوص بالمقام المحمود، في اليوم المشهود، الذي جُمع فيه الأنبياء تحت لوائه.
وعلى آله وأصحابه، ومن سار على نهجه، وتمسَّك بسنته، واقتدى بهديه، واتَّبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ونحن معهم يا أرحم الراحمين.
***
عَبَّرَ القرآن عن حالِ المؤمِن، وما يغشاه مِن راحة، وسَكينة، وطُمأنينة بالحياة الطيِّبة؛ كما قال - تعالى -: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97].

وَقال - تعالى -: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ يونس

﴿ هاؤم اقرؤوا كتابيه ﴾
قمّة السعادة حينما تحمل كتابك بيمينك وتنادي بهذا النداء.
من السعادة صلاة الفجر
فريضتها : تجعلك في ذمّة الله.
وسنتها : خير من الدنيا وما فيها.
وقرآنها : إِن قُرآن الفجر كانَ مَشْهُود
فهنيئاً لمن أدركها .
فالمؤمِن المخلِص لله مِن أطيبِ الناس عيشًا، وأنعمِهم بالاً، وأشرحهم صدرًا، وأسرِّهم قلبًا، وهذه جَنَّةٌ عاجِلة قبلَ الجنة الآجِلة،
قال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((إذَا مَرَرْتُم برِياض الجَنَّة فارْتعوا))، قالوا: وما رِياض الجَنَّة؟ قال:((حِلَق الذِّكر))

ومِنْ هذا قَوْلُه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما بَيْن بيْتي ومِنْبَري رَوضةٌ مِن رِياض الجَنَّة))؛ [ص]. (حم/خ/م) ا.هـ؛ "الجَوابُ الكافي"، بتصرُّف يسير جدًّا.
يا متعب الجسم كم تسعى لخدمته : : : أتعبت جسمك فيما فيه خسران
أقبل على الروح واستكمل فضائلها : : : فأنت بالروح لا بالجسم إنسان.
أيّها الإخوة،
السعادة الحقيقية في طاعة الله، والبعد عن معصيته التي هي سبب في الفوز الأبدي
(فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَاز)
آل عمران،
وذلك بأن يسير الإنسان في هذه الدار على الصراط المستقيم، وأن يتبع الرسول الكريم، وأن يتقي الله ويراقبه في السر والعلانية، والغيب والشهادة، فبذلك يفوز الإنسان ويسعد..

ولست أرى السعادة جمع مال : : : ولكن التقي هو السعيد.
***
روى ابنُ حبَّان في "صحيحه"، والحاكمُ في "المستدرك"، والطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، والبيهقيُّ في "الشُّعَب"، وغيرُهم عن سعد بن أبي وقاص - رضِي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((أربعٌ من السعادة: المرأةُ الصالحة، والمسكنُ الواسِع، والجارُ الصالح، والمَرْكَب الهنيء، وأربعٌ من الشقاء: المرأة السوء، والجار السوء، والمركب السوء، والمسكن الضيِّق))، .
((أربعٌ من السعادة))؛ أي: كلُّ أمرٍ من هذه الأمور الأربعة فيه سعادةٌ لصاحبه، وسرُّ هذه السعادة أنَّ كلَّ أمرٍ من هذه الأمور الأربعة مُلازِم للإنسان؛ فلا يُفارِقه الإنسان تقريبًا إلا ويَعُود إليه مرَّة أخرى، فصُحبة الزوجة أو المسكن، أو الجار أو المركب، صُحبة حياة وملازمة دائمة.

وهذه السعادة وإن كانت سعادة دنيويَّة وثمرتها عاجلة، إلاَّ أنَّ أسبابها ووجودها من أعظم ما يُعِين العبدَ على أمرِ دينه وآخرته.

• وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((المرأة الصالحة)):
فالمرأة الصالحة خيرُ مَتاع الدنيا، كما قال - صلى الله عليه وسلم -:
((الدنيا كلُّها مَتاع، وخير مَتاع الدنيا المرأة الصالحة))؛ أخرجه مسلم وغيره من حديث عبدالله بن عمرو،
وفي رواية النسائي وابن ماجه: ((إنما الدنيا مَتاع، وليس من مَتاع الدنيا شيء أفضل من المرأة الصالحة))؛ صحَّحه الألباني في "صحيح الجامع".
متاع : يتمتّع به
فمع كون المرأة الصالحة مَتاعًا دنيويًّا بما تُدخِله على زوجها من سُرُور وبهجة، وبما تحمل معه من هُمُوم ومَشاكِل، فهي كذلك تُعِين زوجَها على أمر الآخرة.

وفي رواية الحاكم - رحمه الله تعالى - لهذا الحديث وصَفَها - صلى الله عليه وسلم - بقوله: ((فمن السعادة: المرأة الصالحة، تراها فتُعجِبك، وتَغِيب عنها فتأمنها على نفسها ومالك))؛ أخرجه الحاكم، وحسَّنه الألباني في "صحيح الجامع".

ووصَفَها - صلى الله عليه وسلم - في حديثٍ آخر بقوله:
((خير النساء التي تسرُّه إذا نظر، وتُطِيعه إذا أمر، ولا تُخالِفه في نفسها ولا مالها بما يكره))؛ أخرجه أحمد والنسائي والحاكم من حديث أبي هريرة، وصحَّحه الألباني في "صحيح الجامع".

وكذلك من سعادة المرأة المسلمة الزوج الصالح، وهو الذي يَكفِي امرأتَه مُؤَنَ الحياة، ويُعِينها على أمر دينها.

• وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((والمسكن الواسِع)): زادَ في رواية الحاكم: ((والدار تكون واسعة كثيرة المَرافِق))، فالمسكن الواسِع أبهج للنفوس وأحبُّ إليها؛ لأنَّ في السعة عامَّة راحةً نفسيَّة، كما أن الدار الواسِعَة أجمع لحاجات أصحابها.
• وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((والجار الصالح)): فهو الذي يكفُّ أذاه عن جِيرانه، ويُحسِن إليهم في مَعاشِهم وآخرتهم، وقد وصَّانا ربُّنا - تبارك وتعالى - بالجار فقال:
﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ ﴾ [النساء: 36].

وفي الصحيحين من حديث عائشة وعبدالله بن عمر - رضي الله عنهم جميعًا - أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
((ما زال جبريل يُوصِيني بالجار حتى ظننت أنَّه سيُورِّثه))، وبالَغ - صلى الله عليه وسلم - في حقوق الجار فقال:
((ما آمَن بي مَن بات شبعان وجارُه جائِع إلى جنبه وهو يعلم به))؛ أخرجه البزَّار والطبراني، وصحَّحه الألباني في "صحيح الجامع".

• وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((والمركب الهَنِيء)): في رواية الحاكم تفسير له: ((والدابَّة تكون وَطِيئة فتُلحِقك بأصحابك))، وفي زماننا هذا اختلفت المراكب، لكن منها كذلك ما هو هَنِيء مُرِيح لصاحبه، ومنها ما هو سيِّئ مُتعب.

والمركب الهَنِيء عادة لا يُؤَخِّر صاحبه عن مقصده وحاجته، كما لا يلحق به مَتاعِب الطريق المعوج غير المُذَلَّل، واليوم المركب الهَنِيء لا يشعر صاحبه بِمَتاعِب الجوِّ، سواء أكان الجوُّ حارًّا أم باردًا، كما يكون سهلاً في قيادته، وكلُّ هذا لا شكَّ من السعادة الدنيويَّة ومن راحة الإنسان في هذه الحياة الدنيا.

• وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((وأربعٌ من الشَّقَاء)): وهي بضدِّ الأولى، والشَّقاء هنا هو المشقَّة والتَّعَب، وهذا الشقاء يَكُون للمؤمن الديِّن بلاء واختبارًا من الله - عزَّ وجلَّ - يرفع به درجته، ويحطُّ به خطيئته، ولغير المؤمن جزاء وعقابًا.
• وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((المرأة السوء)): وفي رواية الحاكم وصفٌ لها بأنها: ((تراها فتَسُوءُك، وتحمل لسانها عليك، وإن غبتَ عنها لم تأمنها على نفسها ومالك))، فمنظرها عند زوجها قبيح، ولسانها عليه حادٌّ، ولنفسها وماله غير حافظة.

وصِفة واحدة من هذه الصفات في المرأة مُؤذِنة بكراهية زوجها لها وشقائه بها، فكيف إذا جمعت هذه الصفات كلها أو زادت عليها؟!

• وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((والجار السوء)): فهو السيِّئ الأخلاق، الذي لا يكفُّ أذاه عن جارِه، ولا يَعرِف حقوقَه عليه، وفي حديث فَضالَة بن عبيد عند الطبراني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ثلاثة من الفواقر))، وذكر منها: ((وجار إن رأى خيرًا دفَنَه، وإن رأى شرًّا أشاعَه))؛ ضعَّفه الألباني في "ضعيف الجامع".

وقد قال - صلى الله عليه وسلم -:
((تعوَّذوا بالله من جار السوء في دار المقام، فإن الجار البادِي يَتحوَّل عنك))؛ أخرجه النسائي من حديث أبي هريرة، وصحَّحه الألباني في "صحيح الجامع".

• وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((والمركب السوء)): في رواية الحاكم: ((والدابَّة تكون قَطوفًا؛ فإن ضربتها أتعبَتْك، وإن تركتها لم تُلحقك بأصحابك))؛ أي: تكون بطيئة السير، والسيارة السيِّئة في أيامنا نحن، إن تركتها على ما هي عليه أتعبَتْك، وإن حاوَلتَ إصلاحها كلَّفَتْك المال والجهد، ولم تستَقِم لك كما تريد.

• وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((والمسكن الضيِّق)): في رواية الحاكم: ((قليلة المَرافِق))، وشقاؤه في أنَّه لا يسع أهله ولا يَفِي بأغراضهم.

Aucun commentaire: